أهي «لعنة» تخرب بيوت الأحزاب؟ يبدو أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سيعود، خلال مؤتمره التاسع، للانكباب على تقييم مشاركته الحكومية بنوع من الحدة والقساوة مع الذات. ويرجح أن تكون المحاضرة الشهيرة للوزير الأول الأسبق، الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، مرجعا أساسيا في تناول المؤتمر لهذا الموضوع. وبكل تأكيد فالموضوع يستحق أن يأخذ باهتمام مؤتمر الاتحاديين لاسيما وأن حزبهم كان يضطلع، في شخص اليوسفي، بالمهمة الرئيسية في حكومة التناوب التوافقي التي شكلت ودشنت تحولات عميقة في مسار البلاد وحياتها السياسية. ومعلوم أن حصيلة المشاركة الاتحادية سبق وأن نوقشت في مؤتمره الثامن بتواز مع ظهور الأصوات المنادية، ءانذاك، بالانسحاب من حكومة عباس الفاسي. لكن من الواضح أن ظرفية المؤتمر الثامن تختلف، بالنسبة لحزب الوردة، عن ظروف مؤتمره التاسع. ويظهر بأن المنقاشة والقراءة الجديدة للتجربة ستنصب، بالخصوص، على المسافة الممتدة من انتخابات 2002 (حكومة ادريس جطو) إلى نهاية حكومة عباس الفاسي ومغادرة الاتحاد الاشتراكي لمواقع تدبير الشأن العام. وتدل بعض المؤشرات على أن القراءة الجديدة للتجربة ستذهب في اتجاه القيام بنقد ذاتي شامل وقوي، نقذ ذاتي لا يستبعد أن تكون له انعكاسات واضحة على أشغال المؤتمر التاسع ونتائجه. هذا على الأقل ما تفصح عنه الأرضية السياسية للمؤتمر، حيث تعتبر بأن «أهمية تجربة التناوب التوافقي لا تقاس فقط بحصيلتها الرقمية والموثقة، وإنما أساسا بالإمكان السياسي والمجتمعي الهائل الذي وفرته لبلادنا، والذي فتح للعملية السياسية والديمقراطية أفقا أوسع نحو الانتقال إلى الديمقراطية»؛ لكن الوثيقة تؤكد أيضا بأن هذا الأفق هو «الأفق الذي سرعان ما أضحى سرابا بعد الارتداد عن هذه التجربة عن طريق خرق المنهجية الديمقراطية بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2002»، وبالنسبة للحزب تضيف الأرضية: «لقد أصيبت العملية السياسية الانتقالية نحو الديمقراطية بنكسة حقيقية انعكست آثارها على الحياة السياسية الداخلية للحزب، خاصة بعد أن قررت قيادته المشاركة في حكومتي 2002 برئاسة ادريس جطو و2007 برئاسة عباس الفاسي». وإلى جانب غياب استحضار حيثيات وأجواء عدم إعمال المنهجية الديمقراطية، سنة 2002، فالملاحظ أن هناك قراءات أخرى غير تلك التي تقدمها الأرضية السياسية. فالسيد عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول (المنتهية ولايته)، وفي حوار مع الإذاعة الوطنية، حظيت تغطيته بمكان الصدارة في جريدة الحزب، يعتبر بأن «الاتحاد الاشتراكي يفتخر بمشاركته في الحكومة حيث ساهم في إنقاذ البلاد في الجانب السياسي والمعنوي ويفتخر بما حققه في الجانب السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي».. ويزيد الراضي تدقيقا، بأن استمرار الاتحاد في الحكومة بعد ذلك - أي بعد حكومة اليوسفي – «كان بهدف الحفاظ على المكتسبات وتوسيعها وخاصة ما تعلق بمجموعة من القوانين». أما السيد ادريس لشكر - أحد المرشحين البارزين للكتابة الأولى - الذي كان من المحرضين على انسحاب الاتحاد من الحكومة قبل أن يستوزر وتسند له حقيبة الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، فهو يضع المسألة ضمن مقدمة الوثيقة التي عرضها في ندوة صحفية كبرنامج لدخوله سباق الكتابة الأولى مبادرا إلى القيام ب «نقد ذاتي» صريح عندما يقول: «ونحن اليوم على مسافة من سنوات المشاركة الاتحادية في الحكومة، وفي ضوء ما قام به الحزب من تقييم لهذه المشاركة، يمكننا اليوم، وبكل نزاهة فكرية وسياسية، الإقرار بأن المشاركة الحكومية بعد خرق المنهجية الديمقراطية كانت لها أسوأ النتائج على الانتقال الديمقراطي وعلى الحزب على حد سواء». هكذا، وبين المفتخرين بالمشاركة والمعارضين لها والمتنصلين منها، يمكن أن تكون المسألة من الأوراق التي تلهب الهاجس الانتخابي خلال المؤتمر التاسع . وقد يفضي النقاش والتقييم في هذا الباب إلى بعث رسائل أو أجوبة المؤتمر بشأن قضايا سياسية آنية، ومنها ما يتداول من احتمال إعادة ترتيب بعض الأوراق. وفي كل الحالات، وعموما، فإن موضوع تحمل الأحزاب السياسية للمسؤولية الحكومية أو المشاركة فيها وتأثير ذلك على حجم امتدادها ونفوذها الشعبي، يمكن أن يستدعي نقاشا حقيقيا. لاسيما وأن هناك انطباعا يوحي وكأن تحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام أضحى ك «لعنة» تخرب بيوت الأحزاب وتقضي على نفوذها السياسي والتنظيمي. بينما أن الواقع والتراكمات تضعنا أمام السؤال: ما مدى دقة القول إن تواجد أي حزب في الحكم يعني بالضرورة أن «يدفع الثمن» من رأسماله السياسي والإشعاعي؟ وما هي طبيعة العلاقة الجدلية - إن وجدت - بين الأداء الحكومي والامتداد التأطيري والتنظيمي للحزب أو الأحزاب التي تتحمل المسؤولية في هذا الأداء ونتائجه؟.