المملكة المغربية بلد مهم ومؤثر في الساحتين العربية والدولية عندما نتحدّث مع السفير الدكتور عبد الرحمن الجدَيع وتجربته في الحياة الدبلوماسية، فإننا نتحدث عن شخصية دبلوماسية مخضرمة. فقد عمل د. الجدَيع أستاذا مساعدا بالمعهد الدبلوماسي، ثم تقلد عدةَ مناصب دبلوماسية كسفير للمملكة في دول مختلفة، كان آخرها تعيينه سفيرا لدى المملكة المغربية، ولعل من نافلة القول إن السفراء الذين مثلوا المملكة في المغرب تميزوا، فضلاً عن قدراتهم الدبلوماسية، باهتمامهم بالشعر والأدب، وكانوا، بالتالي، واجهة أدبية للمملكة في الأوساط الثقافية والأدبية في المغرب.. «الرياض» التقت د.الجديع السفير والشاعر والمثقف بعد تسلُّمه منصبه الجديد كسفير للمملكة لدى المغرب، فكان لها معه هذا الحوار الذي ارتأت بيان اليوم نشره في هذا العدد بالنظر إلى أهميته: أرحب بكم في حوار «الرياض» ونقدم لكم التهنئة على تعيينكم في المنصب الجديد، وسؤالي هو: كيف تقيّمون العلاقات السعودية المغربية؟ أود بداية أن أرحب بكم للحديث عن سفارة المملكة في الرباط وأشكر لكم ولجريدتكم الغرّاء تهنئتكم الكريمة، وأود في هذا المقام أن أبدي مدى اعتزازي الكبير بالثقة السامية بتعييني في المغرب. واسأَل الله، عزّ وجلّ، أن أكون عند حسن الظن، وان يهيّئ لنا من أمرنا رشداً، كما يشرفني أن أقدم بهذه المناسبة أحر التهاني لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز على مبايعته ولياً لولي العهد من جانب أسرته الكريمة وشعبه الأبي، ليكون بذلك خير عضد لوالدنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده. وبالعودة إلى سؤالك فإن أي تقييم للعلاقة السعودية المغربية لا بد من أن يأخذ بالاعتبار العلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين السعودي والمغربي على مر العصور، وكيف أن التراث الحضاري للبلدين يجمع كثيراً من القواسم المشتركة من قيم ومبادئ وتقاليد وممارسات جمعت بين الشعبين على أكثر من صعيد. زواج السعوديين من مغربيات له ضوابط ويحتاج لاستشارة السفارة ولا شك أن العلاقات السعودية المغربية قد شهدت تطورا نوعيا على أكثر من مستوى وخصوصا في ظل القيادتين الرشيدتين للبلدين. وهي تشهد حاليا ازدهارا غير مسبوق نظرا لحرص خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين «حفظهما الله» وجلالة الملك محمد السادس على تطوير وتنمية أبعاد هذه العلاقة وتعزيز الصلات القائمة نوعاً وكماً. إن ما يجمع هذين البلدين الشقيقين الكثير من السياسات الوسطية والمواقف البناءة في الاعتدال ومحاربة الإرهاب وتركيزهما على المسائل والقضايا التي تهم الأمتين العربية والإسلامية وتعزيز التعاون المثمر مع كافة الأمم والشعوب المحبة للسلام. ما مدى فعاليات الخدمات التي تقدمها السفارة للرعايا السعوديين؟ إن الهدف الأساسي من إنشاء الممثليات الدبلوماسية في الخارج هو رعاية المصالح الوطنية للدولة والتركيز على تقديم كافة الخدمات والمعونات التي يتطلبها المواطنون في البلد المضيف. نحن هنا نستنير بتوجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين التي أكدت على إيلاء أقصى الاهتمام بالمواطنين السعوديين في الخارج ورعايتهم وتذليل كافة العقبات من خلال توفير سبل الرعاية وتوعيتهم بالأنظمة وفتح الأبواب لهم ومقابلتهم وتعيين محامين عند تعرضهم للمساءلة القانونية أو التوقيف وتوفير الحماية لهم. وتقوم السفارة بتقديم أفضل الخدمات والرعاية لمن يحتاجها من المواطنين تنفيذا للتعليمات الواضحة والقوية من قبل وزير الخارجية صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل ونائب وزير الخارجية صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن عبد الله والمسؤولين بالوزارة في كل ما يخدم المواطن. يقال إن أكثر ما يشغل السفارة مسألة زواج السعوديين بالمغربيات، فما هي مستجداتها على المستوى التنظيمي والاجتماعي؟ الزواج الذي تعنى به السفارة هو ذلك الذي يشمل أي مواطن سعودي مع مواطنة غير سعودية وعليه فإن هناك العديد من الضوابط والإجراءات والإرشادات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار حين عقد الزواج. وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الإرشادات موجودة لدى قسم السعوديين في السفارة، ويمكن الاستنارة بها ومراجعتها من قبل أي مواطن والاطلاع عليها. ولعله من الأهمية بمكان، في هذا الموضوع، أن نتمعن في صحة الإجراءات والوثائق اللازمة لعقد الزواج بكافة متطلباته الشرعية، الأمر الذي ينبغي النظر فيه بكل دقة وأخذه على محمل الجد تفاديا للوقوع في أية محاذير لا تُحمد عقباها. ما هي الصعوبات التي يواجهها القسم القنصلي بالسفارة؟ العمل القنصلي عملٌ مستمر ودائم لا ينقطع لأنه يقدم كثيرا من الخدمات للمواطنين والمراجعين وكل من يرغب في التعامل مع المملكة. ولذا فان من اهم متطلبات العمل القنصلي أن يكون الموظف المعني على دراية كاملة بنوعية الخدمات التي يقدمها للمراجعين ولا بد من التنويه أن الأعباء القنصلية تتضاعف عدة مرات في أوقات محددة في السنة، وذلك حين يكثر المراجعون الراغبون في أداء مناسك العمرة والحج. وقد قامت وزارة الخارجية بدعم القسم القنصلي بالسفارة بعدد من الكوادر المؤهلة والقادرة على تحمل الأعباء المطلوبة آخذةً بالاعتبار كثرة المراجعين التي يواجهها القسم القنصلي في الرباط. ما الدعم الذي تقدمه السفارة لرجال الأعمال والمستثمرين السعوديين بالمغرب؟ إن من أهم دعائم التقدم الاقتصادي في أي بلد هو محاولة جذب الاستثمارات الأجنبية كي تعمل به وفي مختلف أنواع القطاعات الصناعية والتجارية والصناعية وخلافه الخ... ومما لا ريب فيه أن المملكة والمغرب تحرصان كبقية دول العالم المتقدمة على جذب الاستثمارات لديهما تحفيزا لمختلف أبعاد الاقتصاد الوطني. وقد قامت المملكة والمغرب بوضع ترتيبات وأطر عمل مهمة لتنشيط التعامل الاقتصادي المشترك وذلك بإنشاء اللجنة السعودية المغربية المشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين، وذلك بهدف تطوير وتدعيم مستوى التعامل الثنائي ببذل الجهود الواضحة، وقد أشار صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل في اجتماعات اللجنة الأخيرة إلى أن العلاقات السعودية المغربية أصبحت نقطة مضيئة لما يجب أن تكون علية العلاقات العربية العربية. وكذلك يقوم مجلس رجال الأعمال السعودي المغربي ببذل مجهوده الواضح لتعزيز التعاون التجاري بين البلدين. لذا، وفي ضوء اهتمام البلدين في تنمية الروابط الاقتصادية، فإني أتوقع المزيد من التقدم والازدهار، وبالذات في ميدان الاستثمارات المشتركة. وطبعا، السفارة تضع نفسها دائما في خدمة المستثمر السعودي والعمل على تعريفه بالفرص المتوافرة في المغرب. كيف وجدتم المناخ السياسي في المغرب، وفاعليته الإقليمية؟ مما لا شك فيه أن المملكة المغربية الشقيقة بلد مهمّ ومؤثر في الساحتين العربية والدولية. وله علاقات تاريخية مع الكثير من الدول الأوروبية، إضافة إلى دوره الحيوي على الساحة الإفريقية. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى الترحاب الكبير الذي لقيه جلالة الملك محمد السادس أثناء جولته الأخيرة في العديد من الدول الإفريقية. وإن دلّ هذا على شيء، فعلى المكانة المرموقة للمغرب، وعلى إسهاماتها في خلق وبلورة واقع وصلات اقتصادية متطورة مع هذه الدول الإفريقية. وفي هذا إطار ينبغي التنويه بالدور المحوري الذي تلعبه حكومة المغرب الشقيق في مختلف القضايا العربية والإسلامية، وفي طليعتها قضية فلسطين والحقوق العربية المغتصبة من قبل العدو الصهيوني. وذلك من خلال ترؤس المغرب للجنة القدس التي انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي. وهذا ما يُبرز بشكل واضح مدى الأهمية التي يوليها العاهل المغربي للدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق وعن الهوية العربية والإسلامية للقدس الشريف. ما نصيب الجانب الثقافي من اهتمام السفارة في المغرب، خصوصاً وأنكم من رواد الأدب والشعر والثقافة منذ حين؟ تتسم الحضارة السعودية والحضارة المغربية بسمات مميزة خاصة، تعكس ثراء الإرث الثقافي لكلا البلدين وتجاربهما مع العديد من البلدان العربية والإسلامية. إن وجود موروث ثقافي مشترك بين البلدين أمر واضح وجلي، ويجمع بين كثير من القواسم المشتركة التي يتسم بها الشعبان الشقيقان. لذا فإن اهتمام السفارة السعودية في موضوع الثقافة والموروث الثقافي هو أمر طبيعي، خصوصا بالنظر لما توليه حكومة المملكة من اهتمام بالتراث الحضاري لشعب المملكة في احتفالات الجنادرية مثلاً. كذلك تشارك السفارة في الفعاليات التي تقيمها الملحقية الثقافية السعودية في الرباط ممثلة بالدكتور ناصر البراق الملحق الثقافي السعودي الذي استطاع من خلال عمله كسب ثقة العديد من الإعلاميين ورجال الصحافة، وتعميق جذور التواصل والتفاهم بين النخب الفكرية والأدبية بين البلدين، وذلك تجسيدا لاهتمام المملكة بالحراك الثقافي مع الشعب المغربي الشقيق. أما فيما يخص تمتع بعض السفراء بمواصفات أدبية جمعت بين المهنة الدبلوماسية والأدب، فاعتقد انه حين يوهب الإنسان الملكة الشعرية والأدبية فانه لا يستطيع الإفلات من غلبتها. ولا يختصر هذا الأمر على السفارة السعودية في المغرب، إذ إن في تراثنا أمثلة رائعة على أولئك المبدعين بين قمم الشعر والأدب الذين أتاحت لهم مهنتُهم الدبلوماسيّة الاطّلاعَ على فضاءات حضارية جديدة وثقافة إنسانية متنوعة متجدّدة ترفد الخيال بإبداع يأخذ شمولية التجربة الإنسانية. وتزخر ثقافتنا بأسماء عريقة جمعت بين الشعر والأدب والدبلوماسية. ويتصدر هذه النخبة المبدعة الشاعر عمر أبو ريشة ونزار قباني وحسن القرشي وغازي القصيبي وعبد العزيز خوجة مع حفظ الألقاب، إذ أسهمت هذه المهنة في فتح آفاق واسعة لهم، فاطّلعوا وتمرسوا في ثقافات وحضارات أخرى أثْرَتْ ثقافتَهم وأثّرتْ في وجدانهم وسبرت أحاسيسهم وشحذت مواهبهم. ونحن نعمل على أن يكون للسفارة السعودية دور بناء وتفاعل ثقافي فكري مع النخب الأدبية في المجال الثقافي بحيث يستمتع به أربابُ الدبلوماسية وذوّاقو الأدب.