بعد تجربة ديوان المظالم انتقل المغرب بهذه الآلية إلى شكل أكثر ارتقاء عندما أعلن عن تاسيس مؤسسة الوسيط. وبالاضافة الى طبيعة المهام والاختصاص تعززت مكانة الوسيط بين مؤسسات الحكامة بدسترة هذه المؤسسة . كما جاء تعيين الأستاذ عبدالعزيز بنزاكور المعروف بنزاهته وبالجدية وروح المسؤولية، ليقوي من التفاؤل بجعل عمل المؤسسة في مستوى الرسالة التي اناطها بها دستور البلاد. في مسافة زمنية قصيرة . نسبيا، يصعب الحديث عن تقييم شامل لعمل الوسيط او الحكم عليه. ومع ذلك فان المعطيات التي قدمها السيد بنزاكور، في اللقاء التواصلي الذي نظم مؤخرا بمكناس، يعطي تصورا عن مسافة سنة من العمل والتجربة، وهي المعطيات التي يمكن قراءاتها وتناولها من عدة جوانب. فالتقرير الذي اعدته المؤسسة يشير الى انها تلقت، خلال سنة 2011 ، ما يزيد عن 8600 شكاية من لدن المواطنين المرتفقين. وحسب التقرير فهذه الشكاوي تتوزع بين القضايا ذات الطبيعة الادارية، ومشاكل العقار، وقضايا مالية، وقضايا مرتبطة بعدم تنفيذ الاحكام القضائية النهائية الصادرة في مواجهة الادارة، وشكايات ذات صلة بالضرائب والرسوم، وقضايا تهم مجال حقوق الانسان. هكذا يمكن ملاحظة ان طبيعة ومواضيع الشكايات، التي توصل بها الوسيط، تتعلق في مجملها بمجالات حيوية بالنسبة للمواطنين وضمان حقوقهم واحترام القوانين ومباديء السفافية والانصاف. علاوة على طبيعة ومواضيع الشكايات يمكن التوقف عند الموضوع من زاوية العدد. فأزيد من 8000 شكاية – علما ان ليس كل المواطنين لهم الوسائل والقدرة على رفع الشكايات - فيه دلالة واضحة عن استمرار معاناة المواطنين مع الادارة في تعقيداتها وفي تجاوزاتها وعدم الانصاف واحترام المساطر والقوانين في الكثير من لاحيان. ومن دون شك ان مواجهة مثل هذه المعناة والسلوكات هي التي دفعت بتكوين مؤسسة الوسيط ، التي جاءت في سياق التحولات الديمقراطية، كمؤسسة تساهم في تكريس سيادة القانون وجبر الضرر ورفع المظالم، وترسيخ المكاسب في مجال حقوق الانسان وتدعيم مهام العدالة والقضاء. ومؤسسة دستورية بمثل هذا الدور المجتمعي لانتصور الا أن يكون التعامل والتجاوب معها في غاية من الدقة والمسؤولية والاحترام. غير ان الامر لا يبدو كذلك مع بعض الادارات أو المسؤولين عن تسييرها. ذلك لأن التقرير المذكور يسجل «عدم تقيد الإدارات بالآجال القانونية في موافاة مؤسسة الوسيط بالمعطيات المتعلقة بالقضايا المحالة، وكذا تعثر اغلب الادارات في التوصل إلى التسوية الفعلية للشكايات، فضلا عن التأخر الكبير في تنفيذ الأحكام القضائية». فعلى ماذا يؤشر هذا التعثر وهذا التأخر، وهل تكون مؤسسة الوسيط هي نفسها في حاجة الى وسيط للتدخل قصد الاهتمام بالشكايات التي يتقدم بها المواطنون ومعالجتها وتسويتها. إن الدستور ينص، في الفصل 162، على أن (الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الادارة والمرتفقين والاسهام في ترسيخ سيادة القانون واشاعة مباديء العدل والانصاف . وقيم التخليق والشفافية في تدبير الادارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية). فهل بتبخيس دور ومهام مؤسسات الحكامة كهاته سنصلح الادارة ونجعلها تتصالح مع المرتفقين، ونغير صورتها الى ادارة مواطنة بمحاربة الفساد والروتين القاتل وباحترام حقوق ومصالح المواطنين. ان عملية الاصلاح والتجديد والتحديث مفروض ان تكون شامل لكل المسؤوليات والمؤسسات العامة, وللعقليات والذهنيات. واولى ما يجب التقيد به في مسعى هذه الاصلاحات هو الالتزام والاحترام التام لمقتضيات الدستور والقوانين ومسؤوؤليات وصلاحيات مؤسسات الحكامة والرقابة.