الدورة العشرون للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء بقدر ما أنها تمثل استحقاقا ثقافيا وتنظيميا «داخليا» يستوجب الوقوف الملي للتقييم والتحليل واستشراف المستقبل، فهي أيضا تقدم لنا هذا العام مقومات إبهار وتطلع تغري بالمتابعة. إن اختيار الاحتفاء بمنطقة غرب إفريقيا يمثل اقتحاما ذكيا لسؤال ثقافي وفكري عميق حول العمق الإفريقي لبلادنا، ذلك أن الاختيار يجبرنا على الانتباه إلى المنجز الأدبي والإبداعي والفكري لشعوب هذه المنطقة، وملامسة مختلف تحولاته وخصوصياته، وأيضا رصد أفقنا الجماعي المشترك. معرض الدارالبيضاء ينتقل إذن بسؤال علاقتنا بانتمائنا الإفريقي من السياسة والديبلوماسية والمبادلات الاقتصادية، ومن التعبيرات التبسيطية والتاريخية والعاطفية إلى بعد أعمق وأكثر جدية، أي إلى اختبار البعد الثقافي والحضاري، وضمن ذلك تتناسل كثير أسئلة تفرض نفسها اليوم على مبدعينا أيضا، وعلى نقاد الأدب ودارسيه بالخصوص، وأساسا حول علاقة الثقافة المغربية ومدى تفاعلها مع ما نعتبره عمقا جغرافيا وتاريخيا وحضاريا لنا في إفريقيا، وحول انعكاس معنى «إفريقيتنا» في أدبنا وفكرنا وإنتاجنا الثقافي. من جهة ثانية، يقدم معرض الدارالبيضاء خدمة ديبلوماسية لبلادنا، ليس فقط من خلال دول المنطقة الجغرافية المحتفى بها كضيف شرف هذه الدورة، أو من خلال عشرات وزراء الثقافة ومسؤولي هذه الدول وديبلوماسييها، وأيضا أدبائها وناشريها وصحفييها، ولكن أيضا من خلال كل العارضين القادمين من بلدان عديدة للمشاركة في التظاهرة المغربية، وكذا من خلال عشرات المثقفين والشخصيات العلمية والسياسية الحاضرة، وكل هذه النخب تمتلك قدرا كبيرا من الحب للمملكة والتقدير لشعبها، لابد من استثماره لمزيد من إشعاع هذا الموعد الثقافي الكبير إعلاميا و... ديبلوماسيا. أما السؤال الوطني الجوهري الذي تذكرنا به دورات معرض الكتاب كل سنة، فهو بالضبط علاقتنا نحن بالكتاب، أي بالقراءة، ثم مساهمة مثل هذه التظاهرات في الرفع من مستوياتها، ودور السياسات العمومية ومهنيي القطاع والمدرسة والمبدعين وتنظيماتهم الثقافية والمهنية ووسائل الإعلام في تقوية سير مجتمعنا نحو بلوغ هذا الهدف. إن نفور التلاميذ والطلبة اليوم من الكتاب ومن القراءة يعتبر أمرا مخيفا، وضعف الإقبال على اقتناء الكتاب الأدبي والثقافي والفكري، بما في ذلك من لدن المدرسين في الثانويات والجامعات، ومن طرف موظفي الإدارة والقطاع الخاص، كل هذا يعرض أمامنا تناقضا مجتمعيا مروعا، ويسائل منظومتنا التعليمية في دورها الطبيعي الأول، أي التحفيز على القراءة والتهام المعارف... لقد صار مخجلا الحجم الضعيف جدا لمبيعات الكتاب الأدبي في بلادنا، وأيضا المستوى العام للمقروئية «كتب، صحف ومجلات» وآن الأوان للوعي الجماعي بخطورة هذا الواقع وبحاجتنا كلنا إلى إشعاع القراءة والوعي وسط شعبنا وشبابنا. معرض الكتاب يجب أن يندرج ضمن السعي المجتمعي العام لمستقبل ثقافي أرقى وأكثر عمقا وانفتاحا.