الذات المغتربة والبحث عن الخلاص نظّم الصالون الأدبي بوجدة، التابع لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، مساء السبت 8 فبراير 2014، بمقر المركز (منار المعرفة)، ندوة علمية احتفاءً بكتاب «الذات المغتربة والبحث عن الخلاص» للشاعر والناقد د. علي العلوي، الصادر مؤخراً عن دار الوطن بالرباط، شارك فيها الباحثون عبد الكريم فاتح وفريد أمعضشو ورشيد سوسان، وسيّر اللقاءَ الأستاذ محمد العرجوني عضْوُ الصالون، وعرف حضور عدد من الباحثين والمهتمين بالشأن الأدبي والثقافي عامة. افتُتح النشاط بمداخلة الدكتور عبد الكريم فاتح التي قدمت أربعة مفاتيح أساسية لقراءة الكتاب المُحتفى به، تمحورت حول أهلية المؤلَّف وصاحبه للاحتفال النقدي؛ بالنظر إلى قيمة هذا العمل وتميزه على أكثر من مستوى، وحول جانبه المنهجي الناجع وجرأته في إثارة جملة من القضايا والمواضيع، وحول الآفاق البحثية التي فتحها في وجه الدارسين؛ من مثل المأساة وأقنعة الذات في الشعر المغربي المعاصر، ومفهوم الاغتراب في الفكر الفلسفي العربي والغربي. وختم المتدخل كلمته المركزة بتسجيل ملاحظات عنّت له بعد قراءة كتاب الدكتور علي العلوي محور هذه الندوة. وتطرقت مداخلة الدكتور فريد أمعضشو إلى إبراز ملامح المنهج في كتاب «الذات المغتربة والبحث عن الخلاص» (295 ص. من القِطْع المتوسط) من خلال الوقوف، بتفصيل، عند ثلاث زوايا عدَّها مداخلَ أساسية لتناول موضوع عرضه. فأما الأولى فتجعل مفهوم المنهج منصرفاً إلى كيفية بناء الكاتب صرْحَ كتابه، وترتيب موادّه وفصوله، وقد خلَص المتدخل إلى أن «بحث د. العلوي مبني بطريقة محكمة ومنسجمة ومتماسكة، وجامع بين النظري والتحليلي على نحْو بارع وموفق ومتداخل كذلك في جملة من الأحايين. وقد أسعفه هذا البناء المعماري على معالجة ظاهرة الاغتراب في المتن الشعري المُختار من أبرز جوانبها؛ إذِ انطلق من رصد مسبِّباتها وبواعثها الموضوعية والذاتية معاً، ثم فصّل القولَ عن تمظهراتها وأشكالها الطاغية، قبل أن يختم دراسته ببيان ردّ فعل الشاعر المغربي المعاصر وموقفه منها». وأما الزاوية الثانية فنظر من خلالها إلى المنهج على أنه أسلوب الكاتب ومنهاجه في تناول ظاهرة الاغتراب في الشعر المغربي المعاصر. وقد تبدّى للباحث أمعضشو أن المنهج النقدي الأساس الذي توسّل به علي العلوي، في دراسة الظاهرة المذكورة، في المتن المذكور، يتجلى في البنيوية التكوينية ومفاهيمها الإجرائية المحورية، وفي مقدمتها «البنية الدالة»، إلى جانب مفاهيم أخرى معروفة سبق للُوسيان غولدمان التنظير لها (الوعي الكائن والممكن – الفهم – التفسير)، ومن أهم ما توصل إليه الناقد في هذا الإطار أن البنية الدالة المتحكمة في القصيدة المغربية المعاصرة إنما تكمن في ظاهرة الاغتراب وما يتمحَّض لها من معاني الضياع والاستياء والانكسار والتمزق والتيه. ولا بد من الإشارة إلى أن دراسة العلوي، من هذه الناحية، تتقاطع مع دراستيْ محمد بنيس «ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب – مقاربة بنيوية تكوينية»، والمرحوم عبد الله راجع «القصيدة المغربية المعاصرة: بنية الشهادة والاستشهاد»، وإنْ كان بنيس توصل إلى أن البنية المتحكمة في الشعر المغربي المعاصر، خلال الستينيات والسبعينيات، هي «بنية السقوط والانتظار»، وراجع خلص إلى أن البنية السائدة فيه إنما هي «بنية الشهادة والاستشهاد». وللبنى الدالة الثلاث ارتباط وثيقٌ، كما لا يخفى، بالواقع المعيش اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا. وهذا مظهر من مظاهر أخرى تعكس الإضافة النوعية لدراسة العلوي في المشهد النقدي المغربي المعاصر. وأوضح أمعضشو، كذلك، أن اعتماد د. علي العلوي البنيوية التكوينية منهجاً أساساً في بحثه المقروء لم يكن ليمنعه من استثمار مناهج نقدية أخرى، ومن الإفادة من بعض إوالياتها المُسْعِفة على مقاربة المدروس بنجاعة وعمق، وعلى تقديم نظرة دقيقة وشاملة من حوله، وفي طليعتها المنهج النفسي، والمنهج التاريخي، والمنهج الواقعي الاجتماعي، والمنهج الفني. لقد جمع العلوي بين هذه المناهج كلها على نحو متكامل، وعبّأ بالفعل كثيراً من مفاهيمها الإجرائية وميكانيزماتها الناجعة في الدراسة؛ ممّا مكّنه من تقديم دراسة على حظ كبير جدّا من الرصانة والعمق. وأما الزاوية الثالثة فتحيلنا على مفهوم آخر للمنهج في الكتاب، وهو المتمحِّض لطريقة الناقد في التعامل مع المقاطع والنصوص الشعرية المُؤتى بها، بوصفها منطلقات كان يستنطقها ناقدُنا لبيان أسباب الغربة في المتن المدروس ومظاهرها وموقف الشاعر المغربي المعاصر منها. وقد اتضح، بجلاء، لصاحب المداخلة أن هذه الطريقة قائمة على الوصف والتحليل، والتفسير، والتعليق، والتأويل، والمقارنة، مسجلا – بطبيعة الحال – وجود تفاوتات بين هذه الملامح المنهجية كلها، مع غلبة المنحى التوصيفي التحليلي في قراءته لنصوص الشعر المقتَبَسَة. وانصرفت مداخلة الدكتور رشيد سوسان إلى الحديث، بإفاضة، عن مركزية «الاغتراب الذاتي» في الشعر المغربي المعاصر، من خلال كتاب العلوي المشار إليه آنفاً. فبعد توضيحه مداليل «الاغتراب» الأساسية، ووقوفه عند مفهوم «اغتراب الذات»، شرع في تسليط ضياء كاشفة على تيماته البارزة الثلاث، والتي تتجلى في: الصمت غير الدامع، والبكاء وما يستتبعه من دموع، والنفي والتيه. وخصَّ كل واحدة منها بوقفة متأنية - مدعَّمة بشواهد شعرية توضيحية - مُحتفظا بتقسيماتها كما وردت لدى العلوي، ليخلص إلى صياغة ما أسْماه «شجرة الاغتراب الذاتي في الشعر المغربي المعاصر». وأنهى د. سوسان مقالته القيّمة بعرض أهم الاستنتاجات التي توصل إليها من قراءته النقدية لمؤلف د. العلوي، بشأن ظاهرة الاغتراب الذاتي في شعرنا المعاصر؛ من قبيل تأكيده فكرة تميز كتاب الناقد على أكثر من صعيد، وإتقانه عملية إيراد الشواهد الشعرية في أسيقتها الملائمة، من غير تكلف أو إقحام، وإجادته في التقسيم والتفريع، دونما إثقال الكتاب بالتفصيلات الكثيرة والمتشعِّبة، ومن الراجح أن لطبيعة تعلم د. العلوي خلال سنوات مضت، لما كان طالباً في الشعبة العلمية، وللخلفية المنطقية والرياضياتية أثراً – بشكل أو بآخر – في هذا الصدد؛ فجاءت تقسيمات الكتاب واضحة ومتناسقة وبعيدة عن كل ما مِن شأنه أن يُدخل قارئه في مجاهل ومتاهات قد تعسِّر مأمورية القبض على الفروع، والسيطرة عليها، وفهم معانيها وعلاقاتها... وفي آخِر اللقاء، أعطيت الكلمة للكاتب المحتفى بإصداره النقدي الجديد، الذي توجّه بكلمات شكر إلى كل المُسْهمين في هذا الاحتفاء، وعقّب إيجاباً – بما لا يخلو من تأثر أحياناً – على بعض ما حملته عروض بعض المتدخلين. وبعد ذلك، أعلن المسيِّر عن انتهاء الندوة، وضرب للحاضرين موعدا مع نشاط آخر ينظمه الصالون نفسُه بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.