يجسد اليوم الوطني للإعلام، الذي يصادف 15 نونبر من كل عام، مناسبة للوقوف على حصيلة ما أنجز أو لم ينجز في القطاع، وأيضا لإعادة التذكير بالمطالب المهنية، وبانتظارات مهنيي القطاع والمجتمع من ميدان لم تعد خافية أهميته الإستراتيجية في العالم برمته، فضلا على كون المناسبة تمكن كذلك من قراءة وتحليل المشهد الإعلامي الوطني واستشراف مستقبله. من المؤكد أن قطاع الصحافة والإعلام في بلادنا شهد بعض الانتعاشات، على هذا المستوى أو ذاك، في السنوات الأخيرة، ومن دون شك لقد حقق بعض المكاسب وجرى فتح أوراش إصلاحية بخصوصه، لكن أيضا هناك كثير انتظارات لازالت قائمة، وهناك اختلالات جوهرية يستعرضها المهنيون باستمرار، ويتحدث عنها الكثيرون في مجالس ومنتديات مختلفة. إن قطاع الصحافة والإعلام عبر العالم يشهد تغيرات دائمة ومتسارعة، على الصعيدين الاستراتيجي والتكنولوجي، وفي الأدوار، وهو أيضا أثر وتأثر بالحركية السياسية والمجتمعية التي شهدتها كثير من مناطق العالم في الأعوام القليلة الأخيرة، وبالتالي، فهو اليوم قطاع فاعل واستراتيجي في مسارات المجتمعات والشعوب، وكثير من الدول المتقدمة تقارب قضاياه باعتباره قطاعا أساسيا في ديناميتها التنموية والديمقراطية والديبلوماسية. في بلادنا يواجه قطاع الصحافة والإعلام كثير تحديات، ترتبط في الإعلام السمعي البصري مثلا بمنظومة التدبير والحكامة، وفي الصحافة المكتوبة بالنموذج التنموي المطلوب للمقاولات الصحافية، وتتعلق أيضا برؤية الدولة أولا وقبل كل شيء للقطاع ولمهنييه، ولدورها في النهوض بنسيجه المقاولاتي، وذلك ضمن توجه سياسي واضح يعتبر الميدان قطاعا اقتصاديا وتنمويا يوفر مناصب شغل، فضلا على كونه يؤثر في الدينامية الديمقراطية للبلاد وفي الدفاع عن صورتها العامة. صحيح، إن مناقشات جرت حول مشاريع قوانين لإصلاح وتأهيل القطاع، وصحيح أيضا أن أشياء تمت أو قيلت عن التلفزيون والإذاعة ووكالة الأنباء والإعلام الإلكتروني، ولكن الإصلاح والتطوير لا يتمان فقط بالنوايا الطيبة، وبالاجتماعات والخطب، وإنما هناك حاجة اليوم لإبراز إرادة سياسية قوية وواضحة لانكباب الدولة على اختلالات القطاع وتجليات الهشاشة والضعف فيه، والعمل المستعجل من أجل مخطط تأهيلي وطني لمقاولات القطاع، على غرار ما تم مع قطاعات اقتصادية وصناعية أخرى، وأن ينخرط فاعلون آخرون في إنجاز المهمة، مثل القطاع البنكي والفاعلين الاقتصاديين وغيرهم، وتقديم مبادرات قوية وملموسة على هذا المستوى، بالإضافة إلى تفعيل برامج حكومية وازنة تروم دعم تحسين الأوضاع الاجتماعية والمادية للعاملين في القطاع... القطاع يقتضي كذلك تقوية وعي الدولة، أي السلطة السياسية بصفة عامة، بكون هذا الميدان لا يمكن أن يتقدم، فضلا عن البناء المقاولاتي وتجويد الحكامة، إلا بتعزيز مناخ الحرية، ذلك أن ما شهده العالم اليوم من تطورات وانفتاح لم يعد يسمح بأي تضييق على حرية الصحافة، وقد صار ذلك مؤشرا جوهريا في تصنيف الدول، والوعي المشار إليه، يجب أن ينعكس في القوانين والتشريعات، وأيضا في الآليات وفي السلوك اليومي. ثم إن الحركية الديمقراطية والتنموية التي شهدتها بلادنا صارت اليوم تتطلب امتلاك إعلام قوي للدفاع عن صورة المغرب وعن قضاياه الكبرى، وأيضا للإسهام في تقوية هذه الحركية نفسها وتمتين الإصرار الشعبي والمجتمعي على إنجاحها. إن تعزيز حرية الصحافة إذن، وتفعيل مخطط حكومي قوي لتأهيل القطاع والنهوض به، بدعم بنائه المقاولاتي، وتحسين الأوضاع الاجتماعية للعاملين به، ثم امتلاك المغرب لإعلام قوي يعزز صورته ويدافع عن قضاياه، تبقى هي أبرز التحديات المطروحة على قطاع الصحافة والإعلام، وكلها تتطلب اليوم وعيا سياسيا بأهميتها، وانكبابا مستعجلا على خوضها، وسعيا جماعيا من أجل كسب رهاناتها.