في كل الكتابات لا يمكن للسرد أن يستقيم دون خيال هو من الأصوات الأدبية العربية، التي تبحث عن أشكال جديدة للقول والتعبير، ويظهر بوضوح في أعماله الروائية مثل: «أنا أيضا، تخمينات مُهملة»، و»لا أحد يقفز فوق ظله». يرصد في كتابه الجديد «كتاب الأيام.. أسفار لا تخشى الخيال» ملامح عدة شخصيات ومدن عربية، في تجربة يحلم باستكمالها بجزء آخر عن رحلات لمدن غربية، يكمل بها رؤيته الإبداعية..في هذا الحوار الذي أجرته معه مؤخرا صحيفة روز اليوسف المصرية، تحدث حليفي عن تفاعل المثقف مع مجتمعه وثوراته.. (أسفار لا تخشى الخيال) عنوان كتابك الجديد.. لماذا لا تخشى رحلاتك الخيال؟ كتابي الأخير الذي صدر في طبعة مغربية عن دار «منشورات القلم المغربي»، عبارة عن ثمانية نصوص رحلية، كتبتها عن رحلات إلى ليبيا ومصر وسوريا السعودية ثم تونس، وقد كتبتها بنَفَسٍ روائي، لذلك فهي لا تخشى الخيال، باعتبار أن الرحلة في العموم هي تسجيل واقعي لتفاصيل الرحلة. هل يمكن الاستغناء عن الخيال في الكتابة؟ في كل الكتابات لا يمكن للسرد أن يستقيم دون خيال، لكن كل خيال له خصوصية، كما لكل كاتب خصوصية على مستوى اللغة والأسلوب والتخيل. هل تبحث عن نوع جديد من الكتابة؟ منذ روايتي «مجازفات البيزنطي» ، وأنا أبحث عن أشكال جديدة للقول والتعبير، وهو ما حدث فعلا في روايتي «أنا أيضا، تخمينات مُهملة»، وبرز أكثر في كتابي «لا أحد يقفز فوق ظله» الصادر مؤخرا عن «روايات الهلال»، ثم يأتي كتابي الجديد الذي يندرج ضمن جنس يمكن تسميته الرحلة الروائية «كتاب الأيام، أسفار لا تخشى الخيال». لماذا اقتصرت رحلاتك على مدن عربية مثل القاهرة وقرطاج والرقة؟ إنها تجربة مخصوصة للدول العربية في انتظار إعداد كتاب آخر حول رحلاتى إلى أمريكا ودول أوروبية. هل التحرر من عبودية الزمان والمكان ممكنة؟ لا يمكن على مستوى الواقع، ولكن على مستوى الخيال التحرر من ذلك باختيار أزمنة وأمكنة متخيلة فوق ما هو واقعي. علل الراحل عبد الرحمن منيف عدم وجود رواية عربية حقيقية لعدم وجود المدن .. إلى أي حد تتفق مع هذا القول؟ تحدث عن هذا في بداية السبعينيات من القرن الماضي عبدالله العروي، وأعتقد أن المدينة –رغم تخلفنا– حاضرة بقوة وبأشكال رمزية وثقافية مختلفة، في جل الروايات التأسيسية في كل العالم العربي. ما العلاقة بين ذاكرتك وكتاباتك؟ لا توجد كتابة بدون ذاكرة، وبالنسبة لي - وأعتقد أن الأمر عام- لا يمكن أن أكتب حرفا بدون الاستناد إلى الذاكرة الفردية والجماعية، سواء بما تحمله من ماض شخصي أو غيري، قديم أو حديث. كيف تنظر إلى اللغة في الإبداع؟ وما موقفك من لغة السرد العربي المعاصر؟ اللغة وعاء روحاني، ولا يمكن أن تكتب جملة واحدة بدون امتلاك أسرار اللغة، فهي مثل المرأة اللعوب، حمّالة الأوجه والقلوب، وممارستها لخيانة المعاني المألوفة أمر مشروع. أما السرد العربي فإن أهم النصوص فيه هي تلك التي لها لغتها الخاصة. كيف تفاعلت إبداعيا مع ثورات الربيع العربي؟ المثقف الحقيقي متفاعل مع مجتمعه، فيما يحياه من ثورات وفي كل لحظات المخاض العربي منذ سبعينيات القرن الماضي، وبالرجوع إلى الكثير من كتابات منيف وإلياس خورى وصنع الله إبراهيم ومحمد زفزاف وغيرهم ممن أعجز عن سرد أسمائهم، كانوا سبّاقين إلى التعبير والتنبؤ من خلال تفكيك العوالم السفلية للمجتمع والعوالم العليا للسلطة.. أما الآن، فإن أي كتابة تريد قراءة ما وقع ستكون متسرعة، ما لم يكن صاحبها خائضا في نصوص قبلها. كيف تفسر عدم امتداد ثورات الربيع العربي إلى المغرب؟ المغرب يعيش ثورته منذ عقود، ما وقع في 1965والسبعينيات ، ثم 1981 و1990 وما تلى ذلك... كلها نعتبرها ثورات استشهد خلالها الآلاف من المغاربة وزُج في السجن الآلاف أيضا، وربما في هذه اللحظة يخوض المغاربة ثورتهم بهدوء.