«الكُتَاب» عبارة قد تبدو غير مفهومة لدى الكثيرين من جيل الشباب اليوم في المغرب، لكنها تعني الكثير للأجيال السابقة. ولعبت الكتاتيب القرآنية أدواراً مهمة في التاريخ المغربي، لا سيما في زمن الاستعمار الفرنسي، باعتبار كونها مصنعاً للعلماء وحقلاً لإنتاج الفقهاء. وتجلت عناية سلاطين وملوك المغرب بالكتاتيب القرآنية على مر السنين في احتفائهم بفقهائها وإجلالهم لهم، وليمتد الاهتمام الرسمي إلى تخصيص جائزة اليوم للكتاتيب القرآنية، بهدف تشجيعها على القيام بدورها في تحفيظ القرآن وتطوير طرق التلقين. ويستعيد بعض المثقفين والسياسيين المغاربة لحظات قصيرة من أيام طفولتهم، عندما كانوا في «الكُتّاب»، ويعيدون تقليب صفحات وصور من ذاكرتهم عن أولى مراحل التعليم التي تعرف بكتاتيب القرآن، والتي اتسمت بالشد والجذب بين الفقيه وطلابه، وبين حفظ القرآن وتعلم اللغة العربية وإتقانها. ويقول الديبلوماسي المغربي السابق عبد الهادي التازي إن آخر آية كتبها على لوحه حين كان طفلاً يدرس في الكتاب القرآني كانت «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب»، مضيفاً أنه لا يزال يحتفظ بلوحه الصغير «الذي يؤرخ لمرحلة تعود إلى تسعة عقود مضت»، في غرفة نومه وإلى جانب سريره. ويستعيد التازي بحنين كبير ذكرياته في كُتّاب «العيون»، الذي يحمل اسم الحي الذي كان يقطنه في مدينة فاس، قائلاً إنه يتذكر «الفقيه الأول الذي علمني، واسمه عبد السلام الحياني الجابري»، مضيفاً أنه لا يصدق اليوم كيف حفظ القرآن الكريم «من إملاء الشيخ بصوته، وأنا أكتب على اللوح بخط يدي، ثم بعد أن أستظهر الآية، أقوم بمحوها بماء حوض خاص من دون أن يتطلب مني الأمر سوى توفير يتطلب أن الأقلام من القصب الجيد والصمغ». وكان للفنانة المغربية أمينة رشيد أيضاً نصيب من الذكريات في الكُتّاب، حيث أفصحت عن كونها تلقت تعليمها الأولي في كُتاب الفقيه الزناتي في حي «الكزا» في المدينة القديمة في الرباط. وبحنين إلى الماضي، تحدثت عن عقوبة «الفلقة» أو «التحميلة» التي كان لها نصيب منها، مضيفة أن أهلها أقاموا لها حفلة صغيرة بعد أن ختمت حفظ القرآن، حيث كانت تردد أناشيد من قبيل «كلام الله علينا»، وغيرها من الأمداح النبوية، والتي عبرت فيها عن فرحة نجاحها. أما اليوم، وبالرغم من قلة عددها، لا تزال الكتاتيب في المغرب تنافس رياض الأطفال العصرية، بسبب الإقبال الكبير عليها من قبل الآباء والأمهات، بسبب ما تقدمه من دروس متنوعة، لا تقتصر فقط على تحفيظ القرآن، بل تمتد خدماتها إلى تلقين مواد القراءة وأبجديات اللغة العربية، والفرنسية في بعض الأحيان.