يعيش الشارع الفلسطيني هذه الأيام، حالة من الارتباك، نتيجة تضارب التصريحات السياسية الفلسطينية حول الهبة الجماهيرية التي شهدتها الضفة الغربية خلال الأيام الماضية، تنديدا باستشهاد الأسير عرفات جرادات تحت التعذيب في سجون الاحتلال ودعما للأسرى المضربين عن الطعام. وفي ظل التباين الذي شهدته الساحة السياسية الفلسطينية، بشأن تأجيج الهبة الجماهيرية «هبة الحجارة» في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أو تهدئتها، انحسم ذلك التباين لصالح التهدئة، بعد أن التقط الشارع الفلسطيني الرسائل الموجهة له من صانع القرار بالضفة الغربية، بأنه ليس مطلوبا انتفاضة ثالثة تستخدم فيها الحجارة، بل المطلوب استبدال تلك الحجارة بالشموع. وعلى ذلك الصعيد، التقط العديد من الشبان الفلسطينيين الرسائل السياسية، حيث صاح شاب في العشرين من عمره بالقرب من حاجز قلنديا العسكري الفاصل ما بين منطقة رام اللهوالقدسالمحتلة على زميل له عصر الثلاثاء الماضي، خلال مواجهات شهدتها المنطقة قائلا :»ما ترمي حجار، ولك اللازم انولع الشموع». وفي ظل الدعوات السياسية الداعية للاحتجاجات السلمية، وانتشار قوات الأمن الفلسطينية في مناطق الاحتكاك، لمنع المواجهة بين الشبان وقوات الاحتلال، تشهد الأراضي الفلسطينية دفعا نحو انتفاضة للشموع بمشاركة المتضامنين الأجانب بعيدا عن الحجارة وغيرها من الوسائل التي تعود عليها الفلسطينيون في التعبير عن احتجاجهم ومقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي. وفيما تدفع القيادة السياسية برام الله، إلى سلمية مظاهر الاحتجاج الفلسطينية، بات الشارع الفلسطيني في حيرة من أمره، بين من يدعو ويعمل على تهدئة الأوضاع وبين فصائل تطالب باستمرار الاحتجاجات الشعبية، الأمر الذي دفع الكثير من الفلسطينيين للعزوف عن الاستمرار بالمشاركة في الهبة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية تنديدا باستشهاد جرادات تحت التعذيب وتضامنا مع الأسرى المضربين عن الطعام. وذلك العزوف عن المشاركة، مرده لاقتناع الكثير من الأهالي بان مقاومة أبنائهم للاحتلال سيتم استثمارها في نهاية الأمر من قبل «فئة من السياسيين الفلسطينيين الجالسين في الفنادق»، على حد ما قاله المواطن أبو علي الذي كان متكأ على سور في مخيم عايدة للاجئين ببيت لحم، رافضا لإلقاء أطفال المخيم الحجارة على قوات الاحتلال على حاجز قبة راحيل شمال المدينة، ذلك الحاجز الذي يفصل منطقة بيت لحم عن القدس. وقال أبو علي للقدس العربي، «أنا ضد أن يلقي هؤلاء الفتية والأطفال الحجارة على أولاد00 -جنود الاحتلال- ليس استجابة لدعوة السلطة لسلمية المقاومة، بل لان أبناءنا يضحوا بأنفسهم وفي نهاية الأمر السياسيين الجالسين في الفنادق هم المستثمرون والمرفهون، وأبناؤهم في المدارس يدرسون وأبناؤنا يلعنون...». وكان حديث أبو علي الذي تجاوز الخمسين من العمر، يعبر عن عدم رغبته بالمقاومة والتضحية من قبل أبناء الشعب الفلسطيني، لان المستثمر لمعاناتهم في نهاية الأمر هم السياسيون الفلسطينيون الذين أبنائهم في الملاهي لاعبين وعلى مقاعد الدراسة جالسين وليس لهم علاقة مع الأطفال والشبان المقاومين خشية من إصابتهم بسلاح المحتلين، أو للغاز المسيل للدموع مستنشقين. وإذا ما قدر لك أن تستمع لما يجري في مجالس الفلسطينيين سواء السياسيين أو المواطنين العاديين، ستلاحظ بان هناك قرارا بسلمية الاحتجاجات الشعبية من قبل السياسيين، وإذا اقتضى الأمر تفصيل «انتفاضة على مقاس السياسيين»، في حين ستلاحظ، بان هناك عزوفا في صفوف المواطنين عن دعم المقاومين أو المشاركة بالمقاومة، لان أبناء المسؤولين في بيوتهم جالسين وأمام التلفزيون متابعين لأبناء البسطاء الذين على حواجز الاحتلال الإسرائيلي راشقين للحجارة وللغاز المسيل للدموع مستنشقين. وعلى وقع تلك الصورة، تشهد الأراضي الفلسطينية انقساما بشأن استمرار المواجهات الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي خاصة ما بين من يطالب بسلميتها ومن يطالب بتأجيجها. ففي حين، أكدت منظمة التحرير الفلسطينية، عبر لجنتها التنفيذية على سلمية الهبة الجماهيرية الفلسطينية التي تشهدها الضفة الغربية لنصرة قضية الأسرى في السجون الإسرائيلية، ودعت عقب اجتماع لجنتها التنفيذية الثلاثاء إلى «عدم الانجرار لاستفزاز قوات الاحتلال ومستوطنيه»، طالبت حركة الجهاد الإسلامي جماهير الشعب الفلسطيني لمواصلة النضال ومقاومة الاحتلال بشتى الوسائل. وحذرت حركة الجهاد الإسلامي الأربعاء الماضي، من التعاطي مع دعوات وأد الهبة الجماهيرية التي تنتفض في كافة محافظات الضفة احتجاجاً على السياسة الإسرائيلية بحق الأسرى، وقالت في بيان لها: «نرفض دعوات ومحاولات تحويل مجرى مواجهات الضفة إلى تظاهرات سلمية». وتابع بيان الجهاد الإسلامي قائلا: نعلن رفضنا التام للدعوات والمحاولات التي تُبذل لتحويل مجرى المواجهات إلى تظاهرات سلمية تأخذ طابعاً استعراضياً، ولا تُشكل تهديداً أمنياً واستنزافاً للاحتلال، ما يُمثل إجهاضاً للهبة الجماهيرية. وجاء رفض الجهاد الإسلامي، ومن خلفها حماس، لتحويل مجرى المواجهات في الضفة إلى تظاهرات سلمية متناسقا، مع دعوة عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رباح مهنا للجماهير الفلسطينية بالضفة الغربية لمواصلة تصديها للاحتلال وممارساته، مطالباً الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتوقف عن منع الجماهير الفلسطينية من ممارسة حقها الطبيعي والشرعي في مواجهة الاحتلال. وأكد مهنا في تصريح إذاعي الأربعاء الماضي، بان أبناء الشعب الفلسطيني موقفهم مغاير لموقف اللجنة التنفيذية التي دعت الجماهير الفلسطينية إلى عدم الانجرار إلى استفزاز قوات الاحتلال ومستوطنيه، مشدداً «أن المقاومة الشعبية الجدية تعني المواجهة بكافة أشكال التظاهر، والتصدي بأي وسيلة للعربدة الصهيونية في الضفة الفلسطينيةالمحتلة»، متهما السلطة من خلال أجهزتها الأمنية بالعمل على منع المواجهات الشعبية مع قوات الاحتلال. وفي ظل تلك المطالبة القادمة من قطاع غزة من قبل الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية الداعية لتصعيد المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، تطالب حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بسلمية الاحتجاجات الشعبية والابتعاد عن مربع العنف الذي يخدم في نهاية الأمر الاحتلال الإسرائيلي. وعلى ذلك الصعيد، شدد عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المفوض العام للعلاقات العربية والصين الشعبية، على أن الحركة لم تدع للكفاح المسلح خلال هذه المرحلة، وأن المقاومة الشعبية الفاعلة أكثر نجاعة في لجم الاحتلال الإسرائيلي ومنعه من استخدام ترسانة أسلحته ضد الفلسطينيين. ودعا زكي إلى خروج عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الطرق الالتفافية وقطع الطرق على المستوطنين، وتفعيل المقاومة الشعبية بالضفة كي تصل الرسالة واضحة للعالم، بأن الشعب الفلسطيني لا يصمت على اغتيال وإعدام أبنائه في السجون. واعتبر زكي، أن الحركة لم تدع للكفاح المسلح في المرحلة الحالية، لأن الوضع الفلسطيني البائس والانقسام والوضع العربي المنشغل بذاته وامتلاك إسرائيل لترسانة أسلحة تدميرية، كلها عوامل لا تشجع لقرار الكفاح المسلح، وقال «ولن ننجر الى مربع تكون إسرائيل رابحة فيه». وفي ظل تضارب التصريحات في صفوف الفصائل الفلسطينية وقيادة العمل السياسي الفلسطيني، بات المواطن حائرا ما بين مقاومة بالشموع برفقة المتضامين الأجانب والاعتصام هنا وهناك، وبين داعي لاستخدام كل وسائل المقاومة بدأ بالحجر وانتهاء بالاسلحة النارية. وفي ظل الحيرة التي يعيشها الكثير من الفلسطينيين بات هناك شبه إجماع في صفوفهم بان المستثمرين سواء لانتفاضة الشموع أو لانتفاضة الحجارة في الفنادق جالسين في نهاية الأمر وعلى موائد طعامهم مترفهين وأبنائهم عن رصاص الاحتلال وغازه بعيدين وأمنين.