الحكومة أضحت اليوم مهيأة لتنزيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالنهوض بأوضاع النساء وتكريس حقوقهن نلتقي معكم اليوم، السيدة الوزيرة، ونحن ما زلنا نعيش على إيقاع إحياء اليوم العالمي للمرأة. كيف هي معايشتكم لهذا الحدث، وما الذي مثله بالنسبة إليكم إحياء يوم 8 مارس 2013 على الخصوص؟ كقطاع حكومي مسؤول عن أوضاع المرأة، فإن 8 مارس لهذه السنة جاء في سياق مرور سنة على تنصيب الحكومة، وعلى إشرافنا على تدبير قطاع التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وهي فترة مكنتنا من الاطلاع على الملفات ومدارستها بما يلزم من التعمق والتمحيص، حيث أضحت الحكومة في هذه اللحظة مهيأة لتنزيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالنهوض بأوضاع النساء وتكريس حقوقهن، وفق المسار الذي رسمه البرنامج الحكومي من جهة، واستراتيجية القطب الاجتماعي 4+4 من جهة ثانية، وفي انسجام مع السياق السياسي والاجتماعي الذي تلا إقرار دستور 2011. وهكذا.. جاء إعلاننا عن تنصيب اللجنة العلمية الخاصة بمدارسة اقتراحات إحداث هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، وكذا اللجنة العلمية الخاصة بمدارسة مقترحات إحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة. وعملنا، في سياق الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة الذي يتمحور موضوعه هذه السنة حول مناهضة العنف ضد النساء، على إحياء لجنة القيادة والتوجيه الخاصة بالمرصد الوطني لمكافحة العنف ضد النساء التي لم تجتمع منذ 2007، وعقدنا اجتماعها الأول يوم 8 مارس.. وسبق ذلك إعطاء دينامية جديدة للاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء أخذا بعين الاعتبار المستجدات الوطنية، والمعيقات التي كانت تحد من بلوغ مرامي الاستراتيجية، إضافة إلى تنظيم فعاليات الحملة التحسيسية العاشرة لمناهضة العنف ضد النساء، التي شارك فيها القطب الاجتماعي بمختلف مكوناته، وعرفت تنظيم ندوات وموائد مستديرة ولقاءات تواصلية مفتوحة بلغت مائتي لقاء (200) استهدفت جهات المملكة الست عشر جميعها، وشهدت حضورا وتفاعلا مكثفا تجاوز في مجموعه ثلاثين ألف شخص من النساء والرجال. وقد شكلت هذه الحملة الوطنية مناسبة أيضا للالتزام بجعل سنة 2013 سنة لمحاربة العنف ضد النساء. واستمرارا لهذا المسار، أطلقنا يوم 9 مارس «البرنامج التحسيسي المندمج لمناهضة العنف والتمييز ضد النساء» البين قطاعي، ووقعنا اتفاقيات شراكته مع أربعة قطاعات حكومية تشكل أهم المتدخلين في مجال الوقاية من العنف، هي التربية الوطنية، والثقافة، والاتصال، والأوقاف والشؤون الإسلامية. كما أن إحياء اليوم العالمي للمرأة هذه السنة جاء متزامنا أيضا مع مشاركة بلادنا في أشغال الدورة ال57 للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة، التي تمحورت حول مكافحة العنف ضد النساء والفتيات، والتي جددنا من خلالها التزامنا بالتدابير والجهود الدولية الرامية إلى الحد من هذه الظاهرة المشينة. تحدثت عن تنزيل مقتضيات الدستور في ما يتعلق بالنهوض بحقوق النساء، حيث لاحظنا أن تنصيب اللجنتين العلميتين الخاصتين بكل من هيئة المناصفة والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة جاء بعد حوالي 20 شهرا من إقرار الدستور وحوالي سنة بعد تنصيب الحكومة الحالية. هل كان من الضروري انتظار هذا التوقيت القريب من 8 مارس، وهل كان اختياره وفق أجندة وزارية مضبوطة أم أنه جاء تحت ضغط معين من قبيل إحياء اليوم العالمي أو المشاركة في أشغال الدورة 57 للجنة المرأة مثلا؟ في تدبيري للقطاع، أعتمد منهجية الاشتغال وفق استراتيجية محددة ومخطط سنوي واضح يتم تنزيل محاوره بكيفية دقيقة، حتى لا نضطر إلى الاشتغال بمنطق الطوارئ والإكراهات. وقد أثبت هذا الاختيار صوابه ولله الحمد، إذ تمكنا من تحقيق نتائج جد إيجابية على مستوى إنجاز البرامج المسطرة، ولأول مرة في تاريخ وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بلغت نسبة الإنجاز 100 بالمائة من الميزانية المخصصة للتسيير و95 بالمائة من ميزانية الاستثمار، علما أن هذه النسبة لم تكن تتجاوز، في فترات سابقة، 10بالمائة. وذلك بفضل التخطيط المسبق الذي يساعد على ضبط الميزانية وطرق صرفها. كما أننا، في تدبير القطاع، أخذنا وقتنا الكافي في ترتيب البيت الداخلي للقطب الاجتماعي، وفي وضع ملامح هيكلة جديدة واستراتيجية عمل موحدة منسجمة مع مبادئ التنظيم والانضباط للقانون والنزاهة والشفافية، خاصة في ما يتعلق بالصفقات العمومية والعلاقات مع المجتمع المدني. وقد ساعدني أطر القطاع كثيرا في بلوغ الأهداف المرجوة من خلال تقديم المقترحات، واحترام البرامج والمواعيد المسطرة. أما في ما يخص اللجنتين العلميتين، فإن تنصيب أعضائهما جاء وفق مسار محدد مسبقا وليس تحت أي ضغط، إذ بعد اطلاعنا على التراكمات الحاصلة في المجال، وتدارسنا لعدد من مذكرات المجتمع المدني وتقاطعاتها مع عدد من التجارب الدولية، خاصة في الاتحاد الأوربي، اشتغلنا بجدية وإيقاع مضبوط من أجل احترام أجل إخراج القوانين المرتبطة بتنزيل مقتضيات الدستور خلال هذه السنة، فجاء تنصيب اللجنتين نهاية فبراير الماضي تتويجا لهذا العمل. وكلا اللجنتين شرعت في عملها وحددت منهجية اشتغالها، وهيكلت لجيناتها الفرعية، وحاليا هي بصدد تلقي ومدارسة مذكرات المجتمع المدني التي تصب في موضوع اشتغالها. بعلاقة مع المجتمع المدني والمقاربة التشاركية التي ما فتئت تؤكدين عليها في مناسبات متعددة. أنت كنت في السابق طرفا فاعلا في هذا المجتمع المدني وكنتم كهيآت مهتمة بقضايا المرأة وضمن تيار المعارضة تنتقدون عدم إشراككم في عدد من المبادرات.. اليوم وأنتم في الحكومة أصبحتم عرضة لانتقادات من نفس النوع، ما هو تعليقك؟ أعتقد أنه لا يمكن اتهامي بإقصاء أي طرف، أو الانحياز لآخر، إذ أني أعي، كمشرفة على تدبير قطاع حكومي، ضرورة التعامل مع جميع الأطراف بحيادية، وعلى قدر المساواة، والانفتاح على جميع إمكانيات التحاور والتشاور معها. والدليل أني، منذ توليت هذه المسؤولية، استقبلت جميع الجمعيات النسائية التي طلبت لقائي، وتحاورنا وأنصتنا لبعضنا البعض بشكل إيجابي. فنحن نعمل كقطاع، وكحكومة أيضا، على التجاوب ما أمكن مع جميع مبادرات المجتمع المدني الهادفة إلى تحسين أوضاع المرأة، وأشير في هذا السياق إلى استجابة الحكومة لبعض مقترحات تعديل القانون الجنائي المتعلقة بمحاربة العنف ضد المرأة. كما أننا ندعو جميع هيآت المجتمع المدني للقاءات المفتوحة التي ننظمها، فمثلا خلال الندوة الإقليمية حول مناهضة العنف ضد النساء، التي نظمناها بشراكة مع مجلس أوروبا وبحضور العديد من الفعاليات الوزارية والمدنية من العالم والعالم العربي، خصصنا إحدى فعالياتها لتجربة المجتمع المدني واقتراحاته. لكن بعض هذه الجمعيات احتجت علينا لأنها لم تشارك في منصة الندوة، رغم أن ذلك يصعب تدبيره، فالمجتمع المدني، كما تعلمين، ليس طرفا واحدا، بل تيارات متعددة، وكل طرف يريد أن تكون له تمثيليته على حدة.. ولو كان هناك تفويض لجمعية أو فعالية معينة بتمثيلها لما ترددنا... (مقاطعة).. لكن جمعيات الحركة النسائية بدأت بالفعل في السنوات الأخيرة تعي هذه المسألة، وكذا أهمية التكتل من أجل توحيد جهود الترافع والتفاوض، وأصبحت لدينا تحالفات أو تحالفان على الأقل يضمان العديد من الجمعيات، ويتوفران على منسقات وناطقات باسم الجمعيات... نعم، ولكن ما تزال هناك جمعيات وهيآت وقطاعات نسائية تابعة لأحزاب لها اعتبارها وحضورها الميداني لكنها ليست حاضرة في تلك التكتلات، ويمكن أن توجه لنا بدورها انتقاداتها واحتجاجاتها.. ما الذي يفترض بنا أن نفعله ساعتها؟.. وحتى تلك التكتلات التي تبدو منسجمة مع بعضها من حيث الانتماء الفكري، لم تصل إلى درجة تفويض الحديث باسمها لشخص أو أشخاص محددين. وهذا ما يصعب مهمتنا كقطاع حكومي اختار أن يتبنى التشاركية الديمقراطية عن حق، من خلال التعامل بالحياد الضروري مع كافة الجمعيات والهيآت التي لا نفضل أيا منها على حساب أخرى، لكن نفضل أن نرفع عن أنفسنا، وأيضا عن جمعيات المجتمع المدني، الحرج بعدم إتاحة الفرصة لأي محاولة للتخندق أو المواجهات المفتعلة. وأجدد التأكيد على انفتاح القطاع على مختلف الجمعيات، وإرادتنا الأكيدة في مشاركتها لنا جميع أنشطتنا ومبادراتنا. هل ذلك يسري أيضا على تشكيل اللجنة العلمية الخاصة بهيئة المناصفة؟ هل تدارستم مقترحات الجمعيات بشأنها؟ أكيد.. لكن بالنسبة لتشكيلة اللجنتين معا، وليس فقط اللجنة الخاصة بهيئة المناصفة، استحضرنا ضرورة أن تكون محايدة، ومنسجمة مع المستجدات الدستورية، خاصة وأنها تندرج في إطار وضع لبنات مؤسسات دستورية ومجتمعية، وليست فقط هيآت تابعة لأي طرف.. والحمد لله أن كلا اللجنتين ضمت في عضويتها شخصيات لا يشكك أحد في حيادها ووطنيتها، ولم نتوصل بأي طعن أو تنازع حول تلك الشخصيات. وحتى بعض الجمعيات التي اتخذت موقفا مسبقا من اللجنة، عادت وتفاعلت معها إيجابا، وقدمت مذكراتها ومقترحاتها. هل يمكن أن نأمل كمتتبعين في إحداث نوع من المصالحة بين مكونات الحركة النسائية، في الضفتين، حتى تصبح كلها في خندق واحد في دفاعها عن حقوق المرأة؟ نحن اليوم، أبينا أم كرهنا، في خندق واحد.. ولدينا بوصلة واحدة توجهنا في ما يخص النهوض بأوضاع المرأة هي بوصلة الدستور ومقتضياته. وهناك مبادرات ومكتسبات مهمة تعززها إرادة مشتركة وقوية بين جميع مكونات المجتمع من أجل تحقيق المزيد للمرأة المغربية. ونستطيع القول إننا نسير في المغرب في اتجاه تطوير أوضاع المرأة بإيقاع يضاهي إيقاع الدول الأوربية، ففرنسا مثلا تعمل على التحضير لإخراج هيئة المساواة وتكافؤ الفرص في الوقت ذاته الذي ننكب فيه نحن على إخراج هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز. لكن إذا أردنا المضي قدما في هذا المجهود، فعلينا جميعا أن نتجاوز العقلية المسكونة بالكليشيهات والصور النمطية والأحكام المسبقة في جميع الاتجاهات، وأن ندع جانبا المناوشات ومحاولات إثبات الذات في الساحة بأي طريقة وبأي ثمن.. ساعتها فقط يمكن أن نرى بالعين المجردة حقيقة أنه باستطاعتنا العمل بشكل مشترك وموضوعي على إنجاح هذا الورش، فلم يعد لنا حق إخلاف موعدنا مع التاريخ، ومع النصوص والتوجهات الواضحة للدستور. ولا أريد هنا أن تفوتني الفرصة لأنوه بجميع الجمعيات والهيآت التي تفاعلت إيجابيا مع اللجنتين العلميتين، وبعثت بمذكراتها واقتراحاتها في هذا الصدد. اشتغلتم منذ تنصيبكم على تحيين خطة المساواة أو كما اخترتم أن تسموها خطة «إكرام» للمساواة في أفق المناصفة. بغض النظر عن التسميات.. أين وصلت الخطة؟ وهل يمكن أن نأمل في بداية تفعيلها واقعيا؟ تمت إحالة الخطة الحكومية للمساواة في أفق المناصفة على رئاسة الحكومة من أجل برمجتها ومدارستها في المجلس الحكومي، والذي نأمل أن يكون قريبا. كما نأمل في انخراط جميع الفاعلين والهيآت المجتمعية من أجل تفعيل هذه الخطة الرامية إلى ترسيخ مبادئ المساواة ومناهضة التمييز والعنف ضد المرأة، وهي مبادئ نتمنى أن تشكل أسس ثقافة جديدة تؤطر تعامل مجتمعنا مع نسائه. نفس التساؤل يمكن أن نطرحه بشأن ميزانية النوع التي كانت قد أقرتها حكومات سابقة وأدرجتها الحكومة الحالية أيضا ضمن برنامجها. هل هناك أي تفعيل لهذه الميزانية على المستوى الحكومي أو القطاعي؟ نحن بصدد مراجعة القانون التنظيمي للميزانية العامة، والتي تشكل فرصة لوضع مقومات استحضار مقاربة النوع وتوفير شروط احترامها ضمن هذه الميزانية، على أساس علاقة هذه الميزانية باحتياجات النساء. والحكومات التي سبقتنا كانت لديها فعلا إرادة حقيقية لإقرار هذه المقاربة وتنفيذها، وبذلت جهدا من أجل التحسيس وتوعية مختلف الأطراف الحكومية بأهمية الانخراط في هذا التوجه. لكن للأسف بقي الأمر متوقفا عند هذا الحد. واليوم يمكن القول إن من بين أهداف القانون التنظيمي لميزانية هذه السنة وضع المعايير وتفعيل الآليات الكفيلة باعتبار احتياجات ومتطلبات النوع ضمن ميزانية الدولة بصفة عامة. تحدثت اليوم، وفي مناسبات سابقة، عن عزم وزارتكم جعل سنة 2013 سنة إقرار قانون مناهضة العنف والتمييز ضد المرأة، وهو القانون الذي طال انتظاره وأثار جدلا كبيرا حول شكله ومضمونه، من مطالب الحركة النسائية بقانون إطار أو قانون خاص وإلى تجميد مقترح قانون حكومي سابق حول العنف الزوجي، أين وصل اشتغالكم عليه؟ اشتغلنا طوال السنة الماضية 2012 على مشروع هذا القانون، في إطار لجنة مشتركة مع وزارة العدل والحريات، وذلك من أجل التدقيق في مضامينه أخذا بعين الاعتبار مختلف التراكمات الحاصلة على هذا المستوى، ومنها مسودة المشروع التي كانت عالقة بين الوزارتين. وحاولنا، في إطار هذه اللجنة المشتركة، تجاوز مختلف العقبات للتوصل إلى توافق بين الوزارتين حول مضامين هذا المقترح. نتجه في نقاشنا المشترك نحو تبني صيغة قانون جديد خاص بمكافحة العنف ضد المرأة بصفة عامة، عكس ما كان عليه الأمر في المسودة السابقة. ونتمنى الوفاء بتعهداتنا في إخراج هذا المشروع خلال هذه السنة، خاصة أنه يعد أحد مضامين المخطط التشريعي للحكومة، ويعد أيضا هاجسا من هواجس الانشغال المجتمعي بظاهرة العنف الممارس على النساء، والتي باتت تقض مضاجعنا جميعا. بالموازاة مع ذلك، هناك اشتغال حكومي على إصلاح منظومة العدالة ككل، وهناك تعبئة كبيرة باتجاه إدماج مقاربة النوع ضمن هذا الإصلاح من خلال تعديل القانون الجنائي. ما هي مساهمتكم في هذا الإطار، وما هو تقييمكم للجهود التي يبذلها المجتمع المدني بدوره حاليا من أجل اقتراح تعديلات لصالح النساء؟ سبق أن أشرت إلى أننا، كقطاع، ساندنا تعديلات سابقة في القانون الجنائي مرتبطة بقضايا النساء، ومستعدون لمواصلة هذا النهج الذي نؤمن به، خاصة في ظل الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الذي نساهم فيه كقطاع حكومي، على اعتبار أن هذا الإصلاح القانوني سينعكس إيجابا على عمل الحكومة عموما، وعلى عمل قطاعنا، الذي له علاقة مباشرة ومستمرة مع قضايا النساء المختلفة، خاصة. ونعتقد، كما الجميع، أن هناك بعض القوانين التي تحتاج إلى إعادة النظر من أجل معالجة الإشكالات المختلفة التي ترتبط بقضايا اجتماعية تمس بشكل من الأشكال أوضاع النساء واحتياجاتهن. ما هو رأيكم في المجهود الاقتراحي والترافعي للمجتمع المدني في هذا الباب؟ شيء مفرح ويثلج الصدر أن نرى هذه الحركية التي تنسجم مع حيوية المجتمع المدني ودوره الفعال في بلادنا، فهي مؤشر على أننا نحمل جميعا هما مشتركا من أجل المضي قدما بالإصلاحات التي ينص عليها الدستور، وترسيخ مسار الديمقراطية ونجاحه في جعل البلاد تستفيد من جميع كفاءاتها. والمغرب مؤهل بالفعل ليكون دولة الديمقراطية التشاركية. فقط ينبغي أن يكون ذلك نابعا من قناعة ضرورة المساهمة الفعلية في هذه الصيرورة بعيدا عن المناوشات والمزايدات السياسية. علاقة بالقوانين وإصلاح العدالة دائما، أثيرت ضجة وما زالت حول زواج القاصرات وسن هذا الزواج. كيف تتصورون أنتم كقطاع معني بقضايا النساء والفتيات حل الإشكالات المجتمعية المرتبطة بهذه القضية التي يتم إدراجها في خانة سوء تطبيق مدونة الأسرة من جهة، وبالحيف والعنف الذي تعاني منه النساء من جهة ثانية؟ أعتبر هذه القضية مؤشرا على دينامية التحاور التي نفخر بها في بلادنا، وأيضا دليلا على الانخراط المجتمعي في هذه الدينامية على جميع المستويات. ولئن كان المغرب لا ينفرد وحده بزواج القاصرات، بل هي ظاهرة واسعة الانتشار في العديد من دول العالم التي قد لا تناقش مجتمعاتها هذا الموضوع أصلا، فإن الأمر عندنا كان ولا يزال مثار نقاش. ويمكن القول إننا تقدمنا فيه اليوم، فبعد أن حددت مدونة الأسرة سن الزواج في 18 سنة، تبين، من خلال الممارسة، وجود ملاحظات على بعض القضاة في ما يخص السلطة التقديرية التي منحت لهم لتزويج بعض القاصرات في سن أقل وفي حالات استثنائية، فأسفر النقاش المجتمعي حول الموضوع على اقتراح مشروع قانون تعديلي للمدونة ينص على تحديد السن الأدنى للترخيص للزواج، في تلك الحالات الاستثنائية، في 16 سنة. وهو المقترح الذي تم التصويت عليه بالإجماع في مجلس المستشارين، وينتظر البت فيه من قبل مجلس النواب. لكن العديد من الفعاليات المجتمعية ترى في هذا التعديل نوعا من العنف والاغتصاب القانوني المسلط على الفتاة الصغيرة التي يجب أن تكون في المدرسة في هذه السن وليس في بيت الزوجية؟ شخصيا، أؤمن أن الفتاة ذات ال16 ربيعا ما زالت صغيرة، وربما حتى ذات ال18 ربيعا.. وأعتبر أن الزواج في هذه السن هو زواج «خديج» وهش، ومعرض للكثير من المطبات. لكن هناك بعض المعطيات الواقعية التي يجب ألا نغيبها أثناء تناولنا الموضوع. فجميع المجتمعات، مهما كانت طبيعتها وتركيبتها الاجتماعية، تفسح المجال للترخيص بالزواج في سن أقل من السن القانوني في بعض الوضعيات الاستثنائية أو الخاصة. وبالنظر إلى المؤشرات الاجتماعية في مجتمعنا المغربي، نلاحظ أن سن الزواج، سواء بالنسبة للذكور أو الإناث، ينحو نحو التأخر وليس العكس، وذلك بسبب ارتفاع سن الدراسة، والبطالة، وغيرها. لكن في أماكن وظروف محددة، منها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، يضطر القاضي إلى إعمال سلطته التقديرية باتجاه الترخيص لهذا النوع من الزواج، خاصة في بعض المناطق النائية التي لا تتوفر فيها إمكانيات حماية الفتاة من بعض العوامل السلبية، كالانقطاع عن الدراسة والانضمام إلى صفوف الفتيات المرحلات نحو مناطق أخرى كخادمات للبيوت. ففي غياب شروط التمدرس لهؤلاء الفتيات، وأيضا غياب ظروف اجتماعية واقتصادية ملائمة لأسرهن، يصبح من الصعب الحديث عن الحد نهائيا من هذه الظاهرة. أعتقد أن مقاربتنا لهذا الموضوع يجب أن تكون أكثر واقعية. طيب، إذا كان زواج القاصرات مرتبطا بالفعل بواقع المرأة والفتاة في العالم القروي، ألا ترين معي أن هذه المقاربة الواقعية يجب أن تكون أيضا مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفير سبل تأهيل وضعية هذه المرأة والفتاة وتمكينهما من مواجهة الصعوبات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية من أجل حمايتهما من كافة أشكال العنف؟ طبعا.. وهذا يتم عن طريق تشجيع الفتيات على التمدرس ومحاربة الهدر المدرس، وأيضا عن طريق دعم الأسر الفقيرة والمحتاجة من أجل عدم الدفع ببناتها نحو الزواج المبكر أو العمل كخادمات في البيوت.. ما الذي تقوم به وزارتكم في هذا الاتجاه؟ تدخل القطب الاجتماعي يتم عبر عدة مستويات. ففي إطار تشجيع تمدرس الفتاة القروية، ندعم دور الطالبة عبر «برنامج دعم المؤسسات الاجتماعية» الذي خصصنا له هذه السنة 150 مليون درهم. كما ندعم «برنامج المدارس الجماعاتية» المرتكز على نفس المفهوم من خلال توفر هذه المدارس على دور الطالبات. ونقوم ضمن برنامج «تيسير»، وبرامج المشاريع المدرة للدخل، بدعم الأسر في العالم القروي، التي من المنتظر أن تستفيد من صندوق دعم التماسك الاجتماعي، وذلك بهدف القضاء على تشغيل الفتيات في البيوت. ماذا عن مسألة الانتفاع بالأرض واقتسام ثرواتها بالنسبة للمرأة القروية دائما؟ هذا إشكال كبير تعيشه النساء في العالم القروي، حيث إنهن مقصيات من الولوج إلى ملكية الأرض والعقار عموما. وحتى عندما تلج لهذه الملكية ضمن الأراضي السلالية أو أراضي الكيش، فإنها تظل محرومة من الانتفاع بها بما أن إخوتها وأقاربها الذكور هم الذين يقيمون على أمر الأرض ويستغلونها، وقد يتفضلون عليها فقط بما يرونه مناسبا من منافع تلك الأرض. لكن المرأة القروية تمكنت في السنوات الأخيرة من انتزاع حقها في الاستفادة والانتفاع من الأراضي السلالية بموجب مرسوم يثبت تلك الحقوق ويحميها، بل وتعمل اليوم من أجل تثبيت حقها في الاستفادة من إمكانية جعلها نائبة كباقي النواب الذكور. محور أخير في ما يخص وضعية المرأة عموما، ارتباطا مع وجودها في مراكز القرار. وهنا يمكن أن نرجع إلى تفعيل مقتضيات الدستور وخطة المساواة. ما هي المساهمة التي يمكن أن يقدمها قطاعكم، في ظل دستور جديد، وحكومة جديدة وجهت لها بالمناسبة انتقادات شديدة لوجود امرأة وحيدة بها، وذلك من أجل تكريس المكتسبات وتحقيق نتائج أفضل في مجال تمثيلية النساء، السياسية منها على الخصوص؟ (تبتسم).. أعتقد أن سؤال وجود امرأة واحدة في الحكومة يمكن لكم، أنتم نساء ورجال الإعلام على الأقل، أن تتوقفوا عن طرحه في كل مناسبة، خاصة أني أجبت عنه مرارا، وكذلك فعل عدد من أعضاء الحكومة. أما في ما يخص التمثيلية النسائية عموما، فإننا اليوم نعيش على إيقاع تأهب مجتمعي ومؤسساتي حقيقي لتنزيل مقتضيات الدستور، سيما الفصلين 19 و164 المتعلقين بالسعي نحو المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز. ونحن نمتلك بالفعل جميع المؤهلات الضرورية لتحقيق هذا الرهان من خلال العمل على إصدار قانون ومرسوم لترسيخ توجه تعزيز حضور النساء في مراكز القرار المختلفة. لكن على مستوى التطبيق، لا بد من الاعتراف بوجود بعض الصعوبات. شخصيا، في تدبير قطاع التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، قمت بمحاولات في إطار إعادة الهيكلة من أجل تعزيز وجود النساء في مواقع المسؤولية الإدارية بالقطاع، لكني فوجئت بإكراه حقيقي يتمثل في ضعف أو غياب الترشيحات النسائية للمناصب المطروحة. وهذا لا يرجع إلى ضعف الكفاءة أو الطموح لدى النساء، ولكنه راجع بالأساس إلى الحصار والحيف اللذين ظلت النساء في الإدارة المغربية تعانين منهما في ظل عدم تكافؤ الفرص، وإقصائهن من حقهن في الترقي في السلم الإداري. فالمرأة قد تعمل طوال حياتها بكد وجد في وظيفتها، لكنها لا تتجاوز منصب رئيسة مصلحة. وحتى في بعض الحالات التي تبرز فيها كفاءة عالية بل استثنائية، فإن رؤساءها ينتظرون وصولها إلى نهاية مشوارها المهني ليتفضلوا عليها بالترقية إلى رئيسة قسم. وأدلل على ما أقول بلغة الأرقام، فقد توصلنا كقطاع ب37 ترشيحا للتعيين في منصب كاتب عام، بينها ترشيحان فقط للنساء. وفي قطاع إدارة التعاون الوطني، توصلنا ب42 ترشيحا ليس ضمنها أي ترشيح لامرأة. ولمنصب مدير الموارد البشرية، توصلنا ب23 ترشيحا، ضمنها ترشيح نسائي وحيد، علما أن شروط الترشيح كانت جد بسيطة وعادية. وهذا الوضع ينطبق على وجود النساء وارتقائهن في جميع مرافق الوظيفة العمومية، بحيث من النادر جدا أن تجد امرأة تحتل منصب مديرة أو كاتبة عامة، مما يدل للأسف على العقلية الذكورية والإقصائية التي ظلت النساء يعانين منها إلى عهد قريب. كيف تتمثلين، من موقعك، مواجهة هذه العقلية في مجال التمثيلية السياسية للنساء؟ أعتقد أن قرار التمثيلية السياسية للنساء يرجع بقوة إلى الأحزاب السياسية، ومدى رغبتها الفعلية في تأكيد إرادتها لتعزيز هذه التمثيلية، خاصة أن الفرص لا تعوزها لذلك، وذلك من خلال منحها فرصة الترشح ليس فقط لمناصب المسؤولية السياسية وحدها، ولكن أيضا لمناصب المسؤولية السامية والتمثيلية الدبلوماسية، إضافة طبعا إلى تعزيز وجودها في الهيآت والمجالس المنتخبة.. لكن هذه الإرادة التي تتحدثين عنها تحد منها نفس العقلية الذكورية الإقصائية التي أثرتها سابقا.. ألا يمكن التفكير في آلية عملية لتفعيل هذه الإرادة أكثر؟ بالنسبة للمجالس المنتخبة، القوانين التنظيمية تنص على إعمال الكوطا التي يتم التفكير حاليا في الرفع من نسبتها، وتوفير الآليات والشروط الضرورية لذلك. كما أن قانون الأحزاب ينص على إحداث لجنة المناصفة وتكافؤ الفرص داخل الأحزاب، والتي تجسد نوعا من الرقابة الذاتية يمكن أن تمارسها الأحزاب، وعبر قطاعاتها النسائية، على ذاتها، تقيس مدى احترامها لمبدأ تكافؤ الفرص. فإذا نجحت هذه اللجن في أن تكون ضمير الأحزاب، فستنجح هذه الأخيرة بالتأكيد في تحقيق المساواة والمناصفة في المجال السياسي. ملف آخر من الملفات التي تشتغل عليها وزارتكم، هو ملف الطفولة الذي يأخذ يوما بعد يوم حجما أكبر في انشغالات المجتمع بمعاناة مختلف فئاته، خاصة أن أوضاع الطفولة ترتبط بدورها بمجموعة من الإشكالات منها تشرد الأطفال، وعمالة الأطفال، والاغتصاب والاستغلال الجنسي للأطفال. ما هي مقاربتكم لهذا الملف؟ نحن الآن بصدد إطلاق سياسة عمومية للطفولة، فقد دشنا مؤخرا سلسلة لقاءات بين قطاعية مركزية، ستليها لقاءات جهوية، من أجل تعبئة جميع المؤسسات المتدخلة في تنفيذ هذه السياسة العمومية الرامية إلى تحسين ظروف عيش الطفولة، والحد من بعض المظاهر الاجتماعية السلبية التي تتنافى مع الوضع الصحي السليم والمتوازن المفروض ضمانه لأطفالنا، من قبيل التشرد وإدمان المخدرات وغيرها. ونحن واعون بأن هناك جهودا بذلت سابقا على المستوى الحكومي، وإن لم ترق إلى مستوى تحسين وضع الطفولة المغربية وتحصينها من الوقوع ضحية للعديد من مظاهر الانحراف الاجتماعي، وأيضا واعون بضرورة العمل على تجاوز هذا الوضع الذي يهدد مستقبل الطفولة، ومعها سلامة وأمن المجتمع، فالاستثمار في الطفولة استثمار في مستقبل المجتمع ككل. من هذا المنطلق، نعول على هذه السياسة العمومية لتفعيل دور القطاعات الحكومية في مواجهة هذه الإشكالات، بتعاون مع شركائنا الدوليين، خاصة اليونيسيف. كما نعول على انخراط جميع الفاعلين الاجتماعيين، ليس فقط القطاع العام، بل أيضا القطاع الخاص وهيآت المجتمع المدني، إذ نعلم جميعا أن الظاهرة الطفولية ظاهرة مركبة يتداخل فيها التربوي مع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فالطفلة المنحدرة من أسرة معوزة، والتي لم تكمل دراستها، تصبح معرضة للعمل كخادمة في البيوت، ثم عرضة للاغتصاب والاستغلال الجنسي، والتشرد، وكذلك الشأن بالنسبة للذكور. وهو ما تحاول أن تستحضره هذه السياسة العمومية. وما الذي يمكن أن تقوليه لنا عن تقدم ملف الأشخاص في وضعية إعاقة الذين يواجهون عدة بمشاكل مرتبطة بالحق في الولوج إلى الصحة، ومسألة التشغيل، والولوجيات، وحكامة المجتمع المدني..؟ بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة، هناك مسودة حول قانون خاص بهذه الفئة أُعدت في مرحلة سابقة، لكن لم تتم الموافقة عليها في المجلس الحكومي آنذاك. وقد اشتغلنا، خلال السنة الماضية، على هذه المسودة، واستفدنا من مختلف الملاحظات التي سجلت حولها. ونحن الآن نعكف، بمعية شركائنا في الحكومة، خاصة وزارة المالية، على وضع آخر اللمسات على مشروع هذا القانون الذي نتمنى برمجته قريبا ضمن أشغال مجلس الحكومة.