حين ينجح قبس الإبداع في مواجهة ظلام التطرف يقول أحد أبطال فيلم «المغضوب عليهم لمختطفه المتطرف:» أَنَا وِيَاكْ رَا بْحَالْ بْحَالْ، كَاعْ بَاغِينْ نْبْدْلُو شِي حَاجَة فْهَادْ لْبْلَادْ، غِيرْ الْفْرْقْ بِينِي وْ بِينْكْ هُوَ اَنَّ الطَّرِيقَة دْيَالِي إِلَى مَا صْدْقَاتْشْ، رَا مَا مَاتْ حْدْ». ربما تختصر هذه العبارة مضمون الشريط السينمائي الطويل «المغضوب عليهم» للمخرج محسن بصري، الفيلم الذي أتيح للنقاد والسينمائيين وممثلي وسائل الإعلام الوطنية فرصة مشاهدته في عرض قبل الأول مساء الجمعة الماضي بالدار البيضاء، والذي تم تصويره بالمغرب سنة 2011 من إنتاج مغربي / سويسري، مدة عرضه 88 دقيقة. وقد تميزت أمسية العرض الأول بحضور كثيف للنجوم المغاربة نذكر من بينهم للذكر لا الحصر محمد مفتاح، منى فتو، سعيد الناصري، وبطبيعة الحال طاقم الفيلم، إضافة إلى النجم المصري محمود عبد العزيز الذي عبر في كلمة مختصرة عن إعجابه بهذا العمل. «المغضوب عليهم» سيعرض بالقاعات الوطنية، بكل من الدار البيضاء، مراكش، فاس، الرباط وطنجة بداية من الأربعاء القادم بعد أن مثل المغرب في العديد من المهرجانات وفاز بالعديد من الجوائز الدولية والوطنية المهمة وحصل السنة الماضية، على جائزة نجيب محفوظ لأحسن فيلم عربي في الدورة 35 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وتنويهين خاصين من مهرجاني «كارلوفي فاري» التشيكي و»فاميك» الفرنسي، كما فاز بجائزة لجنة تحكيم المهرجان الوطني للفيلم بطنجة. وتقوم فكرة الفيلم، الذي لعب أدواره الرئيسية كل من جميلة الهوني، وماريا لالواز، وعمر لطفي، وأمين الناجي، ومصطفى الهواري، وعصام بوعلي، وعبد النبي البنيوي، وربيع بنجحيل، على الحوار وقبول الآخر، من خلال قيام ثلاثة شباب متطرفين بأمر من أميرهم الروحي باختطاف فرقة مسرحية كانت تستعد لجولة فنية وخلال فترة احتجازهم، وفي انتظار وصول الأوامر من الأمير، ينشأ حوار بين الخاطفين والمختطفين، إذ يستعرض كل واحد حياته وتجاربه الإنسانية، فيحدث تفاعل إنساني بين الجميع، ليكتشف الخاطفون عبثية القضية. من جهة... ومن جهة أخرى يتحدث الشريط عن رجال لا يتحملون شروط الحياة اليومية في غياب رؤية واضحة لمستقبل أفضل، يضيعون في مغرب يتغير، ويستعد للدخول في الحداثة. حداثة يرفضونها وينبذونها، ليختاروا بديلا عنها النزوع نحو الفكر الديني الظلامي. رجال ونساء من نفس البيئة ويعيشون نفس الظروف، يتمردون على الواقع ولا تشكل الحداثة بالنسبة إليهم شعارا سياسيا، و من ثمة يستغلون هبوب نسيم الحرية الناتج عن التغيير الذي يعيشه المغرب من أجل التعبير عن أفكارهم. ويشكل المسرح لهم أنجع وسيلة للنضال في سبيل الحرية بدل الانغماس في الأفكار الظلامية الذي اختاره الآخرون. قد لا تتاح فرصة اللقاء بين الفريقين في الواقع، فالأحكام المسبقة لدى كل طرف تجاه الآخر تمنعهما من رؤية الجانب الإنساني الكامن خلف اللحية الطويلة والتنورة القصيرة. ينجح فيلم «المغضوب عليهم» في خلق اللقاء كما أن سبعة أيام من الإحتجاز ستكون كفيلة بأن تجعل الشك يحل مكان اليقين، وبأن تتم مسائلة الذات، والتأكد أن الانسانية أكبر من أي اختلاف. «المغضوب عليهم» هو لحظة يتواجه خلالها الإبداع مع قوى الظلام والرجعية، ويقترح الفيلم الفن والثقافة كسلاح لمواجهة المد المتطرف، الذي يعتبر نتيجة بديهية لسياسة الحكومات الحالية في بلدان كل طموح شعوبها العيش بسلام وكرامة. *محسن بصري في سطور رأى محسن بصري النور سنة 1971 في مدينة مكناس بالمغرب. تابع دراسته الجامعية بشعبة الفيزياء بكلية العلوم بمدينة الرباط، وقام بآداء بعض الأدوار الصغيرة في عدة أفلام، قبل أن يختار التوجه نحو سويسرا لدراسة الإعلاميات. هناك، سيشتغل محسن بصري بالمالية قبل أن يصير مدرسا للرياضيات. في هذه الأثناء، لم يتخل البصري عن حبه للسينما فيعود إليها ليروي الحكايات. بعد تجارب متعددة كمساعد مخرج، سيتولى محسن بصري إخراج فيلمين قصيرين، ثم يشارك في كتابة سيناريو الشريط الطويل «عملية الدارالبيضاء» لمخرجه لوران نيغر. ليتفرغ إثر ذلك لكتابة فيلمه «المغضوب عليهم». فيلموغرافيا إخراج شريط «المغضوب عليهم» 2011: شريط سينمائي طويل إنتاج «أكا فيلم» (سويسرا) وتماوايت للإنتاج (المغرب). مشارك في كتابة سيناريو الشريط السينمائي الطويل «عملية الدارالبيضاء›› 2011 لصاحبه لوران نيغر. كاتب سيناريو الجزء الثاني من سلسلة ‹›حيدي›› (2008) . مخرج الشريط السينمائي القصير ‹›الفردوس›› (2007) الذي حصل على جائزة الشعاع الذهبي في المهرجان السينمائي ‹›كل الشاشات›› للأفلام القصيرة سنة 2008. مخرج الشريط السينمائي القصير «كافكا: حيا أو ميتا» (2006) فيلم قصير (تتمحور قصته حول سنوات الرصاص في المغرب).