حتى كلمات البرقية الملكية الموجهة إلى قادة البلدان المغاربية في الذكرى الخامسة والعشرين لإعلان إنشاء «اتحاد المغرب العربي» لم تسلم من القراءة الباتولوجية لأبواق النظام العسكري في الجار الشرقي للمملكة، ووقفت صحيفة معروفة هناك على فقرة يحث فيها جلالة الملك على الانخراط في سيرورة التكتلات السياسية والاقتصادية القوية التي تلفظ الكيانات الوهمية، ولا تعترف إلا بالمرتكزات الوحدوية والثوابت الوطنية الضاربة جذورها في عمق التاريخ، لتستنتج ببلادة ينعدم فيها الذكاء بأن القول الملكي فيه إيحاء إلى قضية الصحراء، وكأن ذلك جديد أو يقال لأول مرة. عباقرة البروباغاندا الجزائرية يكذبون على أنفسهم وشعبهم ويصدقون الكذبة، ولا يريدون الخروج من... الوهم. لو استدعوا قليلا من العقل لأدركوا أن الكيان الذي صنعه نظام بلدهم هو فعلا والوهم سيان، ولما احتاجوا أصلا لكل هذا التنقيب بين سطور البرقية الملكية التي تجسد أولا وقبل كل شيء سلوكا راقيا متحضرا في مناسبة كان التأسيس لها مشتركا قبل ربع قرن، ومن ثم، فالتحية كان يجب الرد عليها بأحسن منها أو بمثلها أو على الأقل بحكمة... الصمت. هذا الطيش الذي تمثل في تعاطي أبواق البروباغاندا الجزائرية مع البرقية الملكية هو نفسه الذي تجسد خلال اجتماعات برلمانات منظمة التعاون الإسلامي بطهران من طرف الوفد الجزائري، وفي مختلف حالاته هو يعبر عن جنون تفشى وتفاقم بين أركان النظام الجزائري، وهو لا يقود لا البلاد ولا المنطقة برمتها سوى نحو المجهول، أو إلى الدوران حول ذاتها. مقابل الرعونة والطيش المتحدث عنهما أعلاه، تقدم لنا أشغال المنتدى الثالث للمقاولين المغاربيين المنعقد بمراكش صورة مختلفة عن التطلع المشترك إلى الوحدة من أجل تحقيق أهداف ومصالح شعوب المنطقة. في مراكش دعا مئات الفاعلين الاقتصاديين والمؤسساتيين من الدول المغاربية الخمس إلى بعث الحياة في «اتحاد المغرب العربي» وإلى تيسير التجارة البينية والاستثمار، وشددوا على أهمية تمتين العمل المشترك من أجل إنتاج الثروات وخلق المزيد من فرص الشغل وتوفير شروط التنمية والعيش الكريم لشباب وشعوب المنطقة... هنا في مراكش، وإن كانت السياسة قادرة على فرملة كل الانطلاقات وإجهاض كل الأحلام، فإن العقل حاضر بالقوة في الطروحات، ذلك أن المقاولين يرون الحل واضحا في بناء فضاء اقتصادي مغاربي مشترك، وفي تسهيل التواصل والتنقل بين البلدان الخمسة وشعوبها وفاعليها، ولذلك يجدر الإنصات إلى النداء المنبعث من داخل جلسات منتدى مراكش. الإيقاعات التي يسير عليها عالم اليوم، وتنامي التحولات وكذا الصراعات في أكثر من منطقة، وخصوصا في المحيط الجغرافي الملتف حول المنطقة المغاربية، بالإضافة إلى التحديات العديدة والمتنوعة المطروحة على البلدان المغاربية، كل هذا لم يعد يسمح لسياسيي المنطقة وحكامها بالمزيد من الجمود أو... الطيش، وصار اليوم ملحا الإقدام على خطوات عملية وشجاعة للخروج من الواقع الحالي. في الصورة القادمة من مراكش بعض الأمل، لكن في الصور والحالات الوافدة من الجار الشرقي للمغرب كثير من التشاؤم... في التخلص من الجنون هناك تكمن بداية الحل. Mahtat5gmail.com