تؤكد مصادر متطابقة في البلدين، أن الزيارة التي يقوم بها الوزير الأول الليبي علي زيدان لبلادنا تمثل محطة لتقوية سعي الرباط وطرابلس من أجل تكثيف التعاون الشامل بينهما. وتعتبر هذه الزيارة، الثانية لمسؤول ليبي كبير، بعد الزيارة التي كان قد قام بها في العام الماضي رئيس الحكومة السابق عبد الرحيم الكيب، دليلا على تغير واضح لدى المسؤولين الليبيين الجدد بخصوص أهمية التعاون مع المملكة. تسجل القيادة الليبية الجديدة للرباط وضوح موقفها من الثورة، ومساندتها الدائمة للشعب الليبي من أجل الحرية والعدالة، كما أن ليبيا الجديدة تتطلع اليوم للاستفادة من تراكمات التجربة الديمقراطية والتنموية المغربية، بغاية إرساء أسس الدولة وتأهيل المؤسسات وإعادة الحياة للدينامية الاقتصادية وتأمين الاستقرار والأمن في المجتمع، وهذا ما جسدته لقاءات علي زيدان في بلادنا ومباحثاته المتعددة. صحيح أن الأوضاع الأمنية والميدانية في ليبيا لا زالت اليوم، برأي الكثير من المتابعين، غير مطمئنة، وهي لا تحفز على الاستثمار مثلا، ولكن التعاطي الايجابي للقيادة الليبية الحالية مع المملكة وتطلعها إلى الاستفادة من خبراتها، يفرضان اليوم على السلطات والفاعلين الاقتصاديين عندنا الاهتمام بهذه السوق التي تبقى واعدة برغم صعوبات المرحلة الانتقالية واكراهاتها. إن قطاع البناء والأشغال العمومية والسكن، وقطاع النقل، البحري والجوي، والتجارة البينية، بالإضافة إلى قطاعي الفلاحة والصيد البحري، وأيضا قطاع التعليم والتكوين المهني والتشغيل، كلها مجالات يمكن من خلالها تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين ومقاولاتهما، علاوة على التعاون الثنائي في مجالات تأهيل قوات الأمن، وتدريب الكوادر الإدارية، وأيضا إنجاح مسلسل الحوار السياسي الداخلي بين الفرقاء، أي أن المملكة بإمكانها اليوم مرافقة القيادة الليبية الجديدة لتمتين مقومات الدولة الحديثة الآمنة والمستقرة، ومواكبة مسلسلات الإصلاح فيها. ليبيا اليوم تعيش مرحلة حاسمة في مسلسلها الانتقالي، وطبيعة هذه المرحلة هي التي تفسر كل ما يحدث هناك من اختلالات وتجليات قصور، وإذا استحضرنا مميزات السياق الإقليمي، وأيضا مآلات الانتفاضات الشعبية في بعض بلدن الجوار، فان المهمة اليوم تكمن في ضرورة تشجيع الأوضاع على الاستقرار في ليبيا، وجعل الصوت الأعلى هو صوت المعتدلين والتيارات الوطنية الواقعية بلا تطرف أو سلاح، وآنذاك يمكن للبلد أن يستعيد هدوءه واستقراره، ويتاح للعقلاء من أبنائه الانكباب على تحقيق مطالب شعبهم من أجل الأمن والاستقرار والعدالة والتقدم والازدهار. إنه تحدي جوهري واستراتيجي لليبيا ولكامل المنطقة، ولهذا فهو يستحق أن يساهم في إنجاحه أصدقاء الشعب الليبي، وضمنهم المملكة المغربية التي تتوفر على كثير أشياء يمكن أن تفيد ليبيا في هذه المرحلة الحساسة من مسارها الديمقراطي والتنموي. ويتوقع المراقبون أن تشكل زيارة الوزير الأول الليبي لبلادنا فرصة لتقوية التعاون السياسي والاقتصادي والأمني والاستراتيجي بين الرباط وطرابلس، وتحفيز الفاعلين الاقتصاديين في البلدين على بلورة وإنجاح شراكات ثنائية ومتعددة ومربحة للطرفين.