إنها لفرصة نادرة أن يلتئم اليوم مجلسنا الموقر للتداول في قضايا النساء بحضور السيد رئيس الحكومة باقتراح من الفريق الاشتراكي وبتنسيق مع فرق المعارضة، وذلك بطرح موضوع العنف ضد النساء وبالتحديد العنف الأسري الذي يستمد راهنيته من حجم خطورة الظاهرة وارتفاع كلفتها اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. إن طرح هذه الظاهرة للمدارسة داخل قبة البرلمان يعود السبق والفضل إلى فرق المعارضة. وبهذه المناسبة نوجه من الفريق الاشتراكي تحية صادقة وحارة لكل مكونات المجتمع المدني والحقوقي والحركة النسائية على الجهود المبذولة من أجل إقرار المساواة وتكافئ الفرص ومناهضة كل أشكال التميز والعنف ضد النساء. في البداية لا بد من التأكيد أننا في الفريق الاشتراكي وفي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اخترنا هذا السؤال المعاضل المرتبط بالعنف ضد النساء لعدة اعتبارات: 1) اخترنا سؤال العنف ضد النساء نتيجة قناعتنا الراسخة بأن قضايا النساء بصفة عامة، محك للديمقراطية ورافعة للتنمية وبوصلة الولوج لمجتمع الديمقراطية والحداثة. 2) اخترنا هذا السؤال كون حزبنا كان استشرافيا وطلائعيا منذ سنوات التسعينيات من القرن الماضي في إدراج قضايا النساء في صلب المعركة الديمقراطية مؤمنا بالطابع الخصوصي لقضايا النساء نتيجة تعدد زوايا مقاربتها ومعالجتها باعتبارها قضية مركبة، يتقاطع فيها مختلف الجوانب اقتصادية وسياسية اجتماعية وثقافية. 3) لقد اخترنا هذا السؤال لكون العنف ضد النساء يشكل تحديا كبيرا يهدد النساء في الجسد والروح، الشيء الذي ينعكس سلبا على الأسرة تخصيصا وعلى المجتمع بصفة عامة. وأخيرا، اخترنا موضوع العنف ضد النساء لنسائلكم السيد رئيس الحكومة عن الحصيلة الحكومية في هذا المجال وما هو حجم الاهتمام ورتبة العناية بهذا الموضوع الحيوي (خاصة وأن تعليق بعض التصريحات الصادرة عن احد المسؤولين في الحكومة كانت صادمة وتدعو إلى القلق، عندما أقرت بأن ) أضف إلى ذلك بطء الحكومة في إخراج بعض المؤسسات التي ينص عليها الدستور، مثل هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز خاصة وأن جهدا محمودا قد بذل من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الإطار من خلال إعداد دارسة وازنة في الموضوع ورأي استشاري مصادق عليه موجه للحكومة ولجلالة الملك. والملاحظ أن الحكومة لم تتجاوب ولم تعر أي اهتمام لهذا المجهود والاجتهاد المحمود الذي يصب في تفعيل الشراكة والتشارك التي ينص عليهما الدستور الجديد. العنف ضد النساء ليس أولوية في برنامج الحكومة. إن ظاهرة العنف ضد النساء بأبعادها المتعددة ممثلة في العنف الجسدي والجنسي والاقتصادي والاجتماعي، تعتبر أولوية حضارية في أجندة منظمات المجتمع المدني، النسائية والحقوقية والسياسية لكونها تندرج في إطار التفعيل الناجع للدستور الجديد، خاصة وأن البرنامج الحكومي من ضمن ما أكد عليه في سياق حديثه عن المرأة وقضاياها، التزامه بتقوية السياسة العمومية الخاصة بمحاربة كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء. السيد رئيس الحكومة، نعرف جميعا أنه في سياق التحولات التي عرفها العالم مع مطلع سنوات التسعينات من القرن العشرين، ممثلة أساسا في صعود خطاب حقوق الإنسان وارتفاع أصوات الأقليات، وضمنها حقوق النساء، وتفاعلات مع نضالات الأحزاب الوطنية الديمقراطية والمنظمات الحقوقية والنسائية على المستوى الوطني، تحققت للمرأة في بلادنا بعض المكتسبات بالمبادرة أولا، إلى تعديل مدونة الأحوال الشخصية (1993)، دخول المرأة إلى قبة البرلمان التي طلت حكرا على الرجال (1993)، هذا فضلا، عن مصادقة المغرب على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة وتعديل بعض مواد قانون العقود والالتزامات والقانون التجاري. ومع مجيء حكومة التناوب برئاسة الأستاذ والمناضل التقدمي عبد الرحمان يوسفي الذي أكد في تصريحه الحكومي على ضرورة إنصاف النساء بالمبادرة إلى معالجة أوضعهن اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا. وتفعيلا لهذا الالتزام الحكومي أعلن المكلف بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة سعيد السعدي عن " الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، على إثرها انقسم الرأي العام الوطني إلى قطبين قطب الديمقراطيين والحداثيين المناصر لمضامين الخطة، وقطب المحافظين التقليديين المناهضين لها. جاء التحكيم الملكي لصالح مطالب الحركة النسائية العادلة، ونتيجة التوجه الحكومي التقدمي والمتنور، شكلت قضايا النساء أحد أوراش الإصلاح الكبرى الهامة التي باشرتها حكومة التناوب، حيث، تحققت مصالحة المغرب مع نسائه من خلال المنجز التشريعي الممثل في مدونة الأسرة، قانون الشغل، القانون الجنائي وقانون الجنسية، والتمكين السياسي الذي يتجلى في اللائحة الوطنية مع انتخابات 25 شتنبر 2002 والتمثيلية في الحكومة . والتأهيل العلمي الذي تعبر عنه المشاركة الفاعلة في الدروس الحسنية الرمضانية وتمثيلية النساء في المجالس العلمية، وعرف هذا الورش تراكما إيجابيا مع الحكومات التي أعقبت حكومة التناوب ( انتخابات 2009 وتجربة الدوائر الإضافية انتخابات نوفمبر 2011 وتوسيع اللائحة الوطنية). وفي سياق ثورة الربيع العربي والحراك المغربي جاء دستور 2011 ليفتح آفاقا تشريعية جديدة لصالح المرأة من خلال بنوده وفصوله ( كالفصل 29 164 )، وتأكيده في التصدير على سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تطلبه تلك المصادقة. لكن، الملاحظ أن الحكومة التي ترأسونها لم تنخرط بعد في تفعيل مأجرأة مضامين الدستور تجسيدا لالتزامات المغرب اتجاه المنتظم الدولي وذلك باقتراح نسخة جديدة من الحلول التي تتصدى لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء، خاصة وان التقارير التي انجزتها بعض الجمعيات ومراكز الاستماع المهتمة بالموضوع تؤكد خطورة استفحال هذه الظاهرة وانتشارها التصاعدي، وتأتي في مقدمة هذه الدراسات (البحث الوطني حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء) الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط الذي يؤكد في نتائجه وخلاصاته على الوضع الرهيب الذي تعرفه ظاهرة العنف ضد النساء (بين 9,5 مليون امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 18 و 64 سنة، تعرضت منهن ما يقارب 6 ملايين لأحد أشكال العنف خلال سنة 2009، أي بنسبة 62% منها 3,8 مليون بالوسط الحضري و2,2 مليون في الوسط القروي. كما أن بعض الدراسات الأخرى تؤكد على: - أن العنف ضد النساء يكلف في الجانب القضائي حوالي 70 مليون درهم سنويا. - أن العنف ضد النساء ينعكس سلبا على الأطفال إذ أن نسبة 65 % من الأحداث نزلاء السجون ومراكز إعادة التربية ينحدرون من أسر يمارس فيها العنف ضد الأمهات الشيء الذي يؤدي إلى الانقطاع والتوقف عن الدراسة وزيادة نسبة الهذر المدرسي رغم كل الجهود المبذولة قصد مواجهة هذه الظاهرة. السيد رئيس الحكومة، لا بد من الإشارة ونحن نتحدث عن العنف في شموليته، أن أولى المفارقات السلبية والتي سبق للفريق الاشتراكي أن أثارا أثناء مناقشة البرنامج الحكومي. تتمثل في ضعف تمثلية النساء في الحكومة (وزيرة واحدة ووحيدة) من بين 31 وزيرا. في الوقت الذي كانت المرأة ممثلة في الحكومة السابقة بنسبة 20 % إن هذا الوضع التراجعي لا يخدم السعي إلى تحقيق المناصفة ومناهضة كل أشكال التمييز ... ولا بد من الجهر بالحقيقة بأن الحكومة الأولى بعد الدستور الجديد أخطأت الموعد مع النساء ولم تعمل على تحقيق الملاءمة بين تمثيليتها في الحكومة. أن التبريرات المقدمة غير مقنعة كما أن بعض التصريحات الوزارية الأخيرة هي مجرد هروب إلى الأمام عندما تحاول أن ترجع ضعف تمثيلية النساء في الحكومة إلى غياب "الترميم الملكي" إن هذه التأويلات غير منطقية، خاصة أن رئيس الحكومة يتمتع بصلاحيات خوله إياها الدستور الجديد لم يسبق لوزير ا,ل سابق أن تمتع بها، لهذا ألا يعتبر هذا الموقف السلبي الذي يحرم المرأة من التمثيلية الوازنة في الوزارة نوعا من العنف الرمزي؟ من جهة ثانية ما نسجله كنقط سالبة مخلة بالالتزام الحكومي، خاصة على مستوى إعمال مقاربة النوع الاجتماعي في الترقي العادل والتنافس على المناصب العليا، يجسده إلى حدود الآن ترشيح لرجال حول هذه المناصب رغم توفر الإدارة المغربية على كفاءات نسائية مشهود لها بالمقدرة والتدبير الإداري الرشيد. وإذا انتقلنا إلى موضوع تزويج الفتيات القاصرات بالمعتدي عليهن فإن هذه الظاهرة يترتب عنها مآسي إنسانية، وخير مثال عن ذلك نموذج أمينة الفيلالي التي وضعت حدا لحياتها (يوم 10 مارس 2012) بعد صرخة مدوية تدين ظلم القانون الجنائي الذي يسمح بزواج المغتصب من ضحيته، وبالرغم من هذا الوضع المؤلم فإن الحكومة لم تبادر إلى الاجتهاد التشريعي من خلال تعديل القانون الجنائي من مقتضياته المتعلقة بالعنف الجنسي وخاصة الفصلين ( 486 و 475) وعدم تجاوبها مع مقترح القانون الذي تقدم به الفريق الاشتراكي في هذا الموضوع. كما أن تزويج الفتاة القاصر الذي يشكل استثناء حسب مقتضيات مدونة الأسرة، أصبح في ظل غياب الضوابط وتعدد اجتهاد القضاة يشكل القاعدة على مستوى التطبيق والممارسة، حيث تعرف هذه الظاهرة ارتفاعا ملحوظا، تؤكده العديد من الدراسات والإحصائيات، في هذا الصدد ألا يمكن اعتبار تزويج الفتاة دون السن القانوني اغتصابا للطفولة وعنفا ضد البراءة وإجهاضا لاكتمال نضج الأنوثة. لابد من الإشارة إلى أن من حسنات هذه الحكومة إحداث صندوق التكافل الاجتماعي الذي بدأت إرهاصاته الأولى مع الحكومات السابقة، لكن ما نؤاخذ على هذا الصندوق أن المنح التي يقدمها للنساء الأرامل والمطلقات رغم أهميتها فإنها تبقى محدودة في استهدافها لهذه الفئة من النساء ومهددة بما قد يتعرض له هذا الصندوق من عجز في المستقبل المنظور، ولهذا نوجه أنظار الحكومة أن تبادر إلى وضع استراتيجية شاملة لمواجهة تفشي البطالة والفقر بين النساء ومحاربة الأمية وهشاشة الحماية الصحية لدى النساء باعتبار هذه الآفات تغذي بطريقة غير مباشرة ظاهرة العنف في الفضاء العمومي وكذلك في القضاء الأسري. السيد رئيس الحكومة، إننا في الفريق الاشتراكي نتعاطى مع ظاهرة العنف ضد النساء في شموليتها بعيدا عن المقاربة التجزيئية ونعتبر أن هذا الظاهرة المجتمعية يمكن محاربتها وتهذيبها عن طريق التمكين الاقتصادي للنساء والتربية على المواطنة وسن العقوبات الزجرية العادلة التي لا تساوي بين المعتدي والضحية وذلك: 1- إصدار قانون إطار يعالج معضلة العنف ضد النساء في مختلف تمظهراته الجسدية والجنسية: الاقتصادية والنفسية ويضمن الحماية والوقاية. 2- إعداد استراتيجية حكومية منصتة ومتفاعلة مع استراتيجية المجتمع المدني. 3- إخراج مرصد لرصد وتتبع ومعالجة ظاهرة العنف ضد النساء. 4- النهوض بصورة المرأة في وسائل الإعلام السمعي البصري. تجاوبا مع التقرير الذي أعدته الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. كما يدعو الحكومة إلى تفعيل الدستور في جوانبه ومقتضياته المتعلقة بالمرأة خاصة الفصول 19-32-164.