تشهد البلاد في السنوات الأخيرة دينامية تنموية واضحة، ومشاريع كبرى ومهيكلة ترى النور هنا وهناك، علاوة على أن الفضاء الاقتصادي الوطني، وأيضا الحياة السياسية يعيشان تحولات جوهرية على غرار باقي العالم، وعلى ضوء كل ذلك يثار سؤال هام يتعلق بدور البحث العلمي والجامعة المغربية في كل هذه الحركية المجتمعية، وفي صنع المستقبل. على المستوى الصناعي مثلا، يعتبر البحث العلمي التطبيقي الذي يساهم في بلورة الحلول لمختلف المشكلات التي تعترض المؤسسات الصناعية والاقتصادية والقطاع برمته، أساسا جوهريا في كل تطور صناعي بالنسبة للدول المتقدمة اليوم، بل إنه بات هو نفسه نشاطا اقتصاديا قائم الذات، وفي بلد مثل المغرب لا يخفى أن البحث العلمي على هذا الصعيد يعد أكثر إلحاحا وأهمية. ولا يتعلق الأمر هنا فقط بقضايا ومجالات ترتبط بالعلوم الدقيقة والبحتة، إنما الأهمية ذاتها تكتسيها العلوم الإنسانية والاجتماعية، والبحث العلمي المتعلق بها. يؤكد اليوم عدد من المختصين أن المغرب تعامل طيلة سنوات مع الجامعة كما لو أنها فقط مراكز لتخريج مدرسين، وليست مشاتل لإنتاج باحثين فاعلين ومتابعين لحركية تطور وتنمية المجتمع والعالم، إضافة إلى ضعف البنيات التحتية والتمويلات والخطط الموجهة لتطوير البحث العلمي، وغياب التحفيز والإشراك الضروريين للباحثين، زد على ذلك عدم استحضار البحث العلمي ومساهمة الباحثين في صنع الاستراتيجيات التنموية والبرامج المجتمعية، كل هذا جسد كون البلاد أدارت ظهرها لجامعتها ولباحثيها، ودفع العديد من الكفاءات الوطنية إلى الهجرة إلى بلدان أخرى. اليوم المغرب في حاجة إلى رد الاعتبار لجامعته ولباحثيه، والارتكاز إلى البحث العلمي في كل مشاريع التخطيط لتقدم البلاد وتنميتها. الأمر هنا لا يتعلق باللجوء إلى مكاتب الدراسات، وهذا الميدان بدوره يحتاج إلى كثير كلام عن طريقة ممارسته في بلادنا، إنما المطلوب، في زمن الحديث عن إصلاح التعليم، فتح ملف الجامعة المغربية وواقعها ودورها والمطلوب منها، وأيضا الانكباب على قضية البحث العلمي وعلاقته بكل مجالات تطور المجتمع. الإصلاحات الكبرى التي يخوضها المغرب تتطلب أيضا إنتاج أفكار جديدة، وبلورة استراتيجيات عميقة وبعيدة المدى، إضافة إلى طرح التوقعات وكذا البدائل، وإيجاد الأجوبة لكل مشاكل التخطيط والتنفيذ ولكل ما قد يبرز من منغلقات، وهنا دور البحث العلمي يكون جوهريا ولا بديل عنه. المطلوب إذن إرادة سياسية للاهتمام بالبحث العلمي أولا، وانتفاضة حقيقية لتأهيل الجامعة المغربية، بنيات وهيكلة ومنظومات وعلائق ومضامين وأهداف، وعدم إغفال الاهتمام بموضوع الطلبة الذين يفدون على الجامعة، وشروط ذلك وحركيتهم ... الجامعة المغربية اليوم والبحث العلمي بالخصوص، مدعوان للتمركز في عمق انشغالات المجتمع، وهذا يسائل الدولة، ولا يخلو أيضا من مسؤولية ذاتية للمختصين والمعنيين بشكل مباشر. المغرب في حاجة إلى الجامعة، ومن الضروري أن يولي وجهه نحوها.