أعادت رسالة وجهتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لكل من رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير العدل ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول ما تصفه بتصعيد الانتهاكات ضد التظاهرات والاعتصامات السلمية، النقاش حول موضوع ممارسة الاحتجاج السلمي والمقاربة التي يجب أن تتبناها السلطات العمومية وكيفية التعامل مع هذا الاحتجاج الذي يعد شكلا من أشكال التعبير عن مطالب أو رأي أو حاجيات بحيث يتم ضمان ممارسة هذه التجمعات السلمية دون اعتداء على باقي الحريات المضمونة أيضا في الدستور، وخاصة حرية التنقل والتجول، ودون إخلال بالنظام العام . رسالة الجمعية أثارت أن الحريات العامة ببلادنا، عرفت ومنذ مدة، تدهورا خطيرا جراء التدخلات العنيفة، لفض التظاهرات والاعتصامات السلمية في مجموعة من المناطق، وبحق فئات متعددة من المواطنات والمواطنين « عمال، معطلون، طلبة، ذوو الحقوق في أراضي الجموع والأراضي السلالية، أساتذة مقصيون من الترقية، نشطاء حركة 20 فبراير، مواطنات ومواطنون ضحايا انتهاكات لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية...»، وأن هذه التدخلات كثيرا ما أفضت إلى اعتقال العديد من النشطاء من بينهم، ومحاكمتهم بتهم مفبركة وتعريض جملة منهم للتعذيب النفسي والجسدي، كما تثبت ذلك شهاداتهم الموثقة تم وضعها لدى وزير العدل والحريات في لقاء له مع أعضاء من المكتب المركزي للجمعية. وأفادت الرسالة أن الاعتداء على حق الاحتجاج السلمي يتم في العديد من مناطق المغرب لكن هذا التعامل يسجل بشكل فج في العاصمة الرباط التي أضحت مسرحا اعتداءات القوات العمومية شبه اليومية على كل فئات المواطنين، التي تضطر للتظاهر بشكل سلمي لإيصال مطالبها للمسؤولين؛ وأصبحت مشاهد الضرب بالهراوات على أجساد المتظاهرات والمتظاهرين، ومطاردتهم في الشوارع والأزقة، ظاهرة شبه عامة؛ مما بات يهدد بشكل جدي الحق في التعبير والتظاهر السلمي، ويمثل تحللا ليس فقط من التزامات المغرب الدولية، بل كذلك حتى من التقيد بالقوانين المحلية. واعتبرت الجمعية التي أبدت قلقا بالغا اتجاه تبني المقاربة الأمنية من طرف السلطات العمومية في مواجهة الاحتجاجات السلمية، أن الأمر أصبح يمثل تراجعات خطيرة تمس بالحق في التظاهر السلمي، بالنظر للانتهاكات التي ترافق ممارسات القوات العمومية والتي تلجأ إلى ممارسة التعنيف والتعذيب، والاعتقال ومتابعة ومحاكمات جائرة، في حق المحتجين، وطالبت في هذا الصدد المسؤولين الحكوميين بالكشف عن نتائج التحقيق الذي أمرت به بعض المحاكم في آثار التعذيب الذي مورس في مخافر الشرطة على المعتقلين في إطار هذه الاحتجاجات. والعمل في هذا الإطار على الوقف الفوري لكل الاعتداءات التي تطال المتظاهرات والمتظاهرين، وإلغاء المتابعات والمحاكمات التي يتابع فيها العديد منهم، مع إلزام الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين باحترام المعايير والقواعد الدولية أثناء التعاطي مع مختلف أشكال التظاهر والاحتجاج. إذا رسالة الجمعية جاءت لتعيد من جديد طرح موضوع الاحتجاج السلمي الذي أثير منذ سنة 2008 ،وتجدد الحديث عنه بعد تنامي الحركات الاحتجاجية بعدد من المناطق بعد ما شهدته العديد من البلدان من أحداث ترتبط بما يسمى بالربيع العربي، حيث تمت إثارة الجانب الخاص بكيفية مقاربته من طرف السلطات العمومية بحيث تمت الدعوة إلى ضرورة الابتعاد عن المقاربة الأمنية واعتماد مقاربة جديدة يكون عمودها الفقري المقتضيات القانونية المنظمة لهذا الشكل التعبيري من طرف الساكنة أو فئة مهنية أو اجتماعية أو هيئة نقابية أو سياسية، فضلا عن مبادئ حقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق والاتفاقات الدولية التي يعد المغرب طرفا فيها. وأعد في هذا الصدد المجلس الوطني لحقوق الإنسان في طبعته السابقة،دراسة حول ممارسة الاحتجاج السلمي والمقاربة التي يجب على السلطات نهجها بشأنه،إذ اعتبر في تعريفه للاحتجاج أنه واحد من وسائل التعبير وإبداء الرأي الأربعة المتمثلة في وسائل فردية ووسائل جماعية ووسائل شفهية وأخرى مكتوبة، وهو يتم في شكل وقفة أو اعتصام أو مسيرة أو تجمع خطابي، على مرأى ومسمع ممن حضره، مشيرا إلى أنه من السمات الرئيسية التي طبعت الاحتجاج خلال العقدين الأخيرين أنه عرف، في المغرب كما في معظم أنحاء العالم، قطيعة مع الاحتجاج المسلح أو المدعوم بأدوات بسيطة لكنها تحدث أذى في الناس وفي ممتلكات الخواص وممتلكات الدولة، وهو يعرف الآن انتقالا من الاحتجاج الصدامي إلى الاحتجاج السلمي. ولأن الأمر يتعلق بانتقال، فإن الانفلاتات أو الانزلاقات، سواء على مستوى الأمن أو على مستوى أفراد من بين المحتجين، تبقى دائما غير محسومة التوقعات. وأكد بهذا الشأن في تقريره السنوي الصادر سنة 2009، على إلحاحية مراجعة الإطار القانوني المنظم للتجمعات العمومية، مبرزا أنه أمام انتشار الممارسة الاحتجاجية في الزمان والمكان «أي بعدة مناطق وعلى مدى أيام»، وما ترتب عنها من أحداث ومتابعات ومحاكمات «كأحداث صفرو وسيدي إيفني»، وما رافق ذلك من تظلمات حول انتهاكات حقوق الإنسان.. بات يستدعي وبشكل حثيث إلى التفكير في مراجعة القانون المتعلق بالتجمعات العمومية، وذلك من أجل تأطير قانوني واضح المعالم، يضمن ممارسة التجمعات السلمية دون اعتداء على باقي الحريات المضمونة أيضا في الدستور، وخاصة حرية التنقل والتجول، ودون إخلال بالنظام العام الذي يشكل قيدا عاما على ممارسة الحريات العامة. ولم يفت المجلس أن يشدد على أن التقيد بالضوابط القانونية أمر لازم سواء لطالبي التجمع أو التظاهر أو بالنسبة للسلطات العمومية، وأنه في حالة وجود ما يستوجب تفريق تظاهرة أو تجمع سلمي بالشارع العمومي، يتعين على السلطات التقيد بالمقتضيات القانونية المنظمة لذلك، على أن تكون وسائل تدخلها متناسبة مع طبيعة الفعل المراد مواجهته تفاديا للاستعمال المفرط للقوة. ورافع المجلس من أجل ضرورة الإسراع بوضع آليات وتدابير تنظم هذه الممارسة، بما يمكن من مراكمة تقاليد وتطوير ثقافة مواطنة في هذا المجال،تراعي في نفس الآن حماية حقوق الأفراد والمصلحة العامة والحفاظ على النظام العام. هذا فضلا عن تكثيف الجهود لتسريع تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال الحكامة الأمنية، وخاصة فيما يتعلق بالمسؤولية الحكومية في مجال الأمن، ووضعية وتنظيم أجهزة الأمن، والمراقبة الوطنية للسياسات والممارسات الأمنية، والمراقبة الإقليمية والمحلية لعمليات حفظ الأمن، والعمل على مواصلة الجهود المبذولة المتعلقة بضمان التكوين المتواصل لأعوان السلطة والأمن في مجال حقوق الإنسان.