منذ اعتلائه كرسي الرئاسة في العام 1999، أسند عبد العزيز بوتفليقة مهام "قصر المرادية" – بداية من الطباخ والبستاني إلى غاية كبير المستشارين – إلى أفراد عائلته المنحدرة من بلدة وادي الثلاثاء بولاية تلمسان الحدودية. ولئن بدا الأمر في بدايته من قبيل الحس الأمني، فإن توسع دائرة نفوذ الأشقاء والمقرّبين، وعلى رأسهم سعيد بوتفليقة الأخ الشقيق للرئيس، تحوّلت إلى علبة سوداء تدير شؤون القصر والبلاد من وراء الستار. أكّد الكاتب والصحفي الجزائري، محمد سيفاوي، أنّ سعيد بوتفليقة (الأخ الشقيق للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة) لم يزدد نفوذه خلال الفترة الأخيرة، وإنّما بدأ يتدخل في شؤون الدولة منذ العهدة الثانية. وقال سيفاوي، في مقابلة نشرتها جريدة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية مؤخرا، إنّ سعيد أصبح يتدخل في المسائل السيادية للجزائر وفي القرارات الاقتصادية إلى درجة أنه أصبح يملك صلاحيات كبيرة وواسعة، مثل تعيين وزراء أو تنحيتهم. وقد تحوّل تنامي دور أشقاء بوتفليقة الذين نصبهم مستشارين له في القصر الرئاسي، مثل المرحوم مصطفى (طبيب) أو عبدالغني (محام) أو سعيد (أستاذ جامعي)، إلى نواة صلبة في منظومة السلطة الحاكمة. وقد غلب الانطباع في البداية بأن كثرة أفراد عائلة الرئيس بوتفليقة وتعلقهم به جعلهم يتزاحمون عليه بين ردهات القصر، غير أنّ استفهامات جدية طرحت على أكثر من صعيد حول دور عائلة الرئيس في إدارة شؤون البلاد، لاسيما الدور الذي بات يلعبه الشقيق والمستشار سعيد، وخاصة خلال الوعكة الصحية التي أصابت الرئيس في أبريل الماضي. وتذكر مصادر مطّلعة على خفايا قصر المرادية أن سعيد بوتفليقة ودائرته الضيقة هو الذي فرض على الرئيس مشروع العهدة الرئاسية الرابعة تحت الترغيب أو الترهيب. ورغم أنّه لا يتمتّع بقرار تعيين، فقد برز دور الشقيق والمستشار سعيد بوتفليقة بشكل جلي، منذ نقل الرئيس للعلاج في فرنسا، حيث ظهرت بصماته في إدارة الأزمة والجدل الّذي أثير منذ أبريل الماضي. فقد فرض تعتيما إعلاميا كبيرا على صحة الرئيس، وأظهر المسألة كأنها تتعلق بقضية عائلية وليس برئيس دولة من حقّ الشعب أن يعرف تفاصيل مرضه. وطيلة 80 يوما من علاج بوتفليقة في فرنسا، لم يطلع الجزائريون إلا على ما رشح عبر قناة سعيد، من بيانات مقتضبة وتسريبات محدودة، وحتى الصور التلفزية المحدودة التي بثت للرئيس وهو يعالج بباريس مرّت على مقصّ الرجل الغامض. وتذكر مصادرنا أنّ المستشار والشقيق سعيد، وبعد ترتيب أوراق الطبقة السياسية وملفات الولاءات الانتخابية، بدأ في شنّ آخر معاركه ضد جهاز الاستخبارات بواسطة عمار سعداني، الرجل الأول في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، الذي دعا صراحة إلى تحييد الجهاز عن الممارسة السياسية، ولمّح إلى عدد من الملفات الثقيلة التي تتعلق بضباط الجهاز وقادته في قضيتي الهجوم على محطة تيغنتورين، واختطاف رهبان تيبحيرين. وهو ما فُسّر بأنّه أتى ردّا على ملفات ثقيلة بحوزة الاستعلامات حول ضلوعه رفقة مقربين منه في قضايا فساد مالي. ويؤكّد العارفون بشؤون القصر الرئاسي منذ مجيء بوتفليقة، أنّ شقيق الرئيس أحاط نفسه، منذ العام 1999، بمجموعة من الدوائر بناها على عاملي الولاء والجهوية، فبداية من المستشارين والمقربين إلى غاية أبسط المسؤولين والإداريين. وأصبح الجميع لا يتحرك إلا بإيعاز من رجل الثقة الأول ومدلّل الرئيس. ويقول هؤلاء أن طموح سعيد كان يذهب إلى أبعد من ذلك، ولولا التغيّرات التي شهدتها المنطقة وتداعيات "الربيع" العربي، لتحوّل سعيد بوتفليقة إلى وريث لشقيقه في حكم الجزائر خلال انتخابات أبريل القادم، وذلك بالنظر إلى المؤشرات وحملات التسويق التي بوشرت منذ سنوات لصالحه. وهناك شبه إجماع على أنّ أستاذ الرياضيات في جامعة باب الزوّار، وصاحب سيّارة "الغولف" الألمانية المهترئة خلال الثمانينيات والتسعينيات، قد تحوّل بفضل دوره ومنصبه في عهد شقيقه إلى صاحب ثروة تراكمت أصولها لديه بفضل العمولات والوساطات والطبقة البورجوازية التي نجح في تكوينها. كما أنّ له شخصية جمعت بين الذكاء وصعوبة المراس، ساعدته على التغلغل في مفاصل الدولة وتفكيك المؤسسات والقوى الحية من أجل تركيز الصلاحيات والقرارات في يد الرئاسة. وشرع "مهندس" مشروع العهدة الرابعة في تهيئة الطريق منذ مدة، على الرغم من معوقات المعارضة السياسية والوعكة الصحية. فإليه تُنسب عملية إبعاد شخصيات عدّة كانت تطمح إلى خوض الاستحقاق القادم وإحالتهما على البطالة السياسية، على غرار عبدالعزيز بلخادم وأحمد أويحي، بعد افتعال معارضات لشخصيهما داخل الحزبين اللّذان كانا يوقودانهما وهما على التوالي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وذلك على الرغم من "تقرّبهما" سابقا من الرئيس. كما تجلّى دور سعيد بوتفليقة في الوقوف وراء ما يسمى ب"موضة" الحركات التصحيحية التي عصفت باستقرار أبرز الأحزاب السياسية القوية سواء كانت معارضة أو موالية. فبعد تجربة العام 2004 التي أزاحت بن فليس من هرم جبهة التحرير الوطني وجاءت آنذاك بعبدالعزيز بلخادم، من أجل كسب وعاء الحزب وقطع الطريق على الغريم بن فليس. تكرّر السيناريو في العام الماضي، وأطيح ببلخادم بعد أن أظهر نية الخوض في السباق. وبعد أخذ ورد، استقرّ رأي "المهندس سعيد بوتفليقة" على عمار سعداني لمسك مأمورية الحزب الحاكم من أجل الترويج للعهدة الرابعة لشقيقه، وأداء مهمة معينة ضد جهاز الاستخبارات. وهي الطريقة ذاتها التي أطاح بها بأويحي من رئاسة التجمع الوطني الديمقراطي تجنّبا لأيّ تمرّد محتمل على العهدة الرابعة. وكان سعيد بوتفليقة قبل ذلك، قد أدخل العديد من القوى السياسية والتنظيمات المدنية والنقابية إلى بيت الطاعة، وخلق موالين له في أعتى أحزاب المعارضة، عبر الانشقاقات والانقلابات التي ضربت حتى الحركات والأحزاب الإسلامية في الجزائر. من أعمال سعيد بوتفليقة يتدخل في تعيين الوزراء أو تنحيتهم التعتيم الكلي على حالة الرئيس إضعاف جهاز المخابرات التغلغل في مفاصل الدولة ومؤسساتها تغيير أمين عام الحزب الحاكم تشتيت الأحزاب الإسلامية تأسيس أحزاب موالاة جديدة