توجد بين المغرب وفرنسا علاقات تعاون تتميز بقدر كبير من القدم والنموذجية؛ كما أنها ترتكز على جملة من الآليات الجديدة والمتجددة لبلورتها على أرض الواقع؛ من خلال خلق بيئة اقتصادية تستجيب لتطلعات وحاجيات البلدين؛ ولعل أبرز هذه الآليات إقدام البلدين على خلق «اللجنة المشتركة العليا» والتي تمخض عن بيانها الحادي عشر جملة من التوصيات نوردها على النحو التالي : أولا: مواصلة التشاور الدبلوماسي بين البلدين داخل الهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية، خصوصا أن المغرب يشغل حاليا منصب عضو غير دائم بمجلس الأمن. ثانيا: الدعم الفرنسي المتواصل للمغرب بغية بلورة مدلول عملي لصفة الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي خصوصا أن المغرب فتح عدة أوراش إصلاحية تتجه نحو أفق جديد من الطموح الأوربي للمغرب. حيث أصبحت هذه الأوراش مجتمعة في إطار مخطط عمل المغرب (Plan D'action Maroc) الذي سوف يتطور بدوره نحو اتفاق حقيقي للجوار. وتتمثل المنهجية العامة المعتمدة لهذه الغاية في الارتباط التدريجي بالمكتسب الاتحادي؛ فالشراكة مع أوربا ستستمر وتتأكد لكونها خيارا استراتيجيا بالنسبة للمغرب؛ وتلعب فرنسا دورا طلائعيا في هذا الصدد بفعل حضورها القوي داخل الاتحاد الأوروبي. ثالثا: تطابق الرؤى بين البلدين حول الأبعاد السياسة والإنسانية والعسكرية والإنسانية لأزمات الساحل والصحراء؛ حيث يتداخل البعد الأمني لمنطقة الساحل مع الوضعية الأمنية لمنطقة الصحراء الكبرى؛ مثلما تتداخل هذه الأبعاد الثلاث بقوة في منطقة الساحل - الصحراء مع المغرب العربي. نفس التوجه نرصده في معالجة دبلوماسية البلدين للأزمة السورية؛ وهو الأمر الذي ترجمته بوضوح توصيات مؤتمر مراكش الذي كان سباقا إلى الاعتراف «بالائتلاف السوري» كممثل للشعب السوري في تطلعاته إلى الديمقراطية والحرية والكرامة. إلى جانب هذه القضايا الإستراتيجية فإن مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية سيتحدد بشكل كبير في الأفق السياسي المنظور من خلال التركيز بشكل كبير على توطيد التعاون في المجال الاقتصادي؛ حيث يتمثل في ضرورة تقوية التبادل التجاري الثنائي وخلق المزيد من فرص الاستثمار والشغل؛ وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم إلا بالانخراط الفاعل في ميثاق التوطين المشترك (co-localisation) وتفعيل مضمون التنافسية المشتركة بالتكامل في الإنتاج والتعاون في اقتحام أسواق جديدة. مجمل القول إنه لا حاجة اليوم إلى التأكيد على تميز هذه العلاقات لكن ينبغي وضع رؤية استشرافية مستقبلية تستهدف تقوية أكثر ليس فقط على المستوى الكمي بل النوعي أيضا في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والبحث العلمي وتيسير سيولة الرساميل إلى جانب تقوية التعاون الثقافي لكون المغرب يحتل موقعا متميزا في الفضاء الفرانكفوني؛ فالموقع المستقبلي للمغرب في الفضاء الأوروبي يتم بناؤه في هذه اللحظة التاريخية؛ ولن يكون هذا الموقع في مستوى طموح هذه العلاقات الثنائية المتميزة إلا من خلال تقوية العمل الدبلوماسي التقليدي وبموازاة مع مهام الدبلوماسية الموازية.