خطورة انتشار الغش في امتحانات الباكالوريا، تكمن في تناميه، وفي تطور آلياته، لكن أساسا في خلفياته، أي في التمثلات المترسخة لدى كثير من تلاميذ هذا الوقت. لقد عمدت السلطات الوصية على القطاع إلى تفعيل تدابير إدارية ولوجيستية بغاية تقوية الشفافية على امتداد زمن الامتحان، وصارت الأظرفة تفتح وتغلق داخل الأقسام بمشاركة التلاميذ، واتخذت إجراءات أخرى، منها ما جرى الشروع في تطبيقه قبل هذه السنة، لكن كل هذا بدا غير كاف للحد من ظاهرة الغش، بل إن الأمر انتقل إلى مستوى(عصابة منظمة)على حد تعبير الوزير المسؤول عن القطاع نفسه. لم يعد الغش في الامتحان يتم بواسطة(الحروزة)، أو بالاعتماد على زميل مجتهد في المقعد المجاور، وإنما أصبح يتم تسخير أجهزة تكنولوجية ذكية لذلك، وبات بمجرد مرور دقائق على توزيع أوراق الأسئلة تجدها متداولة عبر(الفايسبوك)، وتنشر الأجوبة أيضا، ويحدث تواصل منسق بين عناصر خارج الأقسام وتلاميذ يمتحنون، وذلك بواسطة أجهزة تشترى، وأحيانا يتم تأجيرها، وهذه السنة، بالرغم من كل الإجراءات الإدارية والأمنية والزجرية، فقد تواصل الغش، واستعملت تقنيات وأجهزة لذلك، وبدا أن ثغرات موجودة على هذا المستوى التقني ينبغي سدها، وتوفير الموارد المالية والتكنولوجية لذلك. ليس معنى السالف، أنه بواسطة الزجر وحده يمكن القضاء على الغش، ولكن في المقابل، ليس من المعقول اليوم استصغار مخاطر الظاهرة، والتقليل منها، والاختباء وراء بعض التفسيرات التي تظهر كما لو أنها تحاول تبرير اللجوء إلى الغش. الغش أولا مرفوض، وهذا يجب استنفار كل الإمكانات والجهود لتوعية التلاميذ به وتنبيههم إلى خطورته، كما أن معاقبة الغشاشين مبررة ومشروعة، ولو من باب تكريس تكافؤ الفرص بين التلاميذ على الأقل، وبعد ذلك، الكل متفق على أن كل الإجراءات التي اتخذت لحد الآن، تبقى غير كافية، ولابد من تطويرها، وبالتالي اعتماد مقاربة شمولية ومستمرة. إن المدرسة موكول إليها إشعاع قيم، ولذلك فمن الواجب الحرص على ترسيخ قيم الجدية والاعتماد على الذات والعمل والصدق والاستحقاق، وهنا يعتبر الزجر أيضا واحدا من أضلع المقاربة المطلوبة لصيانة سمعة المؤسسة التعليمية، وصورة الشهادة الوطنية. وان هذا الانتشار المتنامي للغش في الامتحانات، وتطور آلياته وميكانيزماته يفرض اليوم الانتباه إلى ما وراءه، أي إلى مستوى التلاميذ أصلا، والى تكوينهم العام، وهنا الإصلاح يجب أن يشمل كافة المستويات التعليمية، ويهتم بمستوى التلقين، وبالتكوين والتكوين المستمر للمدرسين، وبالمناهج المعتمدة والمقررات ومنظومة الامتحانات والتقويم والتوجيه، أي اعتماد إصلاح شمولي لمنظومة التربية في بلادنا. إن استفحال ثقافة الغش والتزييف وسط التلاميذ، يهدد أجيالا بكاملها، ستحضر في مفاصل المجتمع بمثل هذه القيم، ولن تتردد في التعايش مع الغش في الحياة وفي العلاقة مع الإدارة وفي الانتخابات وداخل الأسرة، وهذا سيقودنا إلى مجتمع بلا صدق، وبلا أي استعداد للعمل أو للدفاع عن الحقوق... لننتبه. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته