الانجازات التي تحققت إضافة إلى ضعفها النسبي، تبقى مغمورة نسبيا، وينقصها التعريف وغالبا ما تندرج في إطار خطط استثنائية وأحيانا استعجاليه، ممولة من مصادر غير معلنة قبليا عقدت مكونات الأغلبية الحكومية، يوم الاثنين بالرباط، لقاء تنيسقيا تحت شعار "معا، لتعميق المسار الإصلاحي". وتوخى هذا اللقاء، حسب المنظمين، دراسة سبل تقوية دينامية الإصلاحات التي تباشرها الحكومة في ضوء التوجيهات الملكية السامية، وتحسين آليات التنسيق وتعزيز العمل المشترك بين الحكومة وأغلبيتها البرلمانية. وتميز هذا اللقاء، الذي شارك فيه رؤساء فرق الأغلبية البرلمانية، ورؤساء اللجن البرلمانية للأغلبية، ومنسقو فرق الأغلبية داخل اللجن البرلمانية، وأعضاء مكتبي المجلسين المنتمون لأحزاب الأغلبية، وحضره أعضاء من الحكومة، بكلمة للوزير الأول السيد عباس الفاسي أكد فيها على أهمية هذه المبادرة التي تأتي في سياق دينامية غير مسبوقة للإصلاحات الكبرى التي يقودها جلالة الملك محمد السادس والتي تروم ترسيخ الديموقراطية الحقة. من جهتها، أكدت مداخلات الأمناء العامين ورؤساء أحزاب الأغلبية على أهمية هذا اللقاء الذي ينعقد في ظرفية هامة من العمل الحكومي، ليتم بعد ذلك عقد جلسة مغلقة خصصت لمناقشة هذا الموضوع. وننشر هنا، نص مداخلة الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إسماعيل العلوي في هذا اللقاء. الشكر كل الشكر للسيد الوزير الأول، رئيس الأغلبية على اتخاذه مبادرة جمع أغلبيته بهدف الانكباب على النظر في تطور الأداء الحكومي وأداء الأغلبية من داخل البرلمان وحبذا لو أكثرتم، السيد الوزير الأول، من مثل هذا الاجتماع. إن هذه مناسبة لسانحة لاستعراض وتقييم العمل الذي أُنجز منذ 2 سنتين ونصف أي منذ تأسيس حكومة صاحب الجلالة الحالية في نونبر 2007 والأستاذ عباس الفاسي وزيرا أولا بها. إنها مناسبة كذلك، تحدث في منتصف الولاية التشريعية للنظر في ما قامت به وتقوم به الأغلبية داخل البرلمان من عمل تتبع إنجاز البرنامج الحكومي وحث الجهاز التنفيذي على الإنصات لمطالب المواطنين والاستجابة لتطلعاتهم، ومراقبة عمله في آن واحد. فبالتالي هذه إذن مناسبة للمكاشفة الصريحة حتى نحقق ما التزامنا به جميعا من خلال وضعنا للبرنامج الحكومي الذي حضي برضى صاحب الجلالة وأقره البرلمان بغرفتيه وحتى ندعم الانجازات التي اكتسبت وندافع عنها ونقويها. نعتبر، في حزب التقدم والاشتراكية، أن هذه المناسبة هي مناسبةٌ لتحمل كل مسؤولياتنا والرد سياسيا وبشكل موضوعي، غير متشنج على منتقدي عمل الحكومة ولا سيما من منهم يحلو له أن يعارض وهو يدعي بأنه سيرفع من زخم انتقاداته (وهذا من حقه بل هذا أمر مشروع لا يجادل فيه أحد) حتى وإن كانت هذه المعارضة، معارضةً "غريبةً" وذلك لسبب ألمح إليه بسرعة كبيرة. أعتبر أن هذه المعارضةَ معارضةٌ غريبةٌ لأنها تدعي مناصرةَ الأفكار والتصورات التي يأتي بها صاحب الجلالة، وتريد المساهمة في تشييد مجتمع متقدم، حداثي وديمقراطي، في حين أن هذه الأفكار وهذه الأهداف وهذا المسعى هي نفسها التي ترمي إلى تحقيقها حكومة صاحب الجلالة التي لا ننسى أن تضيف إلى كل هذه الأفكار والأهداف -وذلك تنفيذا للرغبة المولوية- العملَ من أجل بناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية (وهذا ما لم تشير إليه هذه الفصيلة من فصائل المعارضة التي تعنينا!). من دون شك أن الواقع السياسي الملتبس الذي نحياه منذ شهور وما يصاحبه من اضطرابات داخل ما يمكن تلقينُه بالطبقة السياسية، ينم عن كون المجتمع المغربي يعيش مخاضا كبيرا، حتى لا أقول عسيرا، سيؤدي إلى إفرازات أكثرَ وضوحٍ في الشهور والسنوات المقبلة. نتمنى أن تعود بالخير على تجربتنا الديمقراطية الفتية. بعد هذه التوطئة، أستسمح في أن أخوض في المكاشفة الصريحة التي أشرت إليها سابقا، مع اعتبار ضغط الزمن، ومؤكدا على أن المكاشفة لا تعني لا الإفراط في الانتقاد ولا كذلك المبالغة من الارتياح. ففي موضوع الأداء الحكومي: الانجازات عديدة ومهمة ولا يتنكر لها إلا جاحد. اقتصاديا، فرغم الأزمة الاقتصادية العالمية، ارتفع، بشهادة العديد من الملاحظين والمتتبعين الأجانب (وآخرهم يوميه El Pais) ناتجنا الداخلي الخام بأزيد من 5%. ولنكتفي بهذه المؤشر الهام) أما اجتماعيا، فجابهت الحكومة أزمة ارتفاع أسعار النفط في حينه، وهذا لم يعفيها من الزيادة في رواتب العديد من الموظفين وتسوية وتحيين أوضاعهم بإلغاء السلالم المتدنية في الوظيفة العمومية، كما تحملت أعباء الرفع من مستحقات المتقاعدين، إلى غير ذلك من مجابهة الطوارئ الطبيعية الخ.... لا ريب أن هذه الإنجازات على أهميتها وحجمها لا ترقى إلى ما نطمح إليه وما تريده جماهيرنا. فاقتصادنا مازال يعاني من تبعيته على مستوى التصدير للبلدان المستوردة (وهي أوروبية في مجملها تأن تحت انعكاسات الأزمة) كما أن تركيبته مازالت غير متوازنة وتتأثر كثيرا بالأوضاع المناخية.++ أما اجتماعيا، فرغم الإيجابيات التي أشرنا إليها، هناك عيب كبير يمكن أن نشير إليه وهو قلة العناية بالسوق الداخلية وبالاستهلاك الوطني، وهذا يتجلى في قلة الاهتمام بعالم الأرياف وسكانه وبالخصوص منهم سكان المناطق الجبلية. لدى على الحكومة أن تنكب على هذه الأشكال وتسهر على توزيع أكثر عدالة للثروات الوطنية طبقيا ومجاليا، لاسيما وأننا نصبوا إلى الدخول في تجربة الجهوية المتقدمة. في هذا الإطار الاجتماعي، دائما، وإذا كان من الضروري التنويه بالحوار الاجتماعي، فإننا، في حزب التقدم والاشتراكية، نعتبر أنه حان الوقت للخوض في مفاوضات اجتماعية شاملة، على غرار ما حصل في بلدان متقدمة، تؤدي في نهايتها إلى صياغة ميثاق اجتماعي يضمن صياغة حقوق كل الأطراف العاملة في ميدان الإنتاج. وفي هذا الإطار الاجتماعي دائما، لا يسعني، إلا أن أؤكد على ضرورة العناية القصوى بأوضاع من يسمون بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك العناية بأحوال المسنين. أؤكد على ذلك، لأن للحكومة مخططا في الموضوع يجب إقراره وترجمته على أرض الواقع في أقرب الآجال. وتدفع بنا هذه الملاحظة إلى حث الحكومة على أن تنتقل في كثير من المجالات من النوايا الحسنة إلى الإنجاز الملموس. إن الانجازات التي تحققت إضافة إلى ضعفها النسبي في أعين العديد، تبقى مغمورة نسبيا، وينقصها التعريف بها، الآن التعرف عليها، يتسم بشيء من الخجل. وهذا خطأ كبير غير مسموح به. إضافة إلى هذا العجز الذي أشرنا إليه فإنه غالبا ما اندرجت هذه الانجازات في إطار خطط استثنائية وأحيانا استعجاليه، ممولة من مصادر غير معلنة قبليا. ونزيد على هذه الظاهرة المثيرة للانتباه أن ثلثي (3/2) الاستثمارات الاقتصادية تقدم عليها مؤسسات عمومية لا تخضع لمراقبة الجهاز المكلف قبل غيره، بالمراقبة والمؤتمن على المال العمومي ألا وهو البرلمان. ويبدو أن هذه الخطط لا تخضع كذلك إلى المساطر المعهودة ولا تندرج بالتالي إلاَّ بشكل بعدي ضمن قوانين المالية التي تقدمها الحكومة ويصادق عليها البرلمان. إننا نجد أنفسنا في حيرة من أمرنا أمام هذا الواقع ذلكم أننا مع هذه الخطط والبرامج (حتى وإن كنا واعين من أن الأمور بخواتمها) وأننا مع الروح الإرادية التي توجد وراءها لكن ما يجعلنا نعبر عن امتعاض نسبي هو عدم احترام المساطر وعدم تقوية تجربة مؤسساتنا الفتية في ميدان ممارسة الديمقراطية السياسية. ثم نلاحظ أن كل قطاع حكومي يحرص على إصدار ميثاق خاص به لكنه يكرر أحيانا ما هو موجود. مما يوحي أن هناك عدم التنسيق بين القطاعات ويترك الملاحظ يظن أن العمل يتسم بقلة التشاور المتبادل بين المرافق الحكومية. ومهما كان من أمر فمن المحبذ أن ترفع الحكومة وثيرة الإصلاحات وتفعيل البرنامج المتفق عليه ولاسيما جانبه الاجتماعي. يبقى أن عمل التتبع والمراقبة والمساءلة يعود للبرلمانيين بما فيهم طبعا البرلمانيون الملتفون حول الحكومة والذين يكونون أغلبيتها. لذا على برلمانيينا أن يزيدوا من وعيهم بهذه المسؤولية لاسيما في هذه الفترة من حياتنا السياسية التي تتميز بنوع من "الغوغائية" المفتعلة وبعمل ممنهج يرمي إلى تبخيس العمل السياسي (عن وعي أو عن غير وعي). وبالتالي عليهم - وأستسمح إن بديت وكأنني أقوم بعمل وعض وإرشاد - أن يحرسوا على التواجد ليس فقط في دوائرهم الانتخابية في إطار تفعيل سياسة القرب بل وكذلك تحت قبة البرلمان وأساسا في اجتماعات اللجان، لأن هناك يحدث أهم ما هو مطلوب من البرلمانيين، كمشرعين ومراقبين لعمل السلطة التنفيذية. ومن دون شك أن حضور السيدات والسادة البرلمانيين المنتمين للأغلبية في كل أشغال المجلسين بما فيها ما يهم الدبلوماسية البرلمانية سيضفي المزيد من المصداقية على العمل السياسي وسيفند كل المساعي الرامية إلى تبخيس العمل السياسي وسيعيد الثقة للمواطنين. لكن إذا أردنا أن يقوم الأخوات والأخوة البرلمانيون بعملهم على الوجه الأكمل تدعيما للأغلبية وتماسكها، فلا مناص من تفعيل مطلب لطالما نادينا به وإليه، في حزب التقدم والاشتراكية، ألا هو إنشاء مؤسسة لدى البرلمان تقوم بتحضير والملفات وتستجيب إلى طلبات البرلمانيين عندما يرغبون في الحصول على استفسارات في ميدان ما، أكان اقتصاديا أم اجتماعيا أو ثقافيا أو سياسيا. كما يجب تدعيم الفرق (بما فيها كذلك فرق المعارضة طبعا) بالموارد البشرية الكفأة والموارد المالية الضرورية. من دون شك أن توفر هذه المستلزمات البرلمانية - على غرار ما هو موجود في الدول التي سبقتنا في المسير الديمقراطي - سيرفع من الأداء وسييسر حتى العلاقات بين المنتخبين ومختلف القطاعات الحكومية وسيجعل المواطنين يسترجعون ثقتهم في مؤسساتهم. واكتفي بهذه الملاحظات والأفكار التي نتمنى في حزب التقدم والاشتراكية أن تؤخذ بعين الاعتبار تدعيما لما حققه شعبنا خلال العهد الجديد، عهد صاحب الجلالة محمد السادس أيده الله وسدد خطاه.