قدمت السينما المغربية خلال العشرية الأخيرة نموذجا رائدا على الصعيدين الأفريقي والعربي، على مستوى دور الدولة، في النهوض بالإنتاج السينمائي عبر صندوق الدعم الذي يمنح مساعدات مالية سنوية لمشاريع الأفلام الطويلة والقصيرة، تبت فيها لجنة مكونة من مهنيين وممثلي القطاع العام. نتج عن هذا الانخراط من قبل الدولة ارتفاع كمي ملحوظ في وتيرة إنتاج الأفلام، التي باتت على مدى السنوات الأخيرة لا تقل عن عشرين فيلما طويلا في السنة مقابل ثلاثة أو أربعة أفلام سابقا، ونحو مائة فيلم قصير، مما يضع المغرب في الصدارة أفريقيا وعربيا وفق بعض التقديرات. وإن كان هذا الانتظام الكمي للسينما المغربية يسمح بتوطيد أركان صناعة سينمائية قوية، فإن المهنيين والمختصين يطرحون أسئلة ملحة حول مستقبل هذا النموذج من زوايا عدة تحيل إلى جودة الفيلم المغربي من جهة، وترويجه وطنيا ودوليا من جهة ثانية. تطور الإنتاج وطرحت معادلة الكم والكيف بقوة بمناسبة انعقاد المهرجان الوطني للفيلم المغربي بمدينة طنجة، على ضوء المستوى المتباين للأعمال التي شاركت في مسابقة الأفلام الطويلة والتي بلغت 22 فيلما. ويعتقد نقاد ومتابعون أن معدل الجودة بالنسبة للأعمال المشاركة لا يتجاوز في كل دورة بضعة أفلام، الأمر الذي يتطلب وقفة جدية لتغيير هذه المعادلة. ويبدو أن المركز السينمائي المغربي باعتباره الهيئة المسؤولة عن تنظيم القطاع السينمائي، بدأ يتفاعل مع هذا المطلب، حين أكد مديره العام نورالدين الصايل بمناسبة المهرجان أن الدورة المنتهية ستكون الأخيرة من حيث نظام المسابقة المفتوحة في وجه جميع الأفلام المغربية المنتجة خلال العام، حيث سيتم بدءا من الدورة المقبلة إقرار نظام الانتقاء المسبق للأفلام لتقتصر قائمة أفلام المسابقة على 14 فيلما طويلا. وأمام الانتقادات الموجهة على صعيد الجودة، يبدو المركز السينمائي المغربي مقتنعا بأن نسبة قياس الأفلام الجيدة من مجموع الأعمال المنتجة أمر طبيعي في جميع الصناعات السينمائية العالمية، حيث إن الفيلم الإبداعي الذي يلبي طموح النقاد والنخبة المثقفة يشكل الأقلية، في هوليود كما في بوليود وغيرهما. وتؤمن المؤسسة أنه لا غنى عن تعزيز وتيرة الإنتاج من أجل تحقيق الهدف المزدوج المتمثل في توفير ظروف إنتاج أعمال عالية المستوى على المدى الطويل من جهة، وتوطيد أركان الصناعة السينمائية في البلاد مهنيا واقتصاديا. مشكلة الترويج ويرتسم أمام السينما المغربية بعد رفع تحدي الزيادة بالإنتاج مواجهة مشكلة حادة تتعلق بترويج الفيلم المغربي، في ظل استمرار مسلسل انقراض القاعات السينمائية بأنحاء المملكة، بحيث انتقل عددها من حوالي ثلاثمائة قاعة حتى الثمانينيات إلى حوالي ثلاثين قاعة حاليا. أصحاب القاعات يتذرعون باستفحال مشكلة القرصنة التي توفر لمشاهد السينما أحدث الأفلام الدولية والعربية، لكن المركز السينمائي يعتبر أن عدم استثمار أرباب القاعات في ترميمها وتكييفها مع المتطلبات التقنية الجديدة عامل أساسي وراء هذا الوضع الذي يضيّق سوق استقبال الفيلم المغربي أساسا، رغم تحقيق بعض الأرقام القياسية لأفلام بعينها، تفوقت على عدد تذاكر الدخول لأفلام هوليود. ومن الجديد النوعي المسجل على مستوى دعم الدولة إحداث لجنة لدعم رقمنة وتحديث وإنشاء القاعات السينمائية، حيث تشير الحصيلة السنوية للمركز السينمائي إلى أن اللجنة المختصة قررت منذ إحداثها في 15 يناير/كانون الثاني الماضي منح دعم الرقمنة لثماني قاعات سينمائية. وفي هذا السياق، يؤمن المدير العام للمركز السينمائي بأن التشجيع على إحداث مجمعات سينمائية متعددة الشاشات ببنيات استقبال ملائمة هو الحل الأمثل لمشكلة عزوف المشاهد المغربي عن الذهاب إلى القاعات. لكن نجاح أي سياسة في هذا الصدد يتطلب توفير ضمانات مالية عمومية للاستثمار الخاص في القطاع. وقدم النموذج الناجح لهذه السياسة في مجمع الدارالبيضاء الذي بات يحقق 60% من مجموع تذاكر القاعات بالمغرب. إجراءات جذرية على أكثر من صعيد يتطلع إليها مهنيو الفن السابع بالمغرب من أجل إنتاج سينما تشكل في نفس الوقت واجهة ثقافية تعكس حيوية المجتمع المغربي وأسئلته العميقة، وتفتح سوقا واسعة لصناعة حقيقية تضمن استدامة الانتاج وتحقق المردودية الاقتصادية المنشودة.