، المقدمة من طرف منسقته خديجة رياضي، في الندوة حول "المحكمة العسكرية" ليوم 25 فبراير 2014 المنظمة بتنسيق مع "لجنة دعم المعتقل مامادو" بمقر هيئة المحامين بالرباط تحية للحضور الكريم باسم الكتابة التنفيذية للائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان أحييكم جميعا وأشكركم على حضوركم لهذه الندوة التي ننظمها بتنسيق مع "لجنة دعم المعتقل مامادو" والذي نعبر عن تضامننا معه كائتلاف علما أن عددا من مكونات الائتلاف هي أيضا عضوة في لجنة الدعم هذه. فالقضية حقوقية بامتياز تتعلق بمناصري مواطن مدني يقدم أمام محكمة عسكرية وهو ما ترفضه الحركة الحقوقية المغربية بدون استثناء وطالبت بتغيير قانون هذه المحكمة منذ سنوات عديدة سواء كهيئات كل على حدة أو في مذكرات مشتركة. لقد طرحت من جديد قضية المحكمة العسكرية والاختلالات التي تشوب القوانين المنظمة لها وكذا الممارسة العملية لقضاتها اتجاه العديد من الملفات، والتي وقفت عندها الحركة الحقوقية المغربية كما الهيآت والشبكات الدولية لحقوق الإنسان. فبعد قضية معتقلي اكديم إزيك، والمتابع في حالة سراح : المواطن المسن ابراهيم النوحي، والمعتقل الصحراوي ابراهيم الداودي، والمواطن الإفريقي من جنوب الصحراء مامادو ديارا وغيرهم، يتضح أن المسؤولين سائرون في تجاهل مطالب الحركة الحقوقية وانتقادات مختلف الجهات المتتبعة لوضعية القضاء بالمغرب. وما يثير الانتباه أنه ورغم مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي رفعت إلى الملك في موضوع المحكمة العسكرية، حيث نحا منحى الجمعيات الحقوقية في توصياته، لازال المدنيون يقدمون أمام هذه المحكمة عوض التعبير عن إرادة سياسية حسنة لتغيير هذا الوضع غير المقبول. ومن مطالب الحركة الحقوقية ما يتجاوز مطلب عدم تقديم مدنيين أمام هذه المحكمة إلى المطالبة باقتصارها على النظر في القضايا المتعلقة بالقوانين العسكرية فقط، وأن لا يحاكم أمامها حتى العسكريون عندما يتابعون في قضايا مدنية وجنائية عادية. وينطلق الائتلاف في تحليله لهذه القضايا من منطلق ما يُكرسه القانون الدولي لحقوق الإنسان لفائدة المشتبه به من حق في المحاكمة العادلة، ومن المحددات التي يضعها كمكونات ذلك الحق وكافة الحقوق التي يتمتع بها إبان الاعتقال والمحاكمة التي تهدف من بين ما تهدف إليه: إلى إنشاء ضمانات، من بين أشياء أخرى، للحماية من التعذيب وغيره من أساليب الإكراه وانتزاع اعترافات إدانة لنفسه أو لغيره. ويجب عدم قبول هذه الاعترافات في محاكمة عادلة. كما تهدف إلى تحقيق المساواة بين المواطنين أمام القانون، وضمان أمنهم القضائي وجعل القضاء حاميا للحقوق والحريات. وفي هذا الصدد ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضم إليه المغرب في 1979 ، في المادة 14 في جزء منها على أن: 1) الناس جميعا متساوون أمام القضاء. ومن حق كل شخص، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. 2) من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا. 3) لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الدنيا التالية: - أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل، وفى لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها - أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه - أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له. - أن يحاكم حضوريا وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره - أن يخبر بحقه في وجود من يدافع عنه، إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تزوده المحكمة حكما، كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر. - أن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام. - أن يزود مجانا بترجمان إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة. - ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب. كما ينص العهد في مواد أخرى على حق الموقوف أو المعتقل، في المحاكمة دون تأخير لا مبرر له، وأن يقدم سريعا إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخول لهم قانونا النظر في قضيته. ومن بين المصادر المرجعية أيضا للحركة الحقوقية في هذا الصدد ما جاء من توصيات في تقرير المقرر الأممي الخاص بالتعذيب وفي تقرير اللجنة الأممية المعنية بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وكل ضروب المعاملة القاسية والمهينة الصادر على إثر مناقشة التقرير الحكومي حول تطبيق هذه الاتفاقية والتقارير الموازية التي قدمت ومن ضمنها تقرير اللجنة المغربية لمناهضة التعذيب. وهي تقارير تؤكد على انتهاك الحق في المحاكمة العادلة بالنسبة للمدنيين الذين يقدمون أمام المحكمة العسكرية، وتوصي بجعل حد لذلك. وسبق للائتلاف أن تطرق، في عدة مناسبات، إلى ما يميز المحكمة العسكرية من اختلالات تناقض الضمانات المنصوص عليها في المعايير الأممية للحق في المحاكمة العادلة ومعايير استقلال القضاء من ضمنها : مناسبة ملاحظته لمحاكمة معتقلي مخيم اكديم إزيك قبل سنة. إذ خلص في تقريره آنذاك أن المحكمة العسكرية محكمة استثنائية غير مستقلة و منشئة بطريقة مخالفة لمقتضيات الدستور الجديد، مؤكدا أن محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري لا ينسجم مع مبادئ القانون الدولي ويشكل خرقا للمادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تشدد على أن لكل إنسان الحق على قدم المساواة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة، نظرا عادلا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه. كما تشكل المحاكمة التي تمت ملاحظتها خرقا للمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن لكل شخص الحق في أن تكون قضيته محل نظر منصف، و علني، من قبل محكمة مستقلة ومحايدة منشأة بحكم القانون، و باعتبار المحكمة العسكرية محكمة استثنائية وهذا يشكل تناقضا مع الدستور المغربي الجديد الذي يمنع تأسيس محاكم استثنائية. وخلص التقرير أيضا إلى أن ما يجعل من المحاكمة محاكمة غير عادلة كون المحكمة العسكرية قضاؤها خاص لا يندرج ضمن منظومة التنظيم القضائي، و أحكامها لا تستأنف، و الضحايا لا يمكنهم التنصيب كمطالبين بالحق المدني. ولكون هيئة الحكم تتكون من قاض مدني و أربع مستشارين عسكريين لهم حق التصويت على الأسئلة التي تطرح أثناء المداولة، و هذا لا يضمن أي استقلال لهيئة الحكم ما دامت الغلبة للعسكريين الذين توجههم النيابة العامة العسكرية ويتلقون تعليمات منها. لذلك وجب التأكيد على أن المحاكمة أمام المحكمة العسكرية باطلة من وجهة نظر القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وحسب مقتضيات الدستور المغربي نفسه. وفي هذا التقرير دائما، عبر الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان عن قلقه إزاء إصرار السلطات المغربية على تقديم المعتقلين المدنيين للمحاكمة العسكرية، و في هذا الصدد طالب بإعادة إجراء محاكمة عادلة للمعتقلين المدانين من قبل المحكمة العسكرية، وبعد شهور من إصداره لهذا التقرير، أكد الائتلاف ضمن ما أكد عليه في الميثاق الوطني لحقوق الإنسان المحين المصادق عليه في 12 دجنبر من السنة الماضية، على عدد من المهام التي سيباشرها وفي مقدمتها ما يتعلق بالحق في المحاكمة العادلة، وهي : 1) العمل والمرافعة من أجل مراجعات جذرية لمقومات السياسة الجنائية، بهدف حماية الأمن القانوني وضمان الأمن القضائي، وأسس المحاكمة العادلة انطلاقا من البحث التمهيدي والتحقيق القضائي إلى مراحل المحاكمة مع إعادة النظر في مساطر الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، وفلسفة العقوبة وتنفيذها ونظام السجون، وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب لما يجسده من مساس بمقومات السياسة الجنائية والحقوق الأساسية والحق في الدفاع والحق في الحياة الخاصة، مع المطالبة بإلغاء المحاكم الاستثنائية ومراجعة قانون العدل العسكري. 2) المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام بدءا بالتصديق على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية وملاءمة القانون المحلي معه، والعمل على انضمام المغرب إلى اتفاقية روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية تنفيذا لالتزامات الدولة في إطار توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. لهذا يؤكد الائتلاف على مطالبته الحكومة المغربية بالإسراع بإعداد مشروع قانون لإعادة النظر في اختصاصات المحكمة العسكرية بما يتجاوب مع مطالب الحركة الحقوقية ومتطلبات ملاءمة القوانين الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وفي الختام، إذ يتمنى الائتلاف كل النجاح لهذه الندوة بما يوضح أكثر مشروعية مطالب الحركة الحقوقية بخصوص المحكمة العسكرية، وبما يساهم كذلك في بناء خطة عمل مشترك من أجل تحقيق الأهداف الحقوقية المشار إليها في ضمان الحق في المحاكمة العادلة للجميع، فإنه يجدد مطلبه بتوقيف محاكمات المدنيين الجارية أمام المحكمة العسكرية ومن ضمنها محاكمة مممادو ديارا وآخرون.. ويؤكد على مضيه قدما في اتحاذ كل الخطوات الضرورية لجعل حد للانتهاكات الناتجة عن استمرار الوضعية القضائية الحالية ومواصلة انتهاك الحق في المحاكمة العادلة من طرف المحكمة العسكرية.