مما لا شك فيه أن العادات والتقاليد تشهد تطورا يمكن اعتباره طبيعيا، في ظل التحول الكبير الذي يشهده المجتمع المغربي، المتأثر بالمنتجات الجديدة، الخالقة بدورها لحاجيات جديدة لا تلبث أن تصبح ضرورية، وبالتالي تغير نمط الاستهلاك لدى المواطنين. وتخضع العطل بصفة عامة، والعطلة الصيفية بشكل خاص، للمنطق ذاته، إذ بات اللجوء إلى المنتجات الجديدة المتعلقة بالأسفار الداخلية والخارجية والتخييم سلوكا طبيعيا، يخلق حاجيات مختلفة، وعروضا متفاوتة وقدرات المواطن المغربي على اقتنائها . فبعد أن كان الشاطئ والنهر والمسبح والغابة والجبل وزيارة الأقارب اختيارات محدودة، بالنسبة للأجيال الأولى، لقضاء العطلة الصيفية، أضحى بالإمكان اليوم اللجوء إلى هذه المنتجات الجديدة حسب الإمكانات المادية المتوفرة، أو وفق قابيلة الإذعان لشروط الأبناك ومؤسسات القروض الاستهلاكية. وعموما يفضل جزء كبير من المغاربة المدن الساحلية وبعض المدن السياحية الداخلية. واللافت للانتباه اليوم، هو لجوء العديد من الأسر إلى كراء الشقق كبديل عن الفنادق بعد «فشل» صيغة «كنوز بلادي» التي أطلقتها وزارة السياحة منذ سنة 2003، بشراكة مع المهنيين، بهدف التعريف بالبلاد وتشجيع السياحة الداخلية وحث شرائح واسعة من المواطنين المغاربة على استكشاف ما تزخر به بلادهم من مؤهلات سياحية وترفيهية، في الشواطىء والجبال والمدن. فصيغة «كنوز بلادي» تندرج، زيادة على ارتباطها بمخطط «رؤية 2010»، في إطار برنامج تنمية السياحة الداخلية، الرامي إلى الرفع من عدد الأسفار بمناسبة العطل من 5,9 مليون المسجلة سنة 2003 إلى أكثر من 7,2 مليون سنة 2010، والرفع من عدد المبيتات في المؤسسات الفندقية المصنفة إلى 2 مليون، أي ما يعادل زيادة بنسبة 82 في المائة، وتقليص الإيواء غير التجاري إلى 72 في المائة، والرفع من الإيواء التجاري المنظم إلى 28 في المائة. الفكرة تعتبر، من دون شك، سديدة، بالنظر إلى الحوافز التي تقدمها على مستوى خفض أسعار المبيت في المؤسسات الفندقية بنسبة 50 في المائة، وتوفير امتيازات بالنسبة إلى الأطفال المرافقين لذويهم، وتقديم وجبات الفطور مجانا، إضافة إلى خفض أثمان النقل بالنسبة إلى السياح الذين يتوفرون على الحجوزات في الغرف. بيد أن الفكرة لاقت مقاومة العديد من أرباب الفنادق والمؤسسات الإيوائية، الذين برروا العزوف عن تطبيق مضامينها بارتفاع التكاليف المتمثلة في كثرة الضرائب والرسوم، فضلا عن ارتفاع تكاليف المستخدمين واليد العاملة والكهرباء والماء والصيانة ...وبالتالي، لجأوا إلى فرض ما يسمونه التسعيرة الحقيقية، التي لا يبدو أنها قادرة على تحقيق معدلات الملئ المرجوة، ولا على كسب وفاء الزبائن من المغاربة، ليس فقط خلال الفترة الصيفية، بل أيضا أثناء باقي العطل السنوية. هذه التسعيرة تجعل العطل في المغرب مكلفة جدا، مقارنة بدول أخرى منافسة كإسبانيا وتونس ومصر وتركيا. وهي وجهات ثلاث تستهدفها وكالات الأسفار المغربية، مدعومة بالمنتجات الجديدة التي تقدمها الأبناك ومؤسسات السلف، التي باتت هي الأخرى تنوع إغراءاتها لتقليص الضغط الذي يفرضه السفر على جيوب الأسر التي تضع هذه السنة في الحسبان حلول شهر رمضان خلال الأسبوع الثاني من شهر غشت القادم. وهو معطى يؤثر على اختيار الوجهة وعلى المدة الزمنية المخصصة للاستجمام التي لجأ الكثيرون إلى تقليصها لحصر المصاريف في حدود معقولة . بهذا الخصوص خاب أمل الكثير من المغاربة ممن كانوا يأملون السفر إلى تركيا وإسبانيا شهري يوليوز وغشت، حيث تم حجز كل الأماكن عبر الوكالات السياحية، وأصبح من الصعب العثور على وكالة سياحية بإمكانها أن تُقل الراغبين في السفر قبل شهر رمضان. وبالموازاة مع ذلك اشتدت حمى المنافسة بين الوكالات السياحية لاستقطاب المسافرين نحو مصر، إذ نزل السعر إلى 10000 درهم لقضاء أسبوع واحد بها. وأجمع عدد من ممثلي الوكالات السياحية، الذين اتصلت بهم بيان اليوم، أن تونس ومصر تبقيان الوجهة السياحية المفضلة للعائلات المغربية، نظرا لانخفاض أسعار الخدمات وجودتها مقارنة بما تقدمه المرافق السياحية المغربية. وتشير أرقام حصلت عليها بيان اليوم، من الوكالات السياحية، أن 92 بالمائة من الرحلات المبرمجة هذا الصيف متوجهة إلى مصر، بالنظر إلى الأسعار المغرية للرحلات المنظمة لكبريات مناطقها السياحية . طبعا لا يسعى كل المغاربة إلى تخصيص ميزانيات معينة للسفر بعيدا عن المغرب، أو على الأقل، عن فضاءات قضوا فيها شهورا طويلة من العمل. فمنهم من لم يبتسم له الدهر ابتسامة واحدة تمنحه حق التمتع المشروع بالسفر. فتلقاه يكابد في فصل الصيف آلام النفس ولواعجها، مكتفيا بشاطئ قريب أو منزويا في بيته، كما يجري في العديد من المدن والقرى المغربية الصغيرة والمتوسطة، التي لا تتوفر على مسابح عمومية تمتص حرارة أجساد المواطنين في الفصل القائض. فباستثناء الفضاء الجميل الذي جرى تدشينه ببني ملال مؤخرا، تشكو العديد من مدننا الداخلية والمهمشة من موسم «الجحيم» نظرا لغياب المسابح والأماكن التي تقي الساكنة من الحرارة المفرطة التي قد تفوق 48 درجة. بل من هذه المدن والقرى، من عمدت مجالسها إلى إغلاق أبواب مسبح يتيم، بدعوى غياب اعتمادات إصلاحه أو نتيجة تمريره لناد للسباحة أضحى ملكا له يستعمله كمدرسة لتعليم منخرطيه مقابل واجبات شهرية. ولا يجد المواطنون المحرومون في بعض هذه المدن بدا من البحث عن أقرب مصدر للعيون والوديان والنافورات العمومية غير مبالين بمخاطر الغرق، ولا بتبعات السباحة في الفضاءات الملوثة، حاملين في عيونهم أسئلة مشروعة حول نصيبهم من مشاريع التنمية، وحول حقهم في الترفيه والاستجمام، وحول حقهم في مساءلة ما يهدر من ميزانيات في مشاريع لا تفيد، خاصة في فصل الصيف الذي يعري، أكثر من باقي الفصول، واقع الفوارق الاجتماعية والمجالية في المغرب.