ما إن تنطلق دورة برلمانية ويتطلع المتابعون لشأننا السياسي الوطني كي تكون المؤسسة التشريعية في الموعد، وتساهم في إخراج السياسة من عبثيتها، وتنهض بدورها في التشريع والمراقبة، حتى تنقض أوساط حزبية وبرلمانية معروفة على هذا التطلع الجماعي ساعية لوأده، أو على الأقل تحريف النظر عنه، وجعل الاهتمام يتركز على... الفراغ. منذ انتخاب الرئيس الجديد لمجلس النواب مثلا، لازلنا لا نرى سوى محاولات من هنا ومساعي من هناك لترك الغرفة الأولى مكبلة بلا حراك أو حتى تململ بسيط إلى الأمام. قد تكون بعض الوقائع حقيقية وموضوعية، وهي التي يحرص الرئيس الجديد على «سل شوكتها بلا دم» لكونها مرتبطة بخلافات حزبية داخلية، ويسعى لكي تكون انطلاقة ولايته مقترنة بتوافق وانخراط جماعيين في مسلسل التأهيل البرلماني، لكن أطراف حزبية أخرى تقترف اليوم ممارسات وتلكؤات تشتم منها روائح المناورة و... الابتزاز، وهي لا تتردد حتى في ترويج الكلام عن ذلك، وبعث الإشارات الإعلامية بشأنه، وكل هذا ينبئ بأن دورة أبريل محفوفة هي أيضا بمخاطر التهاوي إلى الأسفل من السياسة و... الكلام. لم يعد في الباقي من الولاية التشريعية الحالية أصلا سوى مدة محدودة، والأجندة العامة تشمل عشرات النصوص والتشريعات، وكل هذا لا يمكن إنجازه إلا بمشاركة الأغلبية والمعارضة معا، وأيضا ضمن وعي جماعي بدقة المرحلة وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع. لكن ما تتناقله أخبار المجالس هذه الأيام، وإمعان البعض في «الحساب لوحده»، والعودة إلى استهداف هذا الحزب أو ذاك، أو هذا الفريق النيابي أو غيره، كل هذا لا يجعلنا سوى من ضمن الداعين لهذا البعض بالشفاء العاجل من مرض... العبث وعمى البصيرة. لقد جربت كثير أساليب مثلا لضرب فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب، لكنها كلها فشلت ومرغت وجوه مقترفيها في التراب، وجربت بلطجيات عديدة ضد الأغلبية الحالية، لكنها كانت من غير أثر أو امتداد، وكل هذه الصفعات لم تنجح في ثني من نزلت على وجوههم كي يتراجعوا ويرحموا هذا البلد وأهله من عبثياتهم، وهم اليوم يناورون، يصرخون، يلمحون، يهددون، وأيضا يبتزون. إذن ماذا يريدون؟ كل الظرفيات الصعبة المتربصة بالبلاد لم تجعلهم يدركون المطلوب منهم، وكل التحديات لم تشعرهم ولو بقليل مسؤولية تجاه البلاد ومستقبلها، وأيضا كل فضائحهم المعلنة لم تجعلهم يخجلون. البلاد لم تعد قادرة على تحمل مزيد عبث، والبرلمان مطالب بتمتين عمله وانتظامية سيره، والحكومة أيضا مدعوة للانتقال إلى سرعة أكبر في تطبيق إصلاحاتها، وخصوصا الاجتماعية والتنموية والتشريعية والهيكلية... أما كل هذا العبث الذي بات لصيقا بجلسات البرلمان، فلم يعد يضحك أحدا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته