إن الفلسفة التي وجهت هذا المعرض منذ إحداثه قبل سبع وثلاثين سنة ظلت تقوم على تقريب الصلة بين المنتجين الثقافيين، سواء كانوا كتابا أو ناشرين من المغرب والبلدان الشقيقة والصديقة، وعموم المتلقين من مثقفين وتربويين وجمعويين وقراء من مختلف فئات المجتمع، وهو ما حّول هذه التظاهرة الثقافية المهداة للكتاب وقضاياه، وللصناعة الثقافية بوجه عام، إلى موعد سنوي هام ذي بعد دولي تلتقي فيه الجغرافيات والحساسيات الثقافية الوطنية والعربية والإفريقية والدولية، كما تلتقي فيه الخبرات المهنية الآتية من كل الجهات. ومن المؤكد أن المؤشرات الاستقطابية لهذا المعرض، التي ظلت تتصاعد دورة بعد أخرى، سواء على مستوى البلدان والعارضين المشاركين أو على مستوى الزوار من كل الشرائح، لم تعزّز فقط المكانة الدولية لهذه التظاهرة، بل رسخت أيضا وجود طلب كبير للإنتاج الثقافي من طرف جمهور واسع نسعى جميعا، بمعية شركائنا الثقافيين، إلى تحسيسه بأهمية القراءة وضرورة الكتاب لبناء هوية متماسكة وقادرة على مواجهة أسئلة الواقع ورهاناته. ولذلك واصلنا، في الدورة أيضا، اعتماد شعار «لنعش المغرب الثقافي»، الذي نعتبره، في الوقت نفسه، التزاما قطاعيا من الوزارة بمواصلة تنفيذ الأوراش الكبرى المفتوحة في مجالات الكتاب والفنون والتراث، ودعوة لجميع الفاعلين الثقافيين، كل في مجال اختصاصه وموقع مسؤوليته، لترسيخ الانخراط في المقاربة التشاركية التي ننهجها من أجل تقويتها بالمبادرات الرصينة والواقعية. بيد أن الحدث الأبرز في هذه الدورة، هو استقبالنا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا كضيف شرف، وحضور ثلاثة عشر وزيرا للثقافة في حكومات هذه البلدان التي تربطها بالمغرب علاقات حيوية وتاريخية مبنية على الأخوة والصداقة والتعاون في مختلف المجالات، وحضور وفود ثقافية وازنة من كافة هذه البلدان العزيزة علينا، وهو ما سيعزز الحوار المتعدد والمتواصل معها، وسيتيح لنا جميعا أن نسمع مباشرة أصواتا إبداعية وفكرية إفريقية أسهمت في إغناء السجل الثقافي الزاخر لهذه القارة التي نعتز بالانتساب إليها والتي لا تنفك تؤكد قدرتها التاريخية على إخصاب الثقافة الإنسانية بوجه عام. فمرحبا بالسادة الوزراء وبكافة الأسماء المحترمة المرافقة لهم في بلدهم الثاني المغرب، المتشبث والمرتبط تاريخيا وجيو سياسيا واقتصاديا وثقافيا بعمقه الإفريقي طبقا للرؤية الملكية السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله. وبخصوص مؤشرات البرنامج الثقافي المواكب لهذه الدورة، سيتم تنظيم أكثر من مئة (100) نشاط ثقافي، أي بمعدل عشرة (10) أنشطة في اليوم موزعة على ثلاثة فضاءات سيلتقي زوار المعرض فيها بنخبة من المحاضرين والأدباء والمفكرين يناهز عدد المغاربة منهم ثلاثمئة وأربعين (340)، فيما يبلغ عدد العرب منهم والأجانب خمسة وسبعين (75) متدخلا. وتتضمن هذه الفعاليات الثقافية محاضرات وموائد مستديرة وندوات موضوعاتية وتوقيعات إصدارات جديدة وقراءات واستحضارات لأسماء ثقافية راحلة، كما تتضمن فضاء نكرسه كل سنة للطفل سيحفل بأنشطة تحفز الصغار واليافعين على القراءة والإبداع. لقد كانت الندوة الصحافية التي عقدتها قبل أيام بخصوص هذا المعرض مناسبة للإعلان عن بدء العمل بالصيغة الجديدة التي اعتمدتها الوزارة لدعم قطاع الكتاب والنشر في إطار الورش الكبير الذي بلورته الوزارة لدعم الصناعة الثقافية بوجه عام في شكل عروض مشاريع، وهو الورش الذي يهم، علاوة على الكتاب والنشر، قطاعات الموسيقى والفنون الكوريغرافية، والمسرح، والفنون التشكيلية والبصرية، والذي تم تنزيل مقتضياته الجديدة في إطار قرارات مشتركة بين وزارة الثقافة ووزارة الاقتصاد والمالية. وما من شك في أن للإعلام الوطني بمختلف وسائله ومشاربه دورا حيويا ننتظر منه أن يؤديه على مستوى مصاحبة وإسناد هذا الورش، من خلال المسؤولية التشاركية التي نقتسمها، فاعلين ثقافيين وإعلاميين، لمواصلة التنمية الثقافية لبلادنا في إطار فلسفة دعم الإبداع والمبدعين التي نعمل على تنزيلها وتحصينها بمبدإ الحكامة الثقافية. *من كلمة وزير الثقافة في افتتاح الدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب