بعضها انهارت، لتفسح المجال للإسمنت المسلح، وبعضها ماتزال تصارع من أجل البقاء، وتبقى أسوارها شاهدة على سنوات من الزمن الجميل. "الكواكب"، "الأطلس" و"المامونية" "العثمانية"، البيضا" "الأوبر" وغيرها من القاعات بشعبيات الدارالبيضاء، دور سينمائية لم تتبقى إلا أسمائها، فبعد سنوات إهمال، اضطرت إلى إغلاق أبوابها، وجمع كراسيها، وسحب شاشاتها، وحتى الشيخ الذي ينير بمصباحه الطريق بحثا عن مكان في قاعة شعبية. للمغاربة ذكريات جميلة مع القاعات، وللقاعات ذكريات جميلة مع أفلام "ويسترني" والأعمال العالمية، والرقصات الهندية، والأكشن الأمريكي، والبساطة الفرنسية، والأناقة الإيطالية... للمغاربة قصص كثيرة، مع شاشة القاعات الشعبية، وذكريات من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، صارت نسيا منسيا وصار لواقع القاعات السينمائي صورة أخرى. شهرزاد.. أيام الزمن الجميل "شهرزاد"، سينما بقلب درب السلطان، بالبيضاء، أمتار قليلة تبعدها عن محج محمد السادس، حركة المارة لا تتوقف بمحيطها، وصمت رهيب بداخلها، عوادم السيارات وضع حديد أبوابها، والنسيان ترك بناياتها منتصبة بمصير مجهول. نعود بعجلة الزمان للوراء، وبالضبط خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، حينما كانت لدور السينما قيمة وكانت الكراسي ساخنة بحميمية المتفرجين، حينها كان أبي يحكى عن أفلام شهيرة عالمية عرضت هنا، وكان يحكى عن صور «كيغك دوغلاس» و«جون واين» و»تيلي سافالاس»... على شاشات سينما «أمبريال» و»فيكتوريا».. كانت العائلات مجتمعة تقصد "شهرزاد" لمشاهدة العروض المسرحية، كان الأحد يوم الأطفال بامتياز، تذاكر العرض تباع قبل يومه بأيام، والأفلام الأجنبية كانت تجد لعشاقها وجود. "كل أحد كنت أقصد شهرزاد بمعية أبني لمشاهدة عروض الأطفال، وفي باقي أيام الأسبوع كنت أرافق أصدقائي لمشاهدة الأفلام الأجنبية وبعض العروض المسرحية، أما اليوم فمشهد البناية يعبر عن وضع مغاير لا يليق بمكانتها" بحسرة، يروي عبد الواحد أياما قد خلت، له معها ذكريات لن يمحوها التلفاز، ولن يقاومها الإنترنت، ولن يزاحمها مجتمع التقنيات الحديثة. سينما "الزهراء".. توفيت بداية القرن الجديد بشارع بني مكيلد بالبيضاء، تواجدت سينما "الزهرء"، قاعة نخرتها القذارة و الأوساخ مع توالي السنوات، لم تعد مهجورة كسابقاتها، بل جعلها ممول حفلات مستودعا لكراء الكراسي والموائد. كيف جرت الصفقة ؟ ومع من ؟ لا أحد يعلم. ممول الحفلات وضح ل"بيان اليوم" تفاصيل "الزهراء" وماضيها، وأردف قائلا: "وجدتها في حالة يرثى لها، تلوثها الأوساخ والقذارة، فئران وجردان تتكاثر بداخلها، ونتانة تنهك صحة من جاور المكان، نظفتها، وحسنت مظهرها داخليا و خارجيا، لم أتفاوض مع أحد، واستغللتها كمستودع لمعداتي". وأضاف، " أتفق مع من حرم السينما إسلاميا، صارت أوكارا للدعارة، فلم يعد للفن وجود وأعتقد أن إنتاجاتنا الوطنية لم تعد مغرية بالمشاهدة ". استغلال جائر، بعد إهمال و تجاهل، هكذا انتهى المطاف بأبهى الأماكن الفنية لتعود محط تساؤلات مطروحة، لم يجد لها أحد جواب. سينمات البيضاء.. وكر للدعارة بامتياز قاعة بقلب إحدى الأسواق الشعبية، وسط زحمة السوق تقف بنايتها منتصبة، لا يختلف اثنان على أنها كانت ملاذ لعشاق "بوليود"، لكن الفرجة لم تعد تغري المترددين عليها، فحولتها أذهانهم لوكر جنس ودعارة، لا يهتمون بمن يجاورهم من الجالسين، هذفهم منصب في إشباع شهواتهم الجنسية لاغير. "إن أردت اصطحاب فتاة لمكان ما، أجد ضالتي في الذهاب بمعيتها نحوها. سينما بمشاهد مغرية من حين لأخر، نجلس بعيدا عن أنظار المارة، ولايرقبنا أحد ..." عبارة تبين الغاية الأساسية التي تغري م.بوبكر، أما نوعية الأفلام فلا تهمه، الأمر كله يتوقف على شجاعته في اقتراف أفعال المراهقين. بوبكر ليس بمراهق يمضي أصعب فترات شبابه بل رجل في عز أربعينيات العمر، يعمل كبائع متجول ومن حين لآخر، ويُفريغ روتين أيامه في ملاذه الوحيد. *معطيات لا بد منها تشهد القاعات السينمائية في مختلف المدن المغربية تراجعا حادا، وأسر مصدر مقرب من المركز السينمائي المغربي بأن عدد القاعات السينمائية حدد سنة 1980 في 245 قاعة في المغرب، بدأ بالتراجع بشكل تدريجي، وعرفت سنة 2004 إغلاق 4 قاعات، في حين عرفت سنة 2005 إغلاق 15 قاعة وأغلقت 26 قاعة أبوابها في سنة 2007، وأكد المصدر أنه ما بين 2007 و2009 أصبح المغرب يتوفر على أقل من 70 قاعة سينمائية. وهو رقم قريب إلى حد بعيد من الرقم الذي قدمه موقع المركز السينمائي المغربي، فوثيقة المركز تحصر عدد القاعات المشتغلة إلى حدود الثالث من يونيو 2009 في 51 قاعة، في حين أن عدد الشاشات إلى حدود التاريخ السالف الذكر وصل إلى 75 شاشة. تراجع في القاعات وازاه تراجع في عدد الوافدين على هذه الفضاءات، وذكرت المصادر أن سنة 1980 حققت عددا مهما لمرتادي القاعات السينمائية بلغ 45 مليون تذكرة بساكنة تصل إلى نصف الساكنة الحالية، وفي مقابل ذلك أقفلت سنة 2007 على رقم بعيد جدا عن رقم الثمانينيات حدد في 3 ملايين و376 ألفا و452 تذكرة، بتراجع قياسي، في وقت ارتفعت فيه نسبة الساكنة في المغرب».