كشف محمد الطائع، في كتابه "عبد الرحمان اليوسفي والتناوب المجهض"، الذي تنفرد جريدة "المساء" بنشر مقاطع منه، عن تفاصيل تذكر لأول مرة حول ملابسات الاستقالة التاريخية للزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي من الحزب والسياسة سنة 2003 عقب فشل التناوب التوافقي. اليوسفي حسب الكاتب الذي استند على معلومات استقاها من مصادر من ضمنها عبد الرحمان اليوسفي نفسه، يوضح لماذا لم يعتزل وريث عبد الرحيم بوعبيد السياسة والإعلام مباشرة بعد رفض رفاقه قراره بعدم المشاركة في حكومة إدريس جطو، وكيف يشعر اليوم بالندم على ذلك. تأثنيث القيادة يقول الصحافي محمد الطائع: "لكن اليوسفي تمسك بالأمل ورسم خطة عمل بخطين متوازيين تمتد إلى سنتين، كان يأمل بمقتضاها أن تصحح الأخطاء المؤثرة سلبا على عملية الانتقال الديمقراطي. خطة عمل تبدأ بالانتخابات الجماعية، حيث كان ينتظر أن يحصل حزب الاتحاد الاشتراكي على عدد منصف من رئاسات الجماعات، أبرزها عمادة الدارالبيضاء، ومجموعة من المجالس البلدية والقروية، مشددا على مدينة الدارالبيضاء لما تمثله من رمزية وقوة، والتي كان يرغب في أن تؤول إلى شخص خالد عليوة، في إطار اتفاق بين مكونات الأغلبية الحكومية وبالتزام من إدريس جطو (الوزر الأول آنذاك)، وكذا التحضير للمؤتمر الوطني السابع للحزب في سنة 2005 وهي المحطة التي كان اليوسفي يعتزم أن لا يترشح فيها لمنصب الكاتب الأول للحزب، ولا لأي مسؤولية حزبية، كما كان مصمما على الإشراف على تحضير المؤتمر وإنجاحه وإعطاء انطلاقة جديدة للحزب عبر مجموعة من المبادرات كان يعدها على نار هادئة ويخطها في مفكرته، كان أبرزها عملية تحديث شامل للحزب، وتأنيث منصب نائب الكاتب الأول وتشبيب القيادة الحزبية وغيرها من المبادرات الرامية إلى استنهاض الحزب". غير أن خطة اليوسفي فشلت بسبب المقاومة التي واجهها داخل حزبه من قبل محمد اليازغي وأتباعه آنذاك وعلى رأسهم إدريس لشكر، كما يشرح الكاتب، محملا إياهم في تقييمه لهذه التجربة مسؤولية كبيرة في المساهمة في إفشالها عبر إضعاف قائدها عبد الرحمان اليوسفي وعزله داخل حزبه. مع أن مكر التاريخ سيجعل إدريس لشكر، نفسه، يشارك في إقالة محمد اليازغي من منصبه كاتبا أول للحزب احتجاجا على تدبيره لمشاركة الحزب في حكومة عباس الفاسي، سنة 2007. لتندلع أزمة داخل الحزب ألقت بظلالها على استقرار حكومة عباس الفاسي، حتى أن الملك محمد السادس اضطر سنة 2008 ليتصل بعبد الرحمان اليوسفي على الهاتف مرتين ويطلب منه التدخل لحل تلك الأزمة، دون أن يتراجع اليوسفي عن قراره اعتزال السياسة معتذرا بأدب على ملتمس الملك. اليازغي مع ساجد ضد عليوة نكاية في اليوسفي يعيد كتاب "عبد الرحمان اليوسفي والتناوب المجهض" سرد بعض وقائع تلك الفترة فيقول كاتبه: "صدمة اليوسفي كانت كبيرة جدا جراء الحملة الشرسة التي قادها ضده نائبه محمد اليازغي وجماعته يتقدمهم إدريس لشكر ومحمد بوبكري وآخرون، إلى درجة أن توجيهات اليازغي دفعت بعض حزبيي الدارالبيضاء إلى إفشال كل تحالفات الحزب ونسف خططه للتصويت ضد خالد عليوة لفائدة محمد ساجد، المدعوم بأحزاب اليمين والمتمتع بنفوذ فؤاد عالي الهمة، كاتب الدولة في الداخلية آنذاك". هذه اللحظة بالذات كان وثقها خالد عليوة بجملة مثيرة عنون بها إحدى افتتاحيات جريدة "الاتحاد الأسبوعي" التي كان يديرها آنذاك، متحدثا عمن أسماه "الساجد لأوامر غيره عالي الهمة في شراء الذمم". مع العلم أن محمد ساجد نفسه كشف سنوات بعد ذلك لجريدة "أخبار اليوم المغربية" أن ترشيحه للتنافس على رئاسة مجلس مدينة الدارالبيضاء، إنما كان باقتراح من إدريس جطو. مشروع استعادة الحزب في مؤتمره السابع لسنة 2005 ودعم عليوة ليتمكن من رئاسة مجلس مدينة الدارالبيضاء، كانا السبب الرئيسي الذي دفع عبد الرحمان اليوسفي، كما يكشف الكتاب، إلى عدم الاستقالة من الحزب مباشرة بعد رفض رفاقه في المكتب السياسي (باستثناء الحبيب الشرقاوي) قراره بعدم المشاركة في حكومة إدريس جطو سنة 2002 بعد "الخروج عن المنهجية الديمقراطية". فشل هذين المشروعين بسبب المقاومة الداخلية التي واجهت حاملهما يجعله اليوم يقول محمد الطائع: "لا يخفي ندمه الشديد على عدم إشهار استقالته، مباشرة بعد تعيين إدريس جطو والانقلاب على المنهجية الديمقراطية، مهما كانت التكلفة السياسية لذلك". إدريس البصري في ضيافة الأموي لإهانة اليوسفي يعود الكاتب ليحمل جزء مهما من المسؤولية عن فشل تجربة التناوب التوافقي لفريق آخر من ذوي قربى اليوسفي الذين حاربوه في حزبه إلى أن انشقوا عنه سنة 2001 تاركينه في موقع ضعيف في مواجه خصوم الحزب والتناوب من جهة وخصومه داخل الحزب. للاستدلال على هذه القراءة للأحداث يذكر محمد الطائع كيف كان محمد نوبير الأموي يحارب اليوسفي وهو في نفس الوقت صديق لإدريس البصري الذي لم يدخر جهدا لإرباك حكومة التناوب. يقول الكاتب في هذا الصدد: "هجوم الأموي على اليوسفي سيتجاوز كل الحدود عندما رفض تلاوة كلمة اليوسفي في المؤتمر الوطني لنقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، فيما خص استقبالا حاشدا لصديقه إدريس البصري، الذي كان "نجم" ضيوف المؤتمر النقابي في سابقة هي الأولى من نوعها في المغرب". المؤتمر الذي يتحدث عنه الكاتب هو آخر مؤتمر في تاريخ هذه النقابة إلى اليوم، إذ لم يعقد الأموي بعده أي مؤتمر للكنفدرالية الديمقراطية للشغل، والتي يستمر في زعامتها منذ تأسيسها سنة 1979، ساريا بذلك على خطى المحجوب بن الصديق الذي قضى 55 سنة على رأس الاتحاد المغربي للشغل. كما يذكر الكاتب بالخرجات الإعلامية لكل من محمد الساسي وخالد السفياني ومحمد الفقيه البصري، ضد عبد الرحمان اليوسفي بالذات وحكومته. يقول الكاتب: "بينما كان السي عبد الرحمان يتصارع في المربع الحاسم للسلطة، استحلى ثلة من رفاقه "المعول عليهم" هواية التصريحات الإعلامية التي كان لها بالغ الأثر في تخريب الحزب والتشويش على التجربة. هكذا تحول محمد الساسي حتى قبل "تفويت" أسبوعية "الصحيفة" إلى رفاقه، إلى "ظاهرة إعلامية" دون انتباه إلى أنه اقترف خطأ قاتلا يفضح قصوره السياسي والاستراتيجي، بعدما "سكب" تنظيما مهيكلا بكامل مقوماته في "اللا تنظيم". إلى جانب الساسي تخندق أيضا الفقيه البصري وخالد السفياني ونوبير الأموي في خندق خصوم اليوسفي".
السفياني يتهم اليوسفي بالتآمر على فلسطين! للدلالة على حدة الحرب الإعلامية التي شنها هؤلاء على اليوسفي، يورد محمد الطائع تصريحا لخالد السفياني، الذي كان حينها قياديا في ما عرف بتيار الوفاء للديمقراطية، ذهب فيه إلى حد اتهام عبد الرحمان اليوسفي ب"التآمر على القضية الفسلطينية"! يقول الكاتب مستغربا: "في إحدى تصريحاته لأسبوعية "كازابلانكا" لم يتردد السفياني في القول "اليوسفي أقسم أن يشتت الاتحاد الاشتراكي وأن يعصف بالشبيبة الاتحادية وأن يهلك الكنفدرالية الديمقراطية للشغل وأن يسعى إلى إيقاف الفورة الجماهيرية الداعية لنضال الشعب الفلسطيني وأن ينهي الكتلة والمناضلين إلى حزب إداري ممخزن وأن يحاول تقويض كل ما هو جميل في هذا البلد". يتجاوز الكاتب ما يعتبره آخرون أخطاء ارتكبها عبد الرحمان اليوسفي، ولا يذكر مؤاخذات مشهورة على الزعيم التاريخي للحزب وأحد مؤسسيه ومؤسسي جيش التحرير، مثل قوله "أرض الله واسعة" في وجه معارضيه. لكن حروب ذوي القربي على اليوسفي تستوقف الكاتب إلى حد أنه يتستنج أنها خدمت موضوعيا مصالح من وصفهم اليوسفي ب"جيوب المقاومة"، مذكرا في فقرة سابقة من الكتاب بأن نجيب أقصبي، الذي كان بدوره قياديا في الوفاء للديمقراطية نفى في تصريح لأسبوعية "المستقل" وجود "جيوب للمقاومة" أصلا. ثم يستغرب الكتاب في تقييمه لاختيارات الساسي والأموي فشلهم في العمل المشترك بعد انشقاقهم عن الحزب الذي كان يقوده اليوسفي. يقول الطائع في هذا السياق: "ترك الاتحاديون كاتبهم الأول يحترق وحيدا في تجربة التناوب وسعى الجميع إلى تحميله مسؤولية فشل تجربة التناوب وإجهاضها وتفجير الحزب، بينما العكس هو الصحيح. بقدر ما فشل الفقيه البصري والسفياني والساسي والأموي في خلق بديل حزبي، نجحوا بالمقابل في الاتفاق على الهجوم على اليوسفي، وهي مرارة لم تفارق اليوسفي إلى اليوم. كما تحسر اليوسفي كثيرا على الدور السلبي للنخبة وقوى التغيير التي لم تسانده في معاركه".