إلغاء المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية باعتبارها قضاء استثنائيا وباعتبارها تتعارض مع مقتضيات الدستور الجديد ومبادئ حقوق الإنسان، وتعميق النقاش حول إعداد مذكرة مشتركة بهذا الخصوص بين الهيئات الحقوقية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ترفع للملك تتضمن مشاريع القوانين الخاصة بمداخل الإصلاح وتطمينات للعسكريين، كان التوجه الأساسي الذي أجمع عليه المشاركون في الندوة التي نظمها، مساء يوم الثلاثاء الماضي، بمقر نادي المحامين بالرباط، الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان ولجنة دعم المعتقل ممادو الذي يتابع بصفته المدنية أمام هذه المحكمة. وأكد النقيب عبد الرحيم الجامعي، خلال هذه الندوة التي حملت شعار «لا لمحاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية»، والتي أعادت النقاش الذي كان مطروحا حول إصلاح المحكمة العسكرية وإعادة النظر في التنظيم القضائي، أن المغرب دولة مدنية وليس دولة عسكرية حتى يكون هناك قضاء عسكري، مبرزا أن اعتماد المملكة لدستور 2011 الذي يمنع تأسيس محكمة عسكرية، والتزامه بالمبادئ والمعايير التي تتضمنها الاتفاقات والعهود الدولية لحقوق الإنسان، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، باتت كلها تحتم إلغاء القضاء العسكري الذي، استنادا لقرار صادر عن المجلس الأعلى للقضاء سنة 1979، يعد قضاء استثنائيا. وقال النقيب «إنه لا يتصور أن يكون لدولة، تحتكم إلى دستور واحد، وقانون جنائي واحد، أن يكون لها نظامان قضائيان، قضاء مدني باختصاص واسع لكنه لا يحكم على العسكريين. وقضاء عسكري يمكن أن يحكم على المدني والعسكري»، مشيرا إلى أن القضاء العسكري يمكن أن يحقق الانضباط والصرامة والامتثال لكنه لا يمكن أن يحقق قواعد المعيارية الدولية في مجال حقوق المتقاضين، بما فيها حق الدفاع والحق في المحاكمة العادلة. وأضاف المتحدث أن إصلاح القضاء العسكري يتمحور في اقتراح واحد يكون بديلا ويتمثل في وجوب إلغاء المحكمة العسكرية كما قامت بذلك عدد من الدول الديمقراطية كبريطانيا، وإسبانيا، وبلجيكا وفرنسا حيث تم إلغاء المحاكم العسكرية وتم التنصيص على أن تحدث فقط في وقت الحرب بحيث تنظر في الانتهاكات التي تقترف من طرف العسكريين خارج التراب الوطني. ولإصلاح قانون العدل العسكري، اقترح لحسن البوعيسي، المحامي بهيئة القنيطرة، عدم انتظار أي جديد من وزارة العدل التي «من الصعب أن تقترب أو تمس بقانون العدل العسكري»، ولا من مديرية العدل العسكري التي سترفض القيام بذلك بشكل قاطع لأن ذلك سيمس بالامتيازات المعنوية التي يمنها هذا النظام على مسؤوليها. ودعا، بدل ذلك، المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى اتخاذ المبادرة اعتبارا لكونه «الوحيد الذي بمقدوره إيصال مذكرة إلى الملك من أجل إلغاء المحكمة العسكرية، والتي يجب أن يتم إعدادها بتعاون مع ائتلاف هيئات حقوق الإنسان، بحيث تتضمن هذه المذكرة ورقة تقديمية تبين نتائج التشخيص المتوصل إليه بشأن الاختلالات المرتبطة بنظام القضاء العسكري، ومشاريع قوانين تحدد في ثلاث لإنجاز هذا الإصلاح». وأوضح البوعيسي، أن هناك ثلاث اتجاهات يمكن أن تطرح بصدد إصلاح القضاء العسكري. إذ يدعو الاتجاه الأول إلى إصلاح المحكمة العسكرية على أساس أنه «إذا أصلحت وطبقت القوانين وقواعد المحاكمة العادلة والحق في الاستئناف وحق جبر الضرر، لن يطرح أي إشكال ويمكن الإبقاء عليها». والاتجاه الثاني ينتصر لعدم محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية بمعنى أن تختص ببعض الجرائم ذات الصبغة العسكرية الصرفة فيما يتابع المدنيون أمام المحكمة المدنية. الاتجاه الثالث، والذي يحبذه المتحدث ويراه مناسبا بالنسبة للمغرب، هو تفكيك قانون العدل العسكري بالإلغاء التام للمحكمة العسكرية. وهو أمر يتطلب إعداد مشاريع قوانين تتعلق بوجوب تغيير التنظيم القضائي، والقيام بتغيير قانون المسطرة الجنائية وإحداث باب أول مكرر مرتين في القانون الجنائي يخصص للجرائم العسكرية.. ومن جانبه أقر مصطفى الناوي، المحامي بهيئة البيضاء، والإطار بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالصعوبات التي تحيط بمداخل إصلاح المحكمة العسكرية بل والصعوبات التي تحيط بالموضوع ذاته والذي يتطلب أن يعطى حقه من التدقيق والضبط، حتى تكون مطالب ومقترحات الإصلاح مبنية على أساس وإدراك واع بالتعقيدات والإشكالات الحقيقية المطروحة والتي يعتبر أنها تتمثل أساسا في عدم قابلية المحكمة استيفاء شروط الاستقلالية والنزاهة والحياد والتجرد وضمان شروط المحاكمة العادلة. وأكد أن الإصلاح الشامل مطروح بالنسبة لمنظومة العدالة بكاملها، بل إن إحداث ثورة داخلها سار أمرا مطلوبا ومرغوبا، مقترحا أن يبدأ الإصلاح بالنسبة للمحكمة العسكرية من زاوية المنظومة القانونية على اعتبار أن القانون المنظم للمحكمة العسكرية صدر في بداية الاستقلال على عهد حكومة البكاي بهواجس واعتبارات المرحلة، ولم يعدل تعديلا جوهريا إلا بتاريخ 26 نونبر 1971 على إثر الانقلاب العسكري، حيث تم حينها تجريده من بصيص الضوء وليضفي عليه الصبغة الاستثنائية بل ويضفي عليه الكثير من القدسية وليتم خلط كبير بين الاتهام والدفاع. وأفاد أنه توجد على الصعيد العالمي أربع اتجاهات أساسية بشأن إصلاح العدل العسكري، تتعلق باقتراح المزيد من التطابق ما بين الإجراءات على مستوى القضاء العادي والقضاء العسكري، والضمانات والمساطر، ورفع الصبغة الاستثنائية عن المحكمة العسكرية وحصر الاختصاص النوعي للجرائم في القضايا المحصورة ذات الطبيعة العسكرية التي يرتكبها العسكريون، وحصر الاختصاص الشخصي في العسكريين دون غيرهم ، مع الانسحاب أو التراجع المتزايد للسلطة التنفيذية. هذا وقدم الناوي التوصيات التي تضمنتها مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول إصلاح المحكمة العسكرية والتي أعدها على إثر متابعته لمحاكمة المتهمين في أحداث إكديم إزيك أمام هذه المحكمة، وهي التوصيات التي أكدت على المزيد من التطابق ما بين الإجراءات في القضاء العادي والقضاء العسكري، ومماثلة تنظيم المحكمة العسكرية مع المحاكم العادية، وحصر الاختصاص النوعي للمحكمة العسكرية في الجرائم التي يقترفها العسكريون دون غيرهم. أي عدم تقديم المدنيين أمام هذه المحاكم، مبرزا أن البناء الديمقراطي يتطلب إصلاحا جذريا لهذا القضاء، بتقوية حقوق المتقاضين وأن يتم تعيين رؤساء المحكمة العسكرية من طرف الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ضمانا للاستقلالية. وخلصت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تشخيصها لواقع المحكمة العسكرية، إلى أنها محكمة استثنائية غير مستقلة ومنشأة بطريقة مخالفة لمقتضيات الدستور الجديد، معتبرا أن محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري لا ينسجم مع مبادئ القانون الدولي ويشكل خرقا للمادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أبرز أن هيئة الحكم بالمحكمة والتي تتكون من قاض مدني وأربع مستشارين عسكريين لهم حق التصويت على الأسئلة التي تطرح أثناء المداولة، مما يكون له انعكاس على عدم ضمان الاستقلالية لهيئة الحكم ما دامت الغلبة للعسكريين الذين توجههم النيابة العامة العسكرية ويتلقون تعليمات منها. ومن جهتها اعتبرت خديجة الرياضي، منسقة الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، في كلمة باسم الائتلاف، أن الدولة ليست لها إرادة سياسية لتغيير القضاء العسكري، إذ رغم مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي رفعت إلى الملك في موضوع إصلاح المحكمة العسكرية، حيث نحا في توصياته منحى الجمعيات الحقوقية، لازال المدنيون يقدمون أمام هذه المحكمة. وأبرزت الرياضي أن من بين مطالب الحقوقيين عدم تقديم مدنيين أمام هذه المحكمة واقتصارها على النظر في القضايا المتعلقة بالقوانين العسكرية فقط، وألا يحاكم أمامها حتى العسكريين عندما يتابعون في قضايا مدنية وجنائية عادية. وأكدت بدورها أن الدولة باتت مطالبة بإعداد مشروع قانون لإعادة النظر في اختصاصات المحكمة العسكرية التي تعد محكمة استثنائية لا تتوفر فيها مبادئ الاستقلالية والحياد، على أن يتجاوب هذا الإصلاح مع مطالب الحركة الحقوقية ومتطلبات ملاءمة القوانين الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، مبرزة أن المجتمع المدني مافتئ يعبر عن قلقه إزاء تقديم المعتقلين المدنيين أمام المحكمة العسكرية.