المجلس الاقتصادي والاجتماعي يرسم خارطة طريق للتنمية بالأقاليم الجنوبية تباينت المواقف حول الورقة التأطيرية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي المرتبطة بالنموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية، والتي تهدف إلى معالجة موضوع التنمية بالمنطقة في إطار الجهوية المتقدمة، ومجالات الاهتمام التي تستدعي تكثيف الجهود للنهوض بها. وخلال تقديمه للورقة التأطيرية أمام جلالة الملك الأربعاء الماضي، أكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، شكيب بنموسى، على أن الورقة التأطيرية تقدم تحليلا أوليا حول نموذج التنمية الجهوية للأقاليم الجنوبية للمملكة، ومرجعية عمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص هذا الموضوع. وأضاف بنموسى أن الوثيقة تبرز أيضا التحولات الأساسية الضرورية والنتائج المتوخاة منها وتحدد المنهجية التي ينبغي اعتمادها، والمقاربة وكيفيات مشاركة السكان والمؤسسات المعنية، موضحا أن المجلس يقترح معالجة موضوع تنمية الأقاليم الجنوبية في إطار الجهوية المتقدمة، موجها اهتمامه لمجموع هذه الأقاليم، مع إيلاء عناية خاصة للأقاليم المسترجعة. وستكون الورقة بمثابة أرضية لتعبئة الفاعلين حول مشروع النموذج المقترح، في أفق تطبيقه خلال مدة زمنية واقعية تتراوح ما بين 10 و15 سنة، مع ترقب نتائج إيجابية ابتداء من المرحلة الأولى من انطلاقاته. وانتقد الأكاديمي وعضو المجلس الملكي الاستشاري للأقاليم الجنوبية، مصطفى النعيمي، ما وصفه ب «عدم وضوح» وثيقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، حول النموذج المقترح، معربا عن تخوفه من أن محاولة فصل جهة كلميمالسمارة عن باقي الأقاليم الجنوبية ستكون له مضاعفات خطيرة بالنسبة لمستقبل الصحراء. ورحب النعيمي بما تضمنته الورقة التأطيرية من اعتراف بوجود اختلالات في تدبير النموذج التنموي الحالي بالأقاليم الجنوبية، وهذا معطى إيجابي بحسبه، مشيرا إلى أن ذلك يشكل نقطة انطلاق جديدة ورغبة حقيقية في الإصلاح. داعيا إلى ضرورة القيام ببحث ميداني و إشراك القوى الفاعلية والأنسجة المجتمعية القادرة على إفراز تصورات جديدة للتدبير المحلي في الصحراء. واعتبر أن الورقة التأطيرية التي أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي ستكون مرحلة أولية من مراحل إعادة صياغة مشروع الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية الذي قدمه المغرب كسبيل لإنهاء النزاع في الصحراء. وجدد التأكيد على أن الجهوية ستكون المفتاح الأساسي، شريطة تهيئ الظروف الموضوعية لذلك، لما من شأنه في تقوية التماسك الوطني. بالمقابل أبرز عبد المجيد بلغزال أن وثيقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تقييمها للتنمية في الأقاليم الجنوبية، إعلان عن كساد واختلال في تدبير الوضعية الحالية، متسائلا عما إذا كان هذا الفشل من الاختيارات أو من التدبير، مشيرا إلى أن الاختلال نابع بالأساس من طريقة التدبير. وأوضح بلغزال أن الاختلالات العميقة التي يعرفها تدبير ملف الصحراء تؤثر بشكل سلبي على خيار الاندماج والوحدة، منبها على أن كل اختلال سيتحول إلى أرضية خصبة لاشتغال البوليساريو. وأكد بلغزال في تصريح ل»بيان اليوم» أن الورقة التأطيرية ستشكل انعطافة حقيقية لإستراتيجية تنزيل النموذج التنموي بالمنطقة، وستكون بمثابة أرضية لفتح حوار وطني موسع حول الموضوع بشكل تشاركي من أجل امتلاك رؤية جديدة للتعاطي مع ملف الصحراء مستقبلا. وخلص بلغزال إلى أن الوثيقة وإن كانت محدودة إلا أنها لن تتأسس إلا بإجراء حوار وطني حقيقي حول الموضوع لإطلاع المواطنين على كل تفاصيله. ويبين التشخيص الحالي لواقع التنمية بالأقاليم الجنوبية، حسب بنموسى، أن المغرب بدل منذ 1975 مجهودا وطنيا مهما في مجال الاستثمار من قبل السلطات العمومية مكن الأقاليم المسترجعة من التوفر على تجهيزات وبنيات تحتية، ومن تحقيق الأمن للساكنة التي تقطن هذه المناطق، وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية لفائدتها وتحسين رفاهيتها، إلا أن النتائج تبدو متفاوتة والحصيلة تتميز بالمفارقة بحيث أن الأقاليم تتميز ببنيات تحتية وتجهيزات متقدمة مقارنة مع باقي أقاليم المملكة كما أن مستويات ولوج الساكنة إلى الخدمات الأساسية والمؤشرات الاجتماعية تحتل مستوى عاليا مقارنة مع المعدلات الوطنية. وكشف بنموسى أمام جلالة الملك وجود مشاكل حقيقية تحول دون حدوث إقلاع اقتصادي وخلق ثروات محلية، ومشاكل قائمة في مجال البطالة، خاصة بالنسبة للشباب الصحراوي، وتوترات اجتماعية نتيجة صعوبة تحقيق التماسك الاجتماعي والاندماج، وهي وقائع يغذيها نوع من الشعور بالحيف من طرف بعض الفئات من سكان المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الإطار الجيوسياسي وحكامة الأقاليم الجنوبية لم يشجعا على بروز ثقافة مشتركة لتنمية الجهة، ولا على إشراك قوي للفاعلين المعنيين أو انسجام في السياسات العمومية المطبقة. وتدعو الورقة التأطيرية إلى ضرورة القيام بإصلاح تدرجي لكن عميق للتصورات والمقاربات الممكن اعتمادها في مجال تنمية الأقاليم الجنوبية، وذلك عن طريق المزاوجة بين تجدر وترسخ هذه الأقاليم ضمن المرجعية الوطنية المتمحورة حول المبادئ الأساسية المحددة بموجب الدستور، مع احترام هوية الجهة بهدف تطوير اقتصاد محلي قوي وجذاب من شأنه تحويل الأقاليم الجنوبية إلى أداة صلة مع إفريقيا وقطب جهوي للتعاون والازدهار والسلم ضمن مكون إقليمي لقطب شمال إفريقيا الكبير.