بدأت سنة 2012 في مصر على إيقاع فوز للإسلاميين في انتخابات مجلسي الشعب والشورى وهي تشرف على الانتهاء بعد فوز آخر للقوى نفسها في الاستفتاء على الدستور ، غير أن الاقتراع الأهم خلال هذه السنة يظل هو الانتخابات الرئاسية باعتبارها المحطة التي لم يغادرها قطار السياسة في البلاد بعد. ففي 24 يونيو الماضي، أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية فوز مرشح « الإخوان المسلمين « محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية بما يقرب من 52 بالمائة من الأصوات في الجولة الثانية التي جمعته بالفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء عينه حسني مبارك قبل تنحيه. وقد تكون هذه الانتخابات والاصطفافات السياسية التي واكبتها والأحداث التي شهدتها المنافسة الانتخابية الحدث المؤسس الذي طبع المشهد السياسي المصري خلال الستة أشهر الموالية وربما لفترة قادمة قد تطول أو تقصر وفق تطور مواقف مختلف الأطراف. فالمصريون يودعون سنة 2012 على وقع صراع سياسي حاد اتخذ عناوين عدة ( الإعلان الدستوري الصادر في نونبر الماضي والجمعية التأسيسية وإقالة النائب العام فمسودة الدستور النهائية ...) دون أن تتغير صورة المشهد برمته حيث ظلت شبيهة بتلك التي رسمتها الانتخابات الرئاسية. فبغض النظر عن العنوان الذي تتخذه الأزمة في كل مرحلة من مراحلها فإن أطراف المنافسة ثم الصراع السياسي لم تتغير كثيرا فهناك المعارضة التي يتصدر واجهتها حاليا مرشحون نافسوا مرشح « الإخوان المسلمين » على منصب الرئيس في الجولة الأولى ومنهم حمدين صباحي الذي يتزعم حاليا التيار الشعبي وعمرو موسى الذي أصبح رئيسا لحزب جديد هو حزب «المؤتمر» إضافة إلى زعيم حزب « الدستور» الجديد أيضا ،محمد البرادعي المرشح المعلن الذي انسحب من خوض المنافسة الرئاسية قبل انطلاقها بفترة وجيزة . وبالإضافة إلى الشخصيات الثلاثة التي أصبحت واجهة لجبهة «الإنقاذ الوطني» التي تشكلت في خضم الصراع مع القوى الإسلامية بالتحديد برز في الساحة السياسية اسم مرشح رئاسي آخر هو عبد المنعم أبو الفتوح مؤسس حزب « مصر القوية » والذي وإن أكد رفضه للاستقطاب الحاد الموجود في الساحة السياسية فإنه عارض أغلب قرارات رئيس الجمهورية دون أن يصل إلى حد المس بشرعيته. أما أحمد شفيق المرشح الذي نافس محمد مرسي في الجولة الثانية، فلم يغب عن الساحة السياسية بالرغم من إقامته خارج مصر وخصوصا بعد توجيه تهم فساد له من طرف القضاء. فقد دأب المرشح الرئاسي الخاسر، بعد فترة صمت أعقبت اعترافه بنتائج الانتخابات الرئاسية ، على الإدلاء بتصريحات وأحاديث ومداخلات تلفزيونية مناهضة للرئيس المنتخب وصلت إلى درجة الحديث عن « تزوير» الاقتراع الرئاسي. أما على الجانب الآخر فقد استمر التحالف بين جماعة « الإخوان المسلمين « والسلفيين بمختلف تنظيماتهم ، وباقي التيارات الإسلامية وهو التحالف الذي دعم وبقوة المرشح الرئاسي محمد مرسي في الجولة الحاسمة من الاقتراع الرئاسي بعد أن توزعت اختيارات الإسلاميين في الجولة الأولى بين مرشح الإخوان وعبد المنعم أبو الفتوح المنشق عن الجماعة. ويظل التغيير الأبرز الذي شهدته الساحة السياسية في مصر ،والذي يشكل بدوره نتاجا لما آلت إليه الانتخابات الرئاسية ، هو عودة الجيش إلى ثكناته وانتهاء دوره السياسي المباشر في البلاد بموجب إعلان دستوري أصدره الرئيس محمد مرسي يلغي إعلانا دستوريا مكملا أصدره المجلس العسكري مع انتهاء التصويت في الجولة الثانية من الرئاسيات (خول المجلس سلطات من بينها التشريع). وقد واكب هذه العودة إلى الثكنات تغيير لأبرز قيادات المجلس العسكري الذي أدار المرحلة الانتقالية. حدث آخر سيطبع الحياة السياسية في مصر ما بعد الانتخابات الرئاسية وهو حكم المحكمة الدستورية عشية الجولة الثانية من الرئاسيات، بحل مجلس الشعب المنتخب ذي الأغلبية الإسلامية ( قضت المحكمة بعدم دستورية قانون الانتخابات الذي أعد في ظل حكم المجلس العسكري وقضت بحل المجلس برمته). فقد رأت القوى الإسلامية في الحكم وتوقيته ضربة «سياسية» لها عشية تولي مرشحها منصب الرئاسة فيما أكدت المحكمة الدستورية استقلالية قرارها عن أي دوافع سياسية وهو الجدل الذي سيدشن مرحلة توتر بين الإسلاميين ورئاسة الجمهورية من جهة وقضاة ومعارضين للرئيس من جهة أخرى ستصل أوجها خلال الاستفتاء الدستوري الأخير الذي انقسم حوله القضاة بين مشارك في الإشراف عليه ورافض للمشاركة. وإذا كانت الانتخابات الرئاسية قد رسمت أهم ملامح المشهد السياسي المصري الحالي فإن الانتقال إلى الانتخابات التشريعية بعد شهرين من الإعلان الرسمي عن تبني الدستور الجديد (تشير نتائج نهائية غير رسمية إلى تبنيه بنسبة 64 بالمائة من الأصوات) قد يخلخل الصورة الحالية في اتجاه تمايز أكبر داخل المعسكرين معا واللذين تشكلا وفق قاعدة «مع الإخوان» أو «ضد الإخوان». فجبهة « الإنقاذ الوطني» التي تضم مكونات مختلفة جمعها الوقوف في وجه التيار الإسلامي ، ستكون أمام اختبار عسير خلال الانتخابات التشريعية المقبلة حيث يمكن أن يقف طموح بعض مكوناتها في ولوج المجلس التشريعي بحجم أكبر في وجه أي مساع للتقدم بقوائم موحدة أو مجرد التنسيق في الدوائر الانتخابية. وعلى الجانب الآخر ، أي التيار الإسلامي، فإن التحالف بين جماعة « الإخوان المسلمين « والسلفيين بالخصوص قد لا يصمد أمام السباق الانتخابي خصوصا وأن المنافسة في انتخابات مجلس الشعب في نهاية السنة الماضية احتدمت بل واقتصرت في أغلب الدوائر على هذين التوجهيين الإسلاميين. وفي انتظار ما ستسفر عنه هذه المحطة السياسية الجديدة، والتي يؤمل أن تدشن مرحلة هادئة أو أقل توترا تسمح بالانكباب على ملف اقتصادي أصبح يكتسي طابع الاستعجالية ، فإن السنة المقبلة ستكون بالتأكيد سنة أخرى تطغى فيها السياسة على ما دونها في مصر ما بعد ثورة 25 يناير.