تشهد اجتماعات قمة العشرين التي تستضفيفها سان بطرسبورغ الروسية مشاورات مكثفة حول سوريا، وسط تأكيدات من جانب دبلوماسيين في الأممالمتحدة أن الزعماء المشاركين سيبذلون قصارى جهدهم لتسريع انعقاد مؤتمر «جنيف 2» لإرساء السلام في سوريا، وذلك رغم الاستعدادات العسكرية الجارية بقيادة الولاياتالمتحدة لتوجيه ضربة لدمشق. ويتوجه الموفد الخاص للجامعة العربية والأممالمتحدة الأخضر الإبراهيمي إلى روسيا لمساعدة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في جهوده من أجل عقد هذا المؤتمر، حسبما أفاد متحدث باسم المنظمة الدولية. ويعد مؤتمر جنيف-2، الذي تحاول الأسرة الدولية منذ أشهر عديدة عقده لإيجاد حل سلمي للحرب الأهلية في سوريا، استكمالاً لمؤتمر سابق عقد في جنيف في 30 يونيو 2012، وأثمر يومها اتفاقاً دولياً على خريطة طريق لعملية سياسية انتقالية في هذا البلد. وقال سفير أستراليا لدى الأممالمتحدة غاري كوينلان إنه حتى وإن كان الخلاف ما يزال قائماً بين روسيا والغرب بشأن الضربة العسكرية التي تعتزم واشنطن توجيهها لسوريا عقاباً على استخدام غاز السارين في قصف غوطة دمشق يوم 21 أغسطس مما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص، ثلثهم من الأطفال بحسب واشنطن، فإن أعضاء مجلس الأمن متفقون على أنه «مازال عقد جنيف 2 أمراً ضرورياً وملحاً». وجاءت تصريحات كوينلان، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي لشهر سبتمبر، في معرض إيجازه للصحفيين فحوى جلسة المداولات السرية التي عقدها المجلس الأربعاء. وكانت لندن أعلنت الثلاثاء أن رئيس وزرائها ديفيد كاميرون سيؤكد للرئيس الروسي فلاديمير بوتن في سان بطرسبورغ على هذه النقطة. وأكد دبلوماسي غربي أنه «سيكون هناك الكثير من المشاورات في سان بطرسبورغ لمحاولة التوصل إلى موعد لعقد جنيف-2»، مشيراً إلى أن هذا الموعد قد يكون في أكتوبر، وقد يتم الإعلان عنه قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنطلق أعمالها في 24 سبتمبر في نيويورك. وقال دبلوماسي آخر في مجلس الأمن إنه «من المهم تحديد موعد لكن هذا الأمر يبدو صعباً في هذه المرحلة لأنه منذ وقت طويل لم يجر العمل على هذا الموضوع»، موضحاً أنه «على الرغم من أن الأميركيين والروس لم يعلنوا أبداً رسمياً تخليهم عن جنيف-2، إلا أنهم جمدوا مفاوضاتهم حول المؤتمر». وقدم مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، جيفري فيلتمان، الأربعاء، إحاطة لمجلس الأمن حول الزيارة التي قام بها الأسبوع الماضي إلى إيران حيث «كان موضوع البحث في المقام الأول سوريا وجنيف-2»، بحسب السفير الأسترالي. ويفترض أن يجمع مؤتمر جنيف-2، الذي ترعاه الولاياتالمتحدةوروسيا، ممثلين عن كل من الحكومة السورية والمعارضة من أجل الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية مؤقتة تتولى السلطة لقيادة المرحلة الانتقالية وإنهاء نزاع مستمر منذ عامين ونصف العام حصد حتى الآن أكثر من 110 آلاف قتيل. وكان مقرراً أصلاً ان يعقد جنيف-2 في يونيو الماضي، إلا أنه تم إرجاؤه المرة تلو الأخرى بسبب خلافات حول مشاركة إيران فيه وكذلك حول دور الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية. وفي حين تطالب المعارضة السورية مدعومة من الغرب بنقل كل الصلاحيات التنفيذية التي يمسك بها الأسد حالياً، إلى الحكومة الانتقالية فإن دمشق ترفض ذلك مدعومة من موسكو. كذلك تطالب روسيا بأن يسمح لإيران، التي على غرارها تدعم الأسد، بالمشاركة في جنيف-2، وهو ما ترفضه واشنطن قطعياً. ورغم أن الروس والأميركيين عقدوا جلسات تفاوضية عديدة لحل هذه الخلافات، فإن محاولاتهم كلها باءت بالفشل. ففي منتصف غشت اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف أن مؤتمر جنيف-2 لا يمكن أن يعقد قبل أكتوبر. وقد تزيد الضربة العسكرية، التي تعتزم واشنطن وحلفاؤها توجيهها إلى سوريا الأمور تعقيداً. فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاثنين أن الضربة العسكرية، إن حصلت، فهي سوف «ترجئ المؤتمر إلى وقت بعيد، إن لم يكن إلى الأبد». غير أن باريس تعتقد عكس ذلك، فقد أكد رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك إيرولت، الأربعاء، أمام البرلمان الفرنسي على ضرورة القيام بعمل عسكري دولي ضد سوريا، وقال «نعم.. الحل للأزمة السورية سيكون سياسياً وليس عسكرياً. ولكن علينا مواجهة الواقع: إذا لم نضع حداً لمثل هذه التصرفات من قبل النظام السوري، لن يكون هناك حل سياسي». لجنة «الشيوخ» الخارجية: نعم لضرب سوريا صوتت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، الأربعاء، لصالح مشروع قرار يسمح بشن ضربات عسكرية في سوريا، ب 10 أصوات مؤيدة مقابل 7 معارضة، في حين قال وزير الخارجية جون كيري إن 10 دول على الأقل تعهدت بالمشاركة في الضربات. ويعتبرهذا التصويت مرحلة لا غنى عنها قبل أن يبحث مجلس الشيوخ في الجلسة العامة التي سيعقدها الأسبوع المقبل الإذن الذي يطلبه الرئيس باراك أوباما للقيام بتحرك عسكري ضد سوريا ردا على هجمات بأسلحة كيماوية. وأرجىء اجتماع للجنة كان مقررا في الأساس في الساعة الثالثة والنصف بتوقيت غرينيتش، إلى السادسة، كما أعلن رئيسها الديمقراطي روبرت مينندز، بما يتيح لأعضاء مجلس الشيوخ الاتفاق على الصياغة الدقيقة لمشروع القرار. وينص مشروع القرار على السماح بشن ضربات طيلة فترة 60 يوما قابلة لتصبح 90 يوما، وعلى منع نشر قوات على الأرض. لكن السناتور الجمهوري المؤيد للتدخل جون ماكين يطالب بإضافة بند يؤكد أن الاستراتيجية الأميركية ترمي إلى «قلب الديناميكية في ساحة المعركة». وأعلن ماكين بعد جلسة مغلقة مطولة مع وزير الخارجية جون كيري أن «الرئيس أوباما قال إنه يتعين على بشار الأسد أن يغادر السلطة، وبالتالي فإن استراتيجيتنا يجب أن تكون في تطبيق ما قاله الرئيس». وشارك كيري أيضا الأربعاء في جلسة عامة في مجلس النواب حيث ينوي عدد كبير من النواب التصويت ضد استخدام القوة. وقال كيري إن 10 دول على الأقل تعهدت بالمشاركة في التدخل العسكري الأميريكي المتوقع في سوريا، لكنه لم يسمها ولم يذكر ما الأدوار التي قد تقوم بها. يذكر أن فرنسا وتركيا هما أبرز القوى العسكرية التي تقف إلى جانب القرار الأميركي. وتابع: «في الوقت الذي نتناقش فيه، فإن العالم ينظر إلينا، والعالم لا يتساءل عما إذا كان الأسد قام بذلك، لأنه واقع مثبت، لكن العالم يتساءل عما إذا كانت الولاياتالمتحدة الأميركية ستوافق بصمتها على عدم التدخل تاركة هذا النوع من الأعمال الوحشية يحدث دون عواقب». وأشاد البيت الأبيض بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، على «موافقتها السريعة» على استخدام القوة العسكرية في سوريا. وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض في بيان: «نحن نشيد بمجلس الشيوخ على سرعة تحركه وتجاوزه الانتماءات الحزبية من أجل أمننا القومي».