يدشن الكاتب المغربي عبد الواحد كفيح مغامرته السردية في جنس الرواية بنص طويل اختار له اسم «روائح مقهى المكسيك» ، وهو صادر عن منشورات سليكي إخوان في 159 صفحة من الحجم المتوسط، وقد جاءت هذه الرواية بعد أن فرض الكاتب نفسه في المشهد الأدبي المغربي كقاص، له مميزاته الخاصة في الكتابة القصصية، والتي من أهمها الحفاظ على المعطى الحكائي باعتباره عماد القصة وأساسها، وقد لاحظ قراء المتن القصصي لعبد الواحد كفيح أن قصصه القصيرة تغازل جنس الرواية، نظرا لغناها وطولها وترفها الحكائي، وأسلوبها الذي يناسب إلى حد بعيد جنس الرواية، ومما كان قد استوقفني شخصيا في هذه النصوص القصصية وخاصة في المجموعة القصصية «أنفاس مستقطعة»، هو متعة الحكي الناضحة من ثنايا النصوص، فالنفس الحكائي الجميل دالة مهيمنة على النصوص بأكملها، فما إن يبدأ المرء قراءة النص الأول حتى يجد نفسه مسحوبا من ناصيته للانغماس في أجواء النصوص الأخرى. في روايته الأولى، اختار الكاتب عبد الواحد كفيح أن يتتبع مسار شخصية هامشية، تستوطن مكانا أو أمكنة هامشية والغة في شعبيتها، ليكشف لنا المستور ويجول بنا في دروب عميقة من الصعب الاطلاع عليها دون بوصلة الكاتب الروائي، الذي أبدع في تصوير شخصيته من خلال المحن التي مرت بها في حياتها، فلا يمكن للقارئ إلى أن يتعاطف معها وهو يرى نفسه في إحدى المواقف الحرجة التي تمر بها، سواء في الكتاب المسيد وبالخصوص في المقهى الذي غدا فندقا من نوع خاص يستقبل زبناء خاصين من قاع المجتمع، كل منهم يحمل في سحنته وسلوكه حكاية نوعية وغريبة، مثل ذلك الرجل الذي قصد المقهى للمبيت رفقة امرأة ادعى أنه أمه فإذا بالسارد يكتشف أنها مجرد امرأة عابرة أتى بها الرجل لقضاء وطره، أو ذلك الأمازيغي القادم من أعماق الجبال يحمل في كيس ثعلبا حيا يتغيا بيعه في السوق صباح اليوم التالي «للعطارين الذين يستعملون دمه وزغبه وذيله، في السحر والشعوذة والأعمال الشيطانية التي تستهوي النساء بالخصوص، وثمنه يساوي ثمن قلادة من الذهب الخالص»ص 38 وبعد أن رسخ البطل قدميه داخل المقهى وقد رقته»أمي العيدية إلى مرتبة مراقب عام مؤقت أصبح يتجسس على الزبناء فيعرف حكاياهم وسرارهم، ويستلذ بذلك لذة لا تضاهى، حتى أن المرء ليظن أن الكاتب أعده فقط لهذه المهمة الدنيئة. وإذا كان هذا حال الشخصية الرئيسية، فإن حال أمي العايدية أغرب، إنها امرأة تجمع كل المتناقضات الممكنة، فأهلها كل ذلك لتكون شخصية روائية بامتياز، وقد أسهب السارد في وصفها بأوصاف دقيقة وساخرة، إنها «زوجة الشيبة العاصية، صاحب المقهى، كتلة لحمية متراصة البنيان، تخطت عتبة القنطار وما يزيد. امرأة سبحن أحسن الخالقين، سمينة غليظة، مترامية الأطراف والأرداف. تحتاج إلى مقعدين في الحافلة،لأن مؤخرتها ولا حسد بناء مهول، تداعى بلا كوابح ولا ضوابط» ص47. ولعل هذا الوصف لشخوص الرواية يمنحنا فكرة واضحة عن طبيعة الشخوص التي اختارها عبد الواحد كفيح لروايته، وهم لا يختلفون كثيرا عن شخوص قصصه القصيرة، إذ يتميزون بالطابع الشعبي وبالعفوية، ويبرع الكاتب في تقديمهم للقارئ بقلمه الساخر، الذي لا تفوته شاردة أو واردة، من أجل أن يجعل هذه الشخوص تتحرك أمام أعين القارئ على مسرح الحياة المتخيل، كاشفا بذلك عن كثير من العاهات والأمراض التي يعاني منها المجتمع، لأنه الكاتب مهتم كثيرا بالانتصار إلى تلك الفئة الشعبية الهامشية، التي تعاني شظف العيش، وتتخبط في الأمية والجهل ودائما تعاني من سوء الفهم والتفاهم، فضحه لطريقة عيشها هو فضح لمجتمع يهمل فئة من الناس ويدعها على هامش اهتماماته، ولعل هذا مما يجعل عبد الواحد كفيح كاتبا ملتزما منتصرا لهموم الطبقة الشعبية المحرومة. وقد أغامر بعد قراءتي المتواضعة رواية»روائح مقاهي المكسيك» فأعتبرها رواية الشخصيات، لأنها أبدعت في وصفها واستجلاء بواطنها، مقدمة إياها إلى القارئ في أقوى لحظاتها الوجودية والنفسية، حريصة على أن يكون مكان عيشها أو تواجدها منسجما مع طبيعتها المعقدة، التي تحيلنا على شخصيات مرجعية في الأدب العالمي كشخصيات البؤساء لفيكتور هيكو مثلا. -هامش ألقيت هذه الورقة النقدية خلال حفل احتفاء «غاليري الأدب» بالأديب عبد الواحد كفيح وروايته» روائح مقاهي المكسيك» بالدار البيضاء يوم السبت 19 أبريل 2014. *كاتب مغربي