برغبة شديدة كسرت كل القيود، وقوة حديدية بلا حدود، استطاعت حفيظة فلاحي، رئيسة جمعية الألفية الثالثة للتنمية والتواصل، أن تكسب رهان محاربة التحكم والقهر وآفات التخلف والجهل لتنصب نفسها منذ أزيد من عقد من الزمن، سفيرة المرأة القروية المحرومة من أبسط حقوقها وفتاة الأرياف المنقطة عن الدراسة فوجدت لهما فرصة ثانية في الحياة. والسيدة حفيظة امرأة بسيطة وربة بيت، من مواليد مدينة مراكش سنة 1962، تنحدر من أصول بدوية بمنطقة الرحامنة. تقول إنها كانت جد محظوظة لكونها نالت نصيبها من التعلم وسط أسرة متعددة الأفراد، وتعتقد أنه لو لم تتوفر لها هذه الفرصة لكان مصيرها مشابها أو أسوأ مما هو عليه حال العديدات من رفيقات دربها. هذه المرأة التي جمعت بين التزامات بيتها وإكراهات تربية أبنائها الستة وأهداف الرسالة النبيلة التي تضطلع بها، لم يكن اختيارها الانخراط في العمل الجمعوي ترفا لسد الفراغ أو كسر رتابة همومها اليومية، بل جاء نتيجة إصرار وعناد من أجل تغيير واقع مرير عاشته وتعيشه في محيطها القروي بكل من سهول وهضاب الرحامنة والسراغنة. وترى حفيظة أن «قساوة الطبيعة والمناخ بهاتين المنطقتين لا ينبغي أن تنعكس سلبا على المرأة والفتاة القرويتين. وإذا لم يكن لهما صوت ولا رأي في مجتمع فرض عليهما الخضوع والاستكانة، فمن العار أن نترك، لما أسمته بالمجتمع الذكوري، فرصة تكملة ما فرضته الطبيعة عليهما قهرا». لهذه الأسباب أقحمت حفيظة فلاحي نفسها في معارك متعددة الجبهات، بتضاريس شائكة ومعقدة، انطلقت في خوضها من البداية حيث تسلحت بالتكوين والإلمام بتقنيات التنشيط والتواصل وتأطير الجمعيات والتعاونيات ذات الصلة بالمرأة القروية. ثم ساهمت بعدها في تأسيس تعاونيات نسائية متخصصة في تثمين المنتوجات المحلية مثل الكسكس المنسم بالأعشاب الطبية الذي مثلت به المغرب في كثير من الملتقيات الدولية. كما ابتكرت مجموعة من الوجبات المستوحاة من أصناف الأطعمة المغربية الأصيلة كالكسكس المنسم بالصبار وإيلان، إلى جانب إسهامها في إحداث مراكز للتكوين في التدبير المنزلي والتأهيل الفلاحي بكل من قلعة السراغنة وابن جرير وسيدي بوعثمان لتكوين النساء القرويات والفتيات المنقطعات عن الدراسة قصد التخصص في إحدى مجالات فنون الطبخ والمهن الفلاحية لتمكينهن من شهادات معترف بها توفر لهن منصب شغل أو تفتح لهن فرصة إحداث مقاولاتهن. وذهبت هذه المرأة إلى أبعد من ذلك حيث لم تكن تفوت فرصة تمثيل المغرب في الملتقيات الدولية في أوروبا والولايات المتحدة واليابان والبلاد العربية، دون أن تمهد خلالها لإبرام شراكات تساهم معها في تحقيق الأهداف التي رسمتها ضمن استراتيجية عملها في جمعية الألفية الثالثة لفائدة المرأة القروية. من جهة أخرى، وجدت السيدة حفيظة ضالتها في ما جاءت به المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عند انطلاقتها سنة 2005، من مشاريع مدرة للدخل لفائدة الفئات المعوزة في الوسطين الحضري والقروي إذ يرجع لها الفضل في ميلاد مجموعة من المشاريع التي استهدفت شريحة هامة تقدر بنحو 820 من النساء القرويات بهذين الإقليمين. وقد توج مسار هذه المرأة في عدد من المحافل والتظاهرات الوطنية والدولية وتم تكريمها من طرف المنظمة الأممية للأغذية والزراعة وعدد من القطاعات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، تقديرا للجهود التي تبذلها كفاعلة جمعوية متميزة.