وجه رئيس الوزراء الليبي علي زيدان الشكر لميليشيا مسلحة على انقاذه بعد ساعات من خطفه من فندقه في طرابلس، الاسبوع الماضي على ايدي مسلحين ينتمون لميليشيا منافسة. وحتى بالنسبة لمواطني ليبيا الذين اعتادوا على البدايات العاصفة لديمقراطيتهم سلط خطف زيدان من فندق كورينثيا الضوء على قوة المقاتلين السابقين، بعد عامين من اطاحتهم بالعقيد معمر القذافي وعلى مخاطر التناحر فيما بينهم.
وتوجهت قوات الشرطة والجيش الليبي الناشئ الى مكان الحادث لكن رجال الميليشيا السابقين أظهروا أن لهم اليد العليا في نزاع بين الزعماء القبليين والإسلاميين المتنافسين على غنائم ما بعد الانتفاضة في ليبيا المنتجة للنفط.
وبسبب هذا النزاع أصبحت ليبيا أقرب الى خوض حرب جديدة تهدد المكاسب الديمقراطية للانتفاضة التي دعمها حلف شمال الاطلسي.
واضطرت الحكومة الليبية المركزية العاجزة عن استعادة السيطرة على بلد تنتشر فيه بكثافة أسلحة تعود لعصر القذافي الى محاولة ادماج الميليشيات في أجهزة أمن شبه رسمية لا تسيطر عليها جيدا.
وقال زيدان للصحفيين بعد انقاذه مشيرا الى منتقدين في البرلمان، يعتزمون اجراء تصويت على سحب الثقة من حكومته لاتهامه بالفشل في اقرار الامن، انه يريد بناء دولة لها جيش وشرطة ومؤسسات لكن هناك من يريد عرقلة هذا.
ولم تشهد العاصمة طرابلس اشتباكات كبيرة بين الميليشيات مثل مدينة بنغازي في شرق ليبيا. لكن الصراع واضح للعيان حيث يجلس مسلحون من جماعتين متنافستين في شاحنات مشهرين أسلحة مضادة للطائرات في أجزاء مختلفة من العاصمة.
وفي الشرق تتمركز قوة درع ليبيا وميليشيات اسلامية تضم مقاتلين مناهضين للقذافي في المناطق الساحلية الليبية بينما يتحصن قادتهم في مدينة مصراتة في قاعدة معيتيقة الجوية.
وتسيطر ميليشيا الزنتان القبلية القوية، وهي جزء من اتحاد فضفاض لجماعات معظمها بدوية في عمق الصحراء، على منطقة حول مطار طرابلس الدولي. وكانت هذه الجماعات في يوم من الايام جزءا من قوات الامن التابعة للقذافي.
وتعكس الخصومة بين الميليشيات في ليبيا صراعا في داخل الحكومة الليبية الهشة حيث يسيطر الاتحاد القبلي المدني على وزارة الدفاع بينما تتبع قوة درع ليبيا ذات التوجه الاسلامي وزارة الداخلية.
وينقسم البرلمان الليبي وفقا لنسق مشابه حيث يختلف اتحاد القوى الوطنية مع الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في ليبيا بشأن مستقبل البلاد.
وقال خاطفو زيدان المتحالفون مع قوة درع ليبيا ان دافعهم لخطفه كان الغضب بسبب غارة أمريكية أدت الى اعتقال شخص يشتبه بأنه قيادي كبير في تنظيم القاعدة في طرابلس. ووصف رئيس الوزراء الذي أطلقت ميليشيا موالية لوزارة الدفاع سراحه عملية خطفه بأنها محاولة انقلاب.
وتصاعد التوتر مع الاسلاميين منذ زيارة زيدان لمصر في سبتمبر، حيث اتهموه بتأييد عزل الجيش المصري للرئيس الاسلامي محمد مرسي.
وقال دبلوماسي غربي يعيش في ليبيا "لم توضع اللمسات الاخيرة للمحصلة السياسية للثورة ولا يزال الناس يعتقدون في وجود مكاسب وخسائر."
ثورة دون لمسات أخيرة
كان مسلحون في ميليشيا اسلامية متحالفة مع قوة درع ليبيا يحتجزون زيدان في مكتب حكومي. ولا تزال تفاصيل الخطف غير واضحة لكن ميليشيا موالية أطلقت قذائف صاروخية خارج المكتب قبل العملية.
وقال ريكاردو فابياني، وهو محلل لشؤون شمال افريقيا في مجموعة يوراسيا، ان الميليشيات تستخدم عضلاتها على ما يبدو لتحقيق مطالب محددة. لكن الامر قد يخرج عن نطاق السيطرة اذا ثبت أن خصوم زيدان السياسيين دبروا لخطفه.
وأضاف "سيغير هذا كثيرا من المشهد وقد يغرق ليبيا في الفوضى لان الجماعات الاخرى سيكون لديها مبرر للتصدي لمحاولة انقلاب".
وفي بنغازي العاصمة الاقليمية لشرق ليبيا الغني بالنفط حيث هاجم اسلاميون متشددون السفارة الامريكية قبل عام اشتبك رجال ميليشيات مدعومون من الجيش في وقت سابق من العام مع قوة درع ليبيا وقتل أكثر من 30 شخصا.
وسيطر رجال ميليشيات بقيادة قائد أمني سابق على موانئ مهمة في الشرق لشهور مما أدى الى تراجع صادرات ليبيا النفطية الى النصف. وليبيا هي ثالث أكبر منتج للنفط في افريقيا ومورد مهم لاوروبا.
واحتجزت ميليشيا قبلية قوية في غرب ليبيا ابن للقذافي في معقلها في الصحراء.
وحتى قبل خطف رئيس الوزراء كان القتال قد وصل الى طرابلس عندما قام مقاتلو الزنتان بأعمال نهب في يوليو في منطقة أبو سليم السكنية انتقاما لمقتل العديد من رجالهم على يد خصوم لهم توجه اسلامي.
وأخرج مقاتلو الزنتان عربات مصفحة سرقوها من قواعد القذافي وأحرقوا مكتب الاسلاميين. وحال تدخل شيوخ قبائل دون نشوب حرب ميليشيات أوسع نطاقا.
الميليشيات تتلقى الاموال وليس الاوامر
يصل عدد الليبيين المسجلين في عشرات الميليشيات التي تخضع لسيطرة الدولة شكليا الى أكثر من 225 ألفا. ويحصل هؤلاء على رواتب من الحكومة لكنهم يتصرفون باستقلالية ويتلقون الاوامر من القادة المحليين أو من الزعماء السياسيين الموالين لهم ويرفضون حملات لتجنيدهم في صفوف قوات الامن.
ومازالت ليبيا تتفاوض مع بريطانيا وتركيا وايطاليا من أجل تدريب قواتها المسلحة الناشئة لكن حلف شمال الاطلسي قال الاسبوع الماضي انه لا يزال يبحث تأثير الوضع الامني على الارض على مساعدته لليبيا.
ويمر التدريب العسكري الامريكي بمراحل التخطيط وقالت بريطانيا ان تدريبها الرئيسي قد يبدأ مطلع العام المقبل.
وتخشى قوى غربية أن يكون جنوب ليبيا مترامي الاطراف والذي لا يخضع لسلطة قد أصبح ملاذا بالفعل للإسلاميين المتشددين الذين تربطهم صلات بجناح اقليمي لتنظيم القاعدة. ولا يحفز ضعف الدولة رجال الميليشيات كثيرا أيضا على تسليم أسلحتهم.
وقال دبلوماسي غربي اخر في طرابلس "بدأت بعض الميليشيات تتورطفي تهريب الاسلحة والمخدرات واللاجئين. من غير المرجح أن تتخلى عنهذه الاعمال. ولن ينفد مخزونها من السلاح أو الذخيرة عما قريب".
وشكل البرلمان الليبي قوة درع ليبيا العام الماضي بعدما ضاق ذرعا بفشل الحكومة المتكرر في السيطرة على الميليشيات القبلية. ووافق أعضاء البرلمان الذي يعرف باسم المؤتمر الوطني العام على انفاق ملايين الدولارات من مخصصات الميزانية على تجهيز القوة حتى تكون جيش احتياط في البلاد.
وقال أحميدة دالي وهو نائب في البرلمان أيد دخول قوة درع ليبيا العاصمة ان دخولها الى طرابلس أعاد توازن القوة في المدينة.
لكن الامر أثار استياء ميليشيات بدوية عربية من بينها ورفلة، أكبر قبيلة ليبية، وكذلك قبيلة الزنتان القوية بينما حظى بترحيب الكثير من سكان ليبيا بعدما ضاقوا ذرعا بمقاتلي الزنتان الذين هاجموا قصور القذافي وصادروا الاسلحة والأموال قبل سقوطه.
وقال يوسف عاشور وهو يحتسي القهوة في مقهى بحي راق في طرابلس"نحتاج كثيرا اليهم حتى لا تتخذ المدينة رهينة لرجال العصاباتالبدوية."
ويؤيد محمود جبريل، القيادي المناهض للإسلاميين والذي ينتمي لقبيلة ورفلة، احياء التحالفات القبلية ومن غير المرجح أن يتخلى اتحاد القوى الوطنية الذي ينتمي اليه عن الميليشيات الممولة من الدولة في سبيل جيش وطني يسيطر عليه خصم.
ويبدو أن بعض الميليشيات القبلية تستعد لمواجهة محتملة مع خصومها الاسلاميين حول طرابلس.
وقال قائد ميليشيا قبلية يدعى علي "القاعدة والسلفيون وقوات الدرع.. كلهم سواء. يجب تصفيتهم. لن نسمح لهم بالاستيلاء على ليبيا".