مع المخرج السينمائي والتلفزيوني حميد الزوغي أنا أحب أن يعرف الناس من أين بدأوا وأين كانوا وإلى أين وصلوا كان للفنان حميد الزوغي إسهام كبير في نشوء مجموعتين غنائيتين ذائعتي الصيت: ناس الغيوان وجيل جيلالة.. وهو لهذا الاعتبار يحتفظ بالكثير من الذكريات حول الفترة التاريخية التي شهدت ميلاد الظاهرة الغيوانية. كما أن له ذكريات عديدة مع رواد المسرح والسينما: الطيب الصديقي، الروداني، لطيف لحلو، عبد الرحمن التازي، فرانسيس فورد كوبولا.. ومع مجموعة من الفضاءات الثقافية: المسرح البلدي المأسوف على حذفه من خريطة الدارالبيضاء، دار الشباب الحي المحمدي.. في هذه الحلقات من ذاكرته، يسرد حميد الزوغي لبيان اليوم، جوانب عديدة من المسار الفني والحياتي الذي قطعه حتى اليوم. سنوات حافلة بالإبداع والكد والاجتهاد لإنجاز أعمال فنية خالدة في الوجدان.. مسرحيات ودراما تلفزيونية: الجيلالي طرافولطة، ستة من ستين، تيار الغضب، حلوف كرموس، على عينك يا بن عدي.. أشرطة سينمائية طويلة وقصيرة: أربع وعشرون ساعة من حياة بحار شاب، خربوشة، بولنوار.. وبالرغم من مرور سنوات عديدة على جوانب كثيرة من هذه الذكريات؛ فإنها لا تزال تحتفظ بطزاجتها في ذاكرته، وهو هنا يسردها بصدق مشوب بالحنين. - 5 - بالرغم من ممارستي الطويلة للإخراج المسرحي والسينمائي والدراما التلفزيونية، فإنني لا أزعم أنني خرجت بخلاصة لهذه التجربة الفنية، لأنني ما زلت في خضمها، فالإخراج المسرحي محكوم بالخشبة، التي تحمل مواصفات معينة، وفضاء يتحرك فيه الممثلون، بالنسبة لقاعة يمكن أن تسع لألف أو ما يزيد عن ذلك من البشر، ومن جهة أخرى هناك الممثلون الذين عليهم إيصال ملامحهم ومحاوراتهم لكافة المتفرجين، في حين أن السينما أو التلفزيون، على العكس من ذلك، نجد أن الكاميرا تقف أمام وجه الممثل، وبالتالي لا يمكن له أن يلعب كأنه فوق خشبة المسرح، في مواجهة مئات من البشر، السينما تتطلب من المخرج أن يكون أكثر واقعية، وأكثر التصاقا بالحقيقة والواقع، مما هو الحال بالنسبة للمسرح، الذي يعد عالما ثانيا ومختلفا تماما، ولكن في كلتا الحالتين، هناك تسيير الممثلين وإدارتهم، إلا أنه بطبيعة الحال، سواء في التلفزيون أو السينما، كانت هناك تقنيات أخرى لا توجد في المسرح، المتمثلة في وظائف الكاميرا واللقطة والإطار وتكوين الصورة والتركيب وما بعد التصوير.. إلى غير ذاك من المراحل التي يمر بها العمل التلفزيوني والسينمائي. حضور التراث المغربي في معظم أعمالي الفنية، لا أعرف هل هو اختيار، أو ضعف مني، على اعتبار أنني شغوف بتاريخ المغرب المعاصر أولا وقبل كل شيء، أقصد تاريخ المغرب الثقافي والاجتماعي والسياسي، قرأت كثيرا لمؤلفين سوسيولوجيين، وأنتروبولوجيين، خصوا المغرب بمجموعة من أبحاثهم، ويا ليت يتم الاهتمام بهذا الموضوع من قبل الفنانين، فأنا أستغرب لكون الشباب المغربي، ينسى أنه في سنوات ليست بالبعيدة، سنة 1947 على سبيل المثال، كان المغاربة لا يزالون يضعون القرن وكذا ما يسمى بالعرف عند حلاقة رؤوسهم، وكانون كذلك يرتدون التشامير، ولا يملكون السراويل، ولا يعرفون ما هو السليب، ويركبون الحصان مجردا من السرج أي ملاطي، الشباب يحسبون أن المغاربة كانوا دائما يملكون الولكمان وسماعات الهاتف والتلفاز بالألوان، والدراجات والسيارات وربطة العنق والبذلة والقميص، أنا أحب أن يعرف الناس من أين بدأوا، أين كانوا وإلى أين وصلوا، ويقدر المراحل التي مر بها وطنه وشعبه، ويعتز بمغربيته وبتراثه وثقافته وتقاليده، ربما اهتمامي بالتراث المغربي، هو ضعف مني، وأنا أعتز به، وأتمنى أن أواصل السير في هذا المشوار. هل هناك جوانب تاريخية لم يتم التطرق إليها في أعمالنا الفنية؟ أعتقد أن تاريخنا بكامله، لم يتم تناوله، سواء عبر الدراما التلفزية أو على المستوى السينمائي، ويبدو أن هذا راجع إلى كون الأفلام التاريخية تكلف الشيء الكثير، ميزانيتها كبيرة وضخمة، والدولة المغربية أو المركز السينمائي، الإمكانيات المتوفرة لديه غير كافية لكي تسمح بتصوير أفلام تاريخية، هناك ثلاث دورات خاصة بالدعم السينمائي، وفي كل دورة يتم توزيع ما يقارب ملياري سنتيم، هذا المبلغ يوجه لتغطية أربعة أو خمسة أفلام، يتم تصويرها في شقق وأزقة الدارالبيضاء أو الرباط..حيث لا يمكن إعادة بناء ديكورات، وإعداد ملابس تعكس مرحلة تاريخية معينة، وغير ذلك من الأشياء المكلفة..