طقوس وعادات تراثية فلسطينية يسعى الفلسطينيون مع حلول شهر رمضان من كل عام أن يحافظوا على العديد من الطقوس الرمضانية التي ترمز لذلك الشهر مثل فتح معظم «التكايا» في الأراضي الفلسطينية أبوابها طيلة شهر رمضان لتوزيع الغذاء على الفقراء والمحتاجين والسائلين. والمسحراتي الفلسطيني الذي توارث تلك العادة الرمضانية المشهورة في فلسطين حيث يطوف الحارات والشوارع في بعض القرى والمخيمات والبلدات الفلسطينية قبل ساعات الفجر لإيقاظ المواطنين من أجل تناول وجبة السحور. كما تتزين مدينة القدس وخاصة البلدة القديمة منها وأزقتها بفوانيس رمضان التي ارتبط اسمها بحلول الشهر الفضيل... «تكايا» لتوزيع الغذاء على الفقراء والمحتاجين وفي حين تستمد «التكايا» مواد تموينها من أصحاب الخير والميسورين والمتبرعين والمحسنين، تشهد أبواب «التكايا» سواء كانت في القدس أو في الخليل أو في غيرها من المدن الفلسطينية توافد الفقراء والمحتاجين للحصول على وجبة إفطارهم من تلك «التكايا» التي تعود في معظمها الى العصر العثماني. وفيما ترمز كلمة «تكية» إلى مكان يقدم الطعام للفقراء وخاصة في شهر رمضان الكريم إلا أن أصل تلك الكلمة ما زال غامضا وفيه اجتهادات؛ فبعضها يرجعها إلى الفعل العربي وكأ واتكأ؛ بمعنى: استند أو اعتمد، وأخرى تعتبر التكية هي الكلمة التركية المسايرة للخانقاه وللزاوية؛ ولذلك فإن البحث عن «التكايا» في فلسطين يتناول الخوانق والزوايا التي أسسها العثمانيون فيها وأطلقوا عليها اسم «تكايا»؛ وكذلك الزوايا التي غلب عليها اسم «تكايا» في العصر العثماني مع أنها أنشئت قبل ذلك العصر. و»التكية» أصبحت في المعنى الأكثر شيوعاً منشأة لتقديم الوجبات الشعبية المجانية للفقراء والمجاورين للمساجد، ولمن يقومون على خدمة المساجد. ومن «التكايا» الشهيرة في فلسطين، تكية خاصكي سلطان في القدس وتكية سيدنا إبراهيم عليه السلام في الخليل التي ما تزال مقصدا للفقراء والمحتاجين منذ أن أسسها القائد الفاتح صلاح الدين الأيوبي لإطعام الجيوش والقادمين إلى المدينة والتي تقدم الطعام للمحتاجين على مدار الأسبوع، وكذلك تكية فاطمة خاتون ابنة محمد بك وحفيدة السلطان قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك، وزوجة لالا مصطفى باشا من رجالات العثمانيين، التي بنت في جنين جامع جنين الكبير، وأقامت «تكية» بجواره تقدم الطعام والمأوى للأغراب والمسافرين والمعتكفين، وذلك إضافة إلى تكية نابلس التي تواصل للعام الثاني على التوالي عملها الخيري لإطعام المئات من الصائمين المستورين ومن تقطعت بهم السبل خلال شهر رمضان المبارك بإشراف مباشر من لجنه زكاة نابلس الخيرية وبالتعاون مع عدد من المؤسسات على رأسها محافظة نابلس. ووفق الشيخ محمد سامح طبيلة رئيس لجنة زكاة نابلس الخيرية، فإن التكية بدأت العام الماضي لأول مرة بنابلس، وتواصل مسيرة تقديم الطعام للفقراء للعام الثاني على التوالي، مشيرا إلى أن التكية بدأت مع بداية شهر رمضان المبارك بتوزيع 500 وجبة يوميا وارتفع العدد إلى 800 وجبة، منوها إلى السعي لزيادة عدد الوجبات إلى 1500 وجبة يوميا مع انتهاء شهر رمضان المبارك الجاري، مؤكدا أن هذه التكية ستفتح أبوابها أيضا يومين في الأسبوع ما بعد شهر رمضان المبارك. المسحراتي الفلسطيني يطوف الحارات وعلى وقع التكايا وما تقدمه من طعام للمحتاجين وغيرهم يحرص المسحراتي الفلسطيني على توارث تلك العادة الرمضانية المشهورة في فلسطين حيث يطوف المسحراتي الحارات والشوارع في بعض القرى والمخيمات والبلدات الفلسطينية قبل ساعات الفجر لإيقاظ المواطنين من أجل تناول وجبة السحور. وتلك العادة يواظب المسحراتي أحمد أبو رزق البالغ من العمر 31 عاما على ممارستها منذ تسع سنوات حيث يستيقظ في الثانية فجرا طيلة أيام شهر رمضان الفضيل، وذلك استعدادا للقيام بتلك المهمة الجليلة والمتمثلة في إيقاظ الناس من أجل تناول السحور. وأوضح المسحراتي أبو رزق والمقيم في مخيم عسكر الجديد للاجئين بمحافظة نابلس شمال الضفة الغربية، أن السبب الذي دفعه إلى هذا العمل يعود إلى العام 2004 عندما استشهد المسحراتي السابق في المخيم جهاد الناطور علي يد الاحتلال الإسرائيلي، وقال «كأنني استلمت الراية من بعده، خاصة وأنه كان صديقا وأخا لي». وأشار أبو رزق الذي يعمل مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة المخيم، وهو متزوج وأب لطفلة إلى أنه يعمل كمسحراتي في رمضان لوجه الله تعالى، وأنه يخرج من منزله الساعة 2:20 فجرا حاملا الطبل التي يستخدمه خلال ترديده بعض العبارات مثل «اصح يا نايم.. وحد الدايم، رمضان كريم، اصح يا نايم وحد الدايم»، و»يا سمعين الصوت، صلوا على محمد، يا رب المصطفى، حل العسير عنا، يا مصطفى من غرامك ما بنام الليل، ساعة بصلي وساعة بمدحك يا زين». فوانيس تزين أبواب وأسوار البلدة القديمة للقدس وفي حين يستيقظ الكثير من أهالي مخيم عسكر للاجئين في نابلس شمال الضفة الغربية على صوت المسحراتي أبو رزق، تتزين مدينة القدس وخاصة البلدة القديمة منها وأزقتها بفوانيس رمضان التي ارتبط اسمها بحلول الشهر الفضيل. وإذا قدر لك أن تسير في أزقة وشوارع القدس العتيقة لتستنشق عبق التاريخ فلا بد أنك سترى تلك الفوانيس الرمضانية ذات الأحجام الكبيرة والمزخرفة بالآيات القرآنية والألوان الجذابة تزين أبواب وأسوار البلدة القديمة من المدينة المقدسة. ويقول الأهالي بالقدس بأن جمال وروحانية شهر رمضان تستكمل بوجود الفانوس الرمضاني، مشيرين الى أن أسواق البلدة القديمة في القدس تتزين بالزينة الرمضانية كل عام، ولكن هذا العام تزينت بوضع الفوانيس ذات أحجام كبيرة على مدخل باب العامود، وعند باب المجلس، وباب السلسلة، وسوق القطانين، منوهين إلى أن وجود الفوانيس مهم جدا في شهر رمضان وتحديدا في مدينة القدس لخلق أجواء رمضانية تتعلق بمدى الإيمان والحب لقدسية هذا الشهر الفضل. ولا بد من الذكر أن الفانوس كلمة إغريقية تشير إلى إحدى وسائل الإضاءة، وقد استخدم في صدر الإسلام في الإضاءة ليلا، للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب وتنبيه المصلين إلى وقت السحور، وقد عرفه المصريون في الخامس من رمضان عام 358، وهو اليوم الذي دخل فيه المعز لدين الله الفاطمي القاهرة، وكان قدومه إليها ليلا فاستقبله أهاليها بالحفاوة والترحاب وهم يحملون الفوانيس.