تشكل «المصداقية» الخيط الناظم، والكلمة/العنوان التي يمكن أن تلخص مضمون مداخلة الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أمام طلبة المعهد العالي للإدارة بالرباط لدى استضافته للحديث عن «حكامة الأحزاب». تتجلى المصداقية المتحدث عنها هنا في ضرورة انطلاق الجميع من الاقتناع باستحالة وجود الديمقراطية من دون أحزاب، ومن ثم، فالإصرار على إضعافها أو إظهارها أمام الشعب في موقف العاجز عن التدبير والمفتقد للكفاءات ليس في مصلحة الديمقراطية. وتعني المصداقية أيضا أهمية امتلاك الأحزاب لاستقلالية القرار، سواء في المواقف المعبر عنها أو في تحالفاتها وممارساتها السياسية، أي أن تكون حرة في تموقعاتها واختياراتها، وحتى في ارتكاب... الأخطاء. الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية لم يصرح بهذا الكلام لأول مرة، فقد سبق أن قاله مرات عديدة، وخصوصا منذ انتخابات 2011، كما أن آخرين (سياسيين وإعلاميين وباحثين) سبق أن قالوا الكلام نفسه، ومن غير المفهوم اليوم لماذا عندما يتم التذكير بحاجة البلاد إلى أحزاب ذات قرار مستقل يصاب البعض ب «العصبية»، ويكون ك «مول الفز كيقفز». إن أي متابع بسيط لشأننا الحزبي والسياسي يعجز أحيانا عن تفسير مواقف بعض الأحزاب، وتقلبات مواقفها ب 180 درجة، ولا يجد من معنى لذلك سوى وجود «وحي يوحى»، وفي الساحة كثير أمثلة لكل ذي بصيرة. وفي السياق نفسه، فإن عديد اختلالات مشهدنا الحزبي والسياسي مردها افتقار بعض الأحزاب لاستقلالية قرارها، وضعف التعبير عن القناعات الحقيقية بلا أي تدخل من هنا أو هناك، فضلا على أن بروز هوى التحكم والهيمنة في الحياة الحزبية والسياسية خلال فترة معينة ساهم أيضا في خلق تجليات هشاشة وابتذال، ما جعلنا اليوم نتفرج على النتائج بكثير من الشفقة والخشية على بلادنا. في كل الدنيا، والمغرب ليس استثناء، لا تستقيم الديمقراطية إلا بوجود أحزاب قوية وموحدة وذات إمكانات ومصداقية وتاريخ واستقلالية قرار، وفي كل الدنيا أيضا لا تدوم إلا الأحزاب التي أنجبها المجتمع بشكل طبيعي وامتلكت تاريخها ومرجعيتها، وفي كل الدنيا ثالثا لا يمكن أن نضمن النجاح الدائم لحزب أنشئ على عجل ومن دون امتداد مجتمعي منطقي، حتى ولو وفرنا له خزائن الدنيا برمتها، وبالتالي، فالمسار الديمقراطي سيتقوى ويتقدم فقط بالأحزاب الجدية ذات الأصل والمصداقية والقرار المستقل. أما عند القول بتدخلات أو ضغوط وقعت خلال انتخابات 2011، فهذا أيضا تم نشره والتصريح به في حينه بكل أسماء الدنيا، وبالدليل والحجة، ومن لم يرد اليوم تذكره فهو حر، كما أن من لم يرد النظر إلى حجم التحديات المطروحة على البلاد، تنمويا وسياسيا وفي تطورات قضيته الوطنية، فهذا أيضا شغله لوحده، لكن الغيورين على البلاد وشعبها ومستقبلها ينبهون إلى أننا في حاجة إلى ... المصداقية، وبأن هذه المصداقية هي بالضبط التي ستمكننا من كسب كل الرهانات الوطنية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته