شهر كامل إنقضى على إنتقال الرئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة الى فرنسا للعلاج بمستشفى فال دو غراس العسكري . من حينه تناسلت الاشاعات و تضاربت التصريحات في شأن الوضع الصحي الحقيقية للرئيس الثامن للجمهورية المستقلة . السلطات الجزائرية تترقب من المصالح الطبية العسكرية لوزارة الدفاع الفرنسية، إبلاغها بتاريخ انتهاء النقاهة بالنسبة للرئيس ليعود الى قصر المرادية التي من المفترض أن يستقبل به الرئيس الصيني بداية الشهر المقبل . الأخبار الموثقة و المعتد بها حول صحة الرئيس بقدر ما تغدي الشائعات في أوساط الشارع الجزائري فإنها تعكس أزمة سياسية مألوفة بداخل المؤسسات الدستورية الجزائرية و تحيل بالضرورة على تجارب مماثلة لا زالت ماثلة في ذاكرة الجزائريين من الأمس القريب و ما زالت ألغازا عصية الفهم و التفكيك فالجزائريون و بعد قرابة الأربعين سنة ما زالوا يجهلون من قتل الرئيس بومدين و ما زالوا أيضا ينتظرون الكشف عن ظروف مقتل الرئيس بوضياف و تقديم المنفذ أو المنفذين الى العدالة كماأن خطاب التطمين الذي يكرره المسؤولون الجزائريون حول صحة بوتفليقة و عودته الوشيكة الى قصر المرادية لم تعد تقنع أحدا بما فيهم ممثلو البعثات الديبلوماسية التي ترتبط بالحزائر بصفقات إستثمار ضخمة . "الشعب يريد... ظهور الرئيس" بهذه الجملة المطلب صدمت قبل أيام صحيفة الخبر الجزائر الرسمية مقتبسة احد شعارات الثورة التي اطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك لنقل حالة التيه و الضياع التي تستبد بالشارع الجزائري تجاه حاكميه و التي تتزامن مع وضع سياسي داخلي ملتهب و مشاكل إقتصادية و متفاقمة و حركات إحتجاجية دات نفس إجتماعي لا تتوقف برهة إلا لاستجماع أنفاسها و التعبير عن سخطها المتنامي في مختلف بقاع البلاد موازاة مع إسترسال فضائح الفساد في الكشف عن نفسها و توريط عدة مسؤولين من مربع السلطة الضيق في ملفات إرتشاء ضخمة ذات صلة بأكبر مؤسسة إقتصادية بالدولة . غياب الرئيس عن المشهد السياسي بقدر ما يثير الشكوك حول أهليته القانونية لممارسة صلاحياته الدستورية فإنه يخدم مصالح الجناح العسكري المتنفذ بقصر المرادية و الذي تؤكد المعطيات المتوفرة أنه يستثمر على عادته وضع الفراغ السياسي للتحضير لمرحلة ما بعد بوتفليقة و إيجاد الشخصية السياسية المناسبة و الطيعة لخلافة الرئيس المريض الذي تؤكد أسرار المطبخ السياسي الداخلي أن صراعا عنيفا جمعه مع أقطاب المؤسسة العسكرية النافذة في شأن الطموحات السياسية المستقبلية لشقيقه و ساعده الأيمن شكلت عاملا أسهم في تردي وضعه الصحي . ذات المصادر تكشف أن جهاز الأمن العسكري الجزائري زود بوتفليقة أياما قبل وعكته الصحية بتقرير يكشف تورط مستشاره السياسي سعيد بوتفليقة في فضيحة صفقات المحروقات التي عصفت سابقا بوزير النفط السابق شكيب خليل و أجبرته على الفرار بجلده نحو كندا أين يتوفر حاليا على وضع اللاجىء السياسي . ضغوطات الجنرالات دفعت بوتفليقة الى توقيع قرار إعفاء شقيقه من مهامه الاستشارية بقصر المرادية فيما يشبه كبوة الرئيس الذي كان يخطط لتعديل دستوري يخلصه تدريجيا من وصاية الجيش و يعبد الطريق نحو ولاية رابعة على رأس هرم الدولة . حتى التحالف الرئاسي الذي ظل لأزيد من عقد يهادن الرئيس ويستفيد من دعمه اللامشروط في الانتخابات النيابية و المحلية المثيرة للجدل نفض يده و إصطف بدوره الى هامش الفعل السياسي منتظرا ما تجود به عليه مؤسسة العسكر من مكاسب سياسية في ظل ترتيبات الوضع الجديد الذي سيعيد حتما إنتاج نفس سيناريوهات التحكم المألوفة بشخوص جديدة قادرة على تمويه 36 مليون جزائري . المعطى الجديد في سياقات المرحلة المفتوحة على كل الاحتمالات هو دخول أطراف المعارضة المؤسساتية على خط الأزمة السياسية الجزائرية و شبه إتفاقها في سابقة في التاريخ الجزائري الحديث على ضرورة تفعيل المادة 88 من الدستور الجزائري و التي تفيد تجريد الرئيس من صلاحياته بموجب المانع الصحي و تفويضها الى رئيس مجلس الأمة هذا في الوقت الذي خرجت المعارضة الاسلامية المتطرفة من قمقم و سياج الحظر ليطالب القيادي السابق في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية المنحلة و رئيس حركة الحرية والعدالة الاجتماعية المحظورة رسميا أنور هدام للالتفاف حول التحركات المشبوهة و المكولسة للمؤسسة العسكرية و من يدور في فلكها من أحزاب النظام و معارضته ليطالب بتنظيم حوار وطني حول أسس نظام سياسي جديد يلتقي فيه الذراع السياسي القوي السابق لمؤسس جبهة الانقاذ عباس مدني مع إرادة باقي الفرقاء في سد الطريق أمام أي إحتمال لولاية رئاسية جديدة لبوتفليقة و يحاول إستثمار واقع الأزمة السياسية لتحريك الشارع الجزائري في إتجاه حراك شعبي شبيه ببوادر و مؤشرات ما قبل دوامة العنف و الاقتتال التي بصمت عشرية الدم التي بصمت البلاد بعد تجرؤ المؤسسة العسكرية على إيقاف المسار الانتخابي الذي بوأ نهاية الثمانينات جبهة الانقاذ صدارة المشهد التمثيلي الوطني . وسط جميع بوادر التصعيد يظل الصمت المطبق و المريب للسلطات الجزائرية، واقعا يستفز الجزائريين و يبعث برسائل غير مطمئنة بالمرة للفاعلين السياسيين و الاقتصاديين . و الواضح حاليا في رقعة القرار السياسي المحلية أن المؤسسة العسكرية المتحكمة هي من تتحرك و تناور و في هذا الصدد تؤكد مصادر متواترة أن قيادات في القوات المسلحة والمخابرات تجتمع بصفة منتظمة و شبه يومية لبحث الترتيبات الواجب اتخاذها اذاما دعت الضرورة السياسية و ضغط الشارع الى الاعلان رسميا عن وفاة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أو عجزه الفيزيوبلوجي و الدستوري عن ممارسة مهامه وسط تقارير طبية تؤكد انه في حالة وفاة سريرية. وحسب ذات المصادر فانَّ تجليات صراع قوي تحتدم منذ فترة بين أقطاب المؤسسة العسكرية والمخابراتية في تقدير حجم التغييرات السياسية التي ستعقب الفراغ الطوعي أو القسري لكرسي الرئاسة و هذه التغييرات المرتقبة و خوف أقطاب المؤسسة العسكرية من مستويات رد فعل الشارع الجزائري و حلفاء النظام الدوليين هو ما دفع طرف منها الى بحث سبل تنفيذ انقلاب عسكري أبيض في حال عدم توفر وجه سياسي يجري التوافق عليه كما كان الأمر مع بوتفليقة لاسيما ان كل الشخصيات المقترحة الى حد الساعة لاحتلال المنصب لا تستجيب لحد أدنى من رغبات الشارع و في مقدمتها قطبي التحالف الرئاسي عبد العزيز بلخادم و أويحيى اللذان ظلا لسنوات يمنيان النفس بخلافة بوتفليقة لكن إنتكاستهما و خروجهما المذل من زعامة حزبيهما بعد ثورات تنظيمية داخلية تم ترتيبها من طرف شقيق بوتفليقة سعيد عصفت بالمرة بطموحات القائدين اللذين ظلا لسنوات من موقع المسؤولية الحكومية و الحزبية يمسكان بقوة بأهداب الرئيس و يبالغان في التعبير عن الولاء لشخصه قبل أن يجدا نفسهما معا مطاردين من طرف قواعد حزبيهما و على هامش الفعل السياسي . و في إنتظار أن تتضح الصورة يبدو الفاعل الرئيسي الى حد الساعة في رقعة القرار السياسي هو المؤسسة العسكرية التي تسعى الى تقوية حضورها و إستعادة الأدوار الرئيسية التي إستطاع بوتفليقة بدهائه و تخطيط شقيقه المستشار أن يجردها تدريجيا منها و هو ما يقوي فرضية لغز الوفاة السريرية للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وتأجيل إعلانها حتى اتفاق مراكز القوى على خليفته و التوافق على طريقة و سبيل تصريفها بالهدوء أو بالعنف الى الشارع الجزائري الذي بلغ مرحلة الهياج المنذر بالعواقب غير المحسوبة .