انقسام مكونات الساحة السياسية التونسية حول مبادرة رئيس الحكومة الرامية إلى تشكيل حكومة تقنوقراطية مصغرة انقسمت مكونات الساحة السياسية التونسية حول مبادرة رئيس الحكومة، حمادي الجبالي، الرامية إلى تشكيل حكومة تقنوقراطية مصغرة أو حكومة «كفاءات وطنية» كما وصفها، بين مؤيد ومعارض، في ظل جدل حاد حول كيفية الخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد بعد فشل أطراف الائتلاف الثلاثي الحاكم في الاتفاق حول التعديل الوزاري رغم ما عرفه من مفاوضات طويلة وعسيرة كادت تفجر التحالف الهش بين الإسلاميين والعلمانيين. ومما زاد في تعميق هذه الأزمة التي تراوح مكانها منذ عدة شهور، حادث الاغتيال الذي راح ضحيته المعارض السياسي شكري بلعيد، على يد مجهولين، وما انجر عنه من تصعيد في لهجة المعارضة واتهامات توجهها للحكومة وتحميلها المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع في البلاد من تدهور أمني واحتقان اجتماعي، مطالبة باستقالة الائتلاف الحاكم وحل المجلس الوطني التأسيسي المنتخب. في غضون ذلك، أطلق الرئيس التونسي، منصف المرزوقي، مشاورات مع زعماء الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية في محاولة لإيجاد توافق يساعد على الخروج من هذه الأزمة السياسية التي تلقي بظلالها على الاستقرار العام في البلاد وتغذي حالة الاحتقان التي يعيشها الشارع التونسي. وفي ظل هذا الجو المشحون، تجري اليوم وسط إجراءات أمنية مشدد وإضراب عام في مختلف أنحاء البلاد، مراسيم تشييع جنازة السياسي الراحل بلعيد في موكب رسمي يشرف عليه الجيش بتعليمات من الرئيس منصف المرزوقي، القائد الأعلى للقوات المسلحة. وقد اختلفت مواقف الأطراف السياسية إزاء مبادرة الجبالي للخروج من الأزمة، فبينما رحب بها البعض، سارعت حركة النهضة، التي يتولى الجبالي نفسه أمانتها العامة إلى رفض هذا التوجه، حيث اعتبر نائب رئيس الحركة، عبد الحميد الجلاصي، أن تونس «مازالت في حاجة إلى حكومة سياسية ائتلافية» على أساس نتائج انتخابات أكتوبر 2011 ، التي احتلت فيها النهضة المركز الأول من حيث عدد المقاعد، وبذلك شكلت الائتلاف الحالي، الذي يضم أيضا كلا من حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» و»التكتل من أجل العمل والحريات». وكان رئيس الحكومة قد أعلن عن قراره تشكيل حكومة «كفاءات وطنية مصغرة» لا ينتمي أعضاؤها إلى أي حزب سياسي، تنحصر مهمتها في إدارة شؤون الدولة في انتظار إجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن. وقال الجبالي إن أعضاء الحكومة الجديدة التي يعتزم تشكيلها لن يشاركون في الانتخابات المقبلة، ودعا المجلس التأسيسي والأحزاب السياسية الى»تزكية هذه الحكومة ودعمها»، حتى تتمكن من تنفيذ برنامج يرتكز على تسريع التنمية والتشغيل وتحقيق الأمن في البلاد وتنظيم الانتخابات في أسرع وقت. ولقيت مبادرة رئيس الحكومة مساندة حذرة من قبل بعض أحزاب المعارضة من بينها الحزب الجمهوري المعارض الذي وصف اعتزام الجبالي تشكيل حكومة تكنوقراطية ب» الخطوة الايجابية»، داعيا إلى إجراء المزيد من المشاورات مع قادة الأحزاب السياسية لتحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق حول التشكيلة الوزارية الجديدة. من جهته، عبر حزب «التكتل من أجل العمل والحريات»، الشريك في التحالف الحاكم، عن دعم حزبه لقرار الجبالي ووصفه أحد قيادي الحزب ب»القرار الجريء الذي تحتاجه البلاد» لاسيما في ظل الأوضاع المتأزمة الراهنة، داعيا مختلف «الأطراف الفاعلة» إلى مساندة هذا القرار بغية الخروج من حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد». غير أن حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، الشريك الثالث في الائتلاف الحاكم، رأى ضرورة الرجوع «إلى المؤسسات الدستورية لتشكيل الحكومة الجديدة واحترام ما ينص عليه القانون المنظم للسلطات العمومية فى هذا الشأن». على الجانب الآخر، اعتبر جزء آخر من المعارضة أن قرار الجبالي «جاء متأخرا»، داعيا إلى استقالة الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي المنتخب، الذي يتولى إعداد دستور جديد لفشله حتى الآن في القيام بهذه المهمة، وهذا ما عبر عنه الوزير الأول السابق ورئيس حزب «نداء تونس» المعارض، الباجي قائد السبسي، الذي قال في تصريح لإذاعة محلية إن «الحكومة لم تعد قادرة على إدارة شؤون البلاد مثلها مثل المجلس التأسيسي وعليهما الاستقالة لمصلحة الشعب». رئاسة الجمهورية من جهتها، دخلت على الخط، لتؤكد على ضرورة احترام الشرعية والمؤسسات المنبثقة عن الانتخابات وهو ما جاء في تصريح الناطق باسم رئاسة الجمهورية، عدنان منصر، الذي شدد على أن الرئيس المرزوقي «ملتزم بمبدأ عدم الخروج عن الشرعية في البلاد والممثلة في المجلس الوطني التأسيسي». وأوضح منصر في ندوة صحفية مساء أول أمس، أن القانون المنظم للسلطات خلال المرحلة الانتقالية ينص على ضرورة المرور عبر المجلس التأسيسي، باعتباره السلطة الأصلية، في أية عملية لتغيير الحكومة، وهو ما يفترض أن يقدم رئيس الحكومة استقالته لرئيس الدولة، الذي يقبلها ويعين من يتولى تشكيل حكومة جديدة يزكيها المجلس التأسيسي، مشيرا إلى أن الرئيس يدعو الى حكومة «توافق وطني» تحظى بأكبر قدر من التوافق بين الإطراف السياسية الوطنية وتضم كفاءات على رأس الوزارات الفنية والاقتصادية. كما عبر عن استنكار رئاسة الجمهورية لكل التصريحات المطالبة بحل المجلس التأسيسي والمؤسسات النابعة منه، أي الحكومة الحالية، ووصف ذلك بكونه «تعبيرا عن مسار انقلابي واضح». وأعلن في هذا الصدد أن رئاسة الجمهورية بدأت في اتخاذ الإجراءات القانونية «للمتابعة القضائية في حق كل الأشخاص الذين دعوا إلى تدخل الجيش والانقلاب على الشرعية»، ودعا كل القوى السياسية إلى عدم الزج بمؤسستي الجيش والأمن في التجاذبات السياسية. وفي انتظار أن يمر الإضراب العام اليوم في سلام ويتم تشييع جثمان المعارض السياسي الراحل شكري بلعيد إلى مثواه الأخير بلا أحداث، يستمر الجدل بين مكونات الطبقة السياسة التونسية في ظل اختلاف واضح في الرؤى والتوجهات، حول أفضل السبل للخروج من الأزمة الحالية التي إذا ما استمرت وتفاعلت من شأنها أن تفتح الأبواب على كل السيناريوهات، حسبما يراه أغلب المتابعين للشأن التونسي. تشييع جنازة المعارض السياسي الراحل شكري بلعيد في أجواء مشحونة وإجراءات أمنية مشددة، انطلقت في الساعة العاشرة من صباح أمس الجمعة، مراسيم تشييع جنازة المعارض السياسي التونسي الراحل شكري بلعيد، الذي راح ضحية عملية اغتيال تعرض لها أمام منزله وسط العاصمة على يد مجهولين. وجرت هذه المراسيم في شكل «جنازة وطنية رسمية»، كما قرر ذلك الرئيس التونسي منصف المرزوقي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأشرف على تأمينها قوات الجيش بحضور عشرات الآلاف من المواطنين والسياسيين وزعماء أحزاب المعارضة وزملاء الراحل من سلك المحاماة والمنظمات الحقوقية بالاضافة إلى عشرات الحقوقيين والمحامين الأجانب. كما جرت هذه المراسم في يوم أعلن فيه حداد وطني وإضراب عام عن العمل في كافة التراب التونسي، دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المركزيات النقابية في البلاد حزنا وغضبا على عملية الاغتيال . وقد انطلق موكب الجنازة من منزل أسرة الراحل في منطقة جبل الجلود ، بالضاحية الجنوبية للعاصمة ، حيث نقل الجثمان الملفوف بالعالم الوطني التونسي على متن عربة عسكرية إلى دار الثقافة بنفس المنطقة لتمكين المشاركين في مراسيم التشييع من إلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد. ومن هناك نقل الجثمان إلى مقبرة الجلاز بضواحي تونس العاصمة، حيث تم تأبينه قبل نقله من جديد إلى مقبرة الشهداء المجاورة ليدفن إلى جانب عدد من القادة السياسيين التونسيين من بينهم السياسي الراحل صلاح بن يوسف، أحد قادة الحركة الوطنية التونسية الذي تعرض هو الآخر إلى عملية اغتيال بألمانيا سنة 1961. وتحسبا لأي انفلات أمني، تمركزت وحدات الجيش والأمن في عدة مناطق بالعاصمة خاصة على الطريق الذي سلكه موكب الجنازة، فيما تم تأمين مقر وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة بواسطة الأسلاك الشائكة وتواجد وحدات من الأمن والقوات المسلحة على امتداد الشارع، كما أقفلت المحلات التجارية والمقاهي.