يستمر وقت القراءة.. وتستمر الحياة.. أجمع العديد من المتتبعين على أن الدورة ال 18 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء التي تواصلت على امتداد عشرة أيام والتي اختتمت مساء أول أمس، كانت فرصة لتصالح المثقفين والأدباء مع الوزارة الوصية على هذا القطاع، بعد الأخذ والرد الذي طبع الدورة السالفة. مختلف الأنشطة الثقافية التي برمجت ضمن هذه الدورة والتي حملت شعار «وقت للقراءة..وقت للحياة»، انعقدت في وقتها وحضرها المدعوون للمساهمة فيها، وعرفت إقبالا جماهيريا كبيرا، بالرغم من زخمها وكثافتها، وتزامنها مع أجواء البرد والعطلة المدرسية والجامعية. لامست هذه الأنشطة مختلف الإشكالات ذات الصلة بالمعرفة والفكر والإبداع والعلوم.. وكان لفئة الشباب نصيب وافر ضمن البرنامج الثقافي الذي سطرته الوزارة بشراكة وتعاون مع منظمات المجتمع المدني، ولم يكن ذلك مصادفة، حيث جاء انسجاما وتفاعلا مع الحراك الاجتماعي الذي قاده الشباب بالخصوص في بلدان عربية والذي وسم بالربيع العربي. ما أبهى فضاء المعرض وهو يحفل بالتجمعات والندوات والقراءات.. سواء في القاعات الكبيرة أو داخل الأروقة. كانت الحركة تدب في كل شبر في المعرض، ابتداء من الساعة العاشرة صباحا وربما قبلها، وتبلغ ذروتها بعد الظهيرة وفي المساء.. أما نهاية الأسبوع؛ فتركب المكان حالة جنون خاصة. الجنون بالقراءة والإصغاء إلى الأدباء والمفكرين والاطلاع على ما جد في الإصدارات بمختلف القارات، وملاقاة أصدقاء الكلمة؛ ممن لا تتاح لهم فرصة اللقاء بهم سوى في مثل هذه المناسبة السنوية. أينما التفتت، تجد ما يشد الانتباه: عنوان كتاب يغري بالقراءة والتصفح، أصوات أدبية تتلو إبداعاتها الطافحة بالمعاناة الذاتية والجماعية، أصوات فكرية ونقدية تجيب عن أسئلة القراء والزوار. وكان اختيار المملكة العربية السعودية ضيف شرف لهذه الدورة، مستحقا، على اعتبار الاجتهادات التي مافتئ يراكمها هذا البلد، سواء في مجال النشر أو الثقافة بوجه عام، وليس مصادفة أن يضم رواق السعودية - بالإضافة إلى الإصدارات الجديدة في مختلف شؤون الفكر والإبداع - أشكالا تعبيرية أخرى، من قبيل التشكيل والنحت وفن التصوير وغيرها؛ فهي تعكس بجلاء الحيوية التي تطبع الساحة الثقافية ببلد الديار المقدسة، وقد أمكن إدراك مدى انفتاح هذا البلد العربي على موجة الحداثة والتجديد، وليس كما تصوره خطأ بعض الأقلام غير المطلعة على مسارات الثقافة في هذا البلد العربي، وهذا من حسنات المعرض الدولي للنشر والكتاب، على اعتبار أنه يعين الزائر على الوقوف عند حقيقة ما ينتجه إجمالا كل بلد على حدة، وإن كانت بعض الأروقة، لا تسع هذا الحلم اللذيذ. منظمات مجتمعنا المدني كانت حاضرة في هذا المحفل الدولي، على قدم وساق إلى جانب الوزارة الوصية: اتحاد كتاب المغرب، بيت الشعر، الائتلاف المغربي للثقافة والفنون، منظمات حقوق الإنسان.. والمجلس الذي يرعى شؤون الجالية المغربية بالخارج، كان هو الآخر حاضرا ونشيطا، ولا ننسى الجمعيات التي تعنى بالطفولة، والقائمة طويلة. وعلى ذكر الطفولة؛ فإنه لا يمكن للزائر إلا أن ينتابه الشعور بالابتهاج وهو يرى في العيون البريئة للصبايا والتلاميذ، ذلك الألق وذلك الاندهاش بالتعرف وبالاكتشاف ربما لأول مرة، على عالم الكتاب. ومن ثمة فإذا كان وقت القراءة يحقق متعة، فإن للاكتشاف أيضا لذته ومتعته. ثمة ورشات الأطفال بألوانها وأصباغها وأقلامها وحكايات رواتها، دائبة الحركة والاشتغال، ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أن هذه الفئة بالذات، هي مستقبل الكتاب والنشر؛ فعند العناية بها، نكون قد قمنا بتحصين الكتاب والنشر من أي أزمة قد تلوح في الأفق أكثر حدة مما هي عليه اليوم. كانت الظروف التنظيمية لهذه التظاهرة الثقافية، تنم عن احترافية وخبرة، وكان حرص المنظمين على التواصل مع الزوار، من خلال نشرة يومية باللغتين العربية والفرنسية، ذات إخراج جميل وفاتن، وحافلة بالأخبار المتعلقة بالإصدارات الجديدة التي يضمها المعرض وكذا بالمؤلفين من مختلف المشارب والأجيال والأجناس. يظل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء إذن، محطة أساسية وضرورية ولا محيد عنها، على أمل أن يشهد تطورا مضطردا في المقبل من السنوات.