الزيارة التي يقوم بها إلى بلادنا وفد رسمي ليبي رفيع يترأسه رئيس الوزراء الليبي عبد الرحيم الكيب، دفعت عددا من المحللين والديبلوماسيين إلى ترجيح إقدام البلدين على فتح صفحة جديدة في علاقاتهما الثنائية، خصوصا على الصعيدين الاقتصادي والتجاري. معلوم أن المملكة كانت تميزت بمواقفها السياسية والعملية الواضحة من الثورة الليبية، حيث لم تخف تأييدها ودعمها لها، كما لم يتردد وقتها وزير الخارجية والتعاون المغربي في زيارة ليبيا واللقاء بمسؤولي المجلس الوطني الانتقالي، ثم استقبال جرحى الثورة للعلاج، ومنذ استقرار السلطة السياسية الليبية الجديدة برز كثير من التقارب السياسي بين الرباط وطرابلس، وتم تعزيزه بالتغييرات التي حدثت أيضا في تونس، وجودة العلاقات المغربية التونسية، ما أنتج، بالتالي، دينامية مغاربية بدأت تبرز في الأفق، برغم استمرار بعض العراقيل والمحبطات. إن هذه الأجواء الإيجابية، خصوصا في العلاقات بين البلدين، هي التي تؤسس اليوم لإرادة الرباط وطرابلس في تمتين التعاون الاقتصادي بينهما، وتسهيل تنقل الأشخاص والسلع والرساميل والاستثمارات، وذلك بما يخدم مصالح الشعبين، ومستقبل المنطقة المغاربية. الحضور الاقتصادي والاستثماري الليبي في المملكة يتوزع على قطاعات البناء والعقار، السياحة والفنادق، توزيع الوقود والطاقة، وهي استثمارات موجودة فعلا على الأرض، وسينكب الوفد الليبي في مباحثاته مع المسؤولين المغاربة على تدقيق هويتها القانونية الحالية، ووضعياتها الميدانية، بالإضافة إلى بلورة منظومات تدبيرية وإجرائية لتطويرها، وأيضا تعزيز الاستثمار الليبي وتنويعه. من جهة ثانية، يتطلع كثير من المغاربة إلى تسوية مشاكل عودة العمال المغاربة الفارين من الحرب، واستعادة حقوقهم في ليبيا الجديدة، وإعادة جمع شمل أسرهم، بالإضافة إلى إيجاد حلول عملية لمشاكل التأشيرة والتنقل بين البلدين. إن المواقف المبدئية والحكيمة التي عبر عنها المغرب خلال الثورة الليبية، وعلاقات التقارب بين المغاربة والليبيين، تشجع اليوم على التأسيس لمرحلة جديدة في علاقات البلدين، تكون مبنية على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعلى تعاون شامل في المجالات الأمنية والسياسية والإستراتيجية، وأيضا في المجالات الاقتصادية والتجارية والتنموية، وبما يستثمر إمكانات كل بلد ونقاط القوة لديه للمصلحة المشتركة. وبقدر ما أن إعادة الحياة للمشاريع الليبية الموجودة في المغرب (السياحة والفنادق والوقود والطاقة والعقار)، ستساهم في ضخ نفس جديد في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وستفتح الطريق لتقوية هذه الاستثمارات مستقبلا، فإن الموقع الجغرافي والاستراتيجي للمملكة واستقرارها الأمني والسياسي، ومحفزات مناخ الأعمال فيها، ورصيد علاقاتها الدولية، بإمكانها كلها أن تفيد تطلع ليبيا الجديدة، وحاجتها إلى الانفتاح والارتباط مع الأسواق الإقليمية والعالمية، ومع المجتمع الدولي. من دون شك، إن السلطات الليبية الجديدة تستحضر كل هذه الحيثيات، ووحدها تركيبة الوفد الذي وصل إلى بلادنا، ورئاسته تؤكد ذلك، ما يجعل الكثيرين متفائلين لمستقبل علاقات الرباط وطرابلس. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته