نظرة متأملة إلى زعماء الأحزاب الكبيرة بالمغرب، توضح لك، بما لا يفيد الشك، أن الواقع السياسي المغربي مضحك لدرجة أنه يليق بمهرجان للسيرك، فبعد أن جاد علينا الربيع الديمقراطي برئيس حكومة جعل من البرلمان منصة لكلام "السوق" على شاكلة لي "فيه الفز كيقفز"، وبعد أن أطاحت الانتخابات بعائلة الفاسي داخل حزب الاستقلال ليأتي زعيم استقلالي جديد أكبر هواياته المفضلة هي خلق الحروب الضيقة، أتى الدور هذه المرة على حزب لطالما نظر إليه المغاربة في سنوات خلت بالمناضل والمعارض من أجل دولة تسود فيها الديمقراطية شكلا ومضمونا.. الواقع أن نتيجة الانتخابات الأخيرة داخل حزب الإتحاد الاشتراكي تبقى عادية ومقبولة، فانتخاب إدريس لشكر كاتبا عاما جديدا للحزب كان أمرا منتظرا لأن حزب عبد الرحيم بوعبيد مات سريريا منذ زمن، وكنا ننتظر فقط أن تطلق عليه رصاصة الرحمة لنتأكد من هذا الوفاة البشعة، وإدريس لشكر بتناقضاته وشعبويته وكلامه الثقيل أحيانا، مثال حي لما صار إليه الإتحاد الاشتراكي منذ دخوله في حكومة التناوب ثم رحيل اليوسفي عن زعامته، ليتحول إلى مجرد ديكور أثث حكومة إدريس جطو وعباس الفاسي، وها هو يؤثث المعارضة داخل حكومة عبد الإله بنيكران.. ولكي لا نظلم لشكر، فلا أحد من المرشحين أصلا كان يستحق أن ينجح في هذا المنصب، لأن فتح الله ولعلو كان يعد بنظام اقتصادي سينقذ المغرب من براثن التخلف إن استلم وزارة المالية، ولما استلمها شرع في بيع وخوصصة مؤسسات الدولة ليزداد المغرب توغلا في حفرة التخلف، والحبيب المالكي ليس بتلك الشخصية القوية التي قد تقود سفينة حزبية كالإتحاد الاشتراكي، وأحمد الزايدي ربما قد لا يعرفه أحد خارج الحزب ولا مواقف قوية تحسب له، وبالتالي ف"كلشي ولاد عبد الواحد واحد"، ورجالات الإتحاد الاشتراكي عليهم أن يتوقفوا عن ممارسة السياسة لزمن معين ويقفوا مع أنفسهم ويتساءلوا هل هم فعلا داخل الحزب الذي شكل حجرة عثرة أمام النظام طوال سنوات.. ما يشترك فيه حزبا العدالة والتنمية والإتحاد الاشتراكي، هو أنهما يضيعان مرجعيتهما بشكل تدريجي، فحزب المصباح لم يعد حزبا إسلاميا إلا فيما يتعلق بالهوية المغربية حيث يرى أن إسلامية الدولة تبقى فوق كل اعتبار حتى ولو لم تكن هناك إسلامية سوى فيما يتعلق بإمارة المؤمنين، وحيث يصنع بعض الحروب الجدلية دون أن يستطيع ترجمتها إلى مواقف ومهرجان موازين خير مثال على هذا التناقض، أما الإتحاد فقد فرط في مبادئه الاشتراكية منذ أن قبل الدخول في حكومة التناوب ولو كان هذا بحسن نية عبر عنها عبد الرحمن اليوسفي وتفهمها المتعاطفون بأنها مبادرة لإنقاذ البلد من الأزمة السياسية، غير أن اليوسفي لم يكن يعلم أن من يتنازل عن جزء من جسده قد يتنازل عن باقي الأجزاء، ليتحول الحزب إلى عدو لنفسه ولأصدقائه ولمعارضيه: عدو لنفسه عندما نسي مرجعيته التأسيسية، عدو لأصدقائه اليساريين الذين يتهمونه بالمخزنة، وعدو للمعارضين ممن يرون أنه حزب الخطابات الشفوية لا أقل ولا أكثر. أما حزب الاستقلال، فقد خنق نفسه بنفسه منذ سنوات طويلة، وصار عبارة عن تنظيم يجمع الكثير الأعيان والمتملقين والعائلات الثرية والقليل من المناضلين الحقيقيين، فلم يعد عجبا أن تسمع عن رجل أعمال دخل في دائرة هذا الحزب لمجرد أن لديه شعبية ستجلب أصواتا في الدائرة، ولم يعد غريبا أن يصير الانتساب للحزب مفتوحا في وجه كل من هب ودب حتى من لا سمعة له ولا نصيب، لذلك، فوجود شخص مثل شباط على رأسه وهو الذي تحول إلى عفريت حقيقي بفاس لا يستطيع أن ينازعه فيها أحد في مشهد شبيه بأفلام المافيا الإيطالية، يبقى شيئا عاديا ومنتظرا من حزب علال الفاسي، الحزب الذي ناضل من أجل استقلال المغرب في الخمسينيات، وصار أعضاءه حاليا يتهمون المناضلين في الحراك الاجتماعي بأنهم خارج التاريخ ولا يعرفون مصلحة البلاد. لذلك، فالأحزاب الثلاثة عليها أن تدرك جيدا أين وصل مسارها، لأن موقعها ومكانتها في النسيج السياسي المغربي سواء بتاريخها أو بحجم المتعاطفين معها، يحتم عليها أن تشتغل بوضوح أكثر ومصداقية أحسن، وليس انتخاب من يريدون أن يجعلوا منها أحزاب سيرك لا تفيد سوى في خلق الفرجة.. [email protected]