مواجهة العولمة أم المشاركة في صنع الحضارة؟ دعا المفكر العربي السوري علي حرب، إلى تفكيك الثقافة العربية بهدف إعادة بنائها لسد الثغرات التي تركها فشل المشروع العربي. كان ذلك في مداخلته خلال الجلسة الختامية لندوة «حوار الثقافات العربية: الواقع والتطلعات» التي انعقدت بمدينة أصيلة خلال يومي 14 و15 يوليوز الجاري.. في إطار ندوات جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، وأضاف الدكتور علي حرب، في مداخلته التي جاءت تحت عنوان «مواجهة العولمة أم المشاركة في صنع الحضارة» أنه يجب الاعتراف بالواقع، «وأن الحضارة التي نعيش في فضاءاتها هي حضارة كونية واحدة، تضم ثقافات وتكتلات وجماعات متعددة تقوم بينها علاقات صراع وتنافس، أو تبادل وتفاعل»، من ثمة فإن الحديث على ثنائية الحضارة العربية والحضارة الغربية أو على أفول الحضارة الغربية، هو ما أسماه علي حرب «كلام من قبيل التهويمات النرجسية والتشبيحات النضالية»، لأن ما يحصل اليوم من تحولات في خريطة المشهد العالمي، يضيف المحاضر، «لا يعني نهاية الحضارة الغربية، بقدرما يعني انكسار الأحادية القطبية التي مارسها الغرب، لفتح المجالات أمام تعدد الأقطاب والأنماط والنماذج». مؤكدا على ضرورة الاعتراف بذلك «كي لا نمارس الزيف الوجودي، بطرح مقولات الغزو الثقافي أو الاستيراد الفكري، أو بالسطو على النظريات العلمية الحديثة لنسبتها إلى القرآن كما يفعل مشعوذة المفسرين، ولا يعني ذلك تخلي الواحد عن خصوصياته، فهذا منتهى الجهل والتضليل والعجز، لأنه لا توجد، واقعا، سوى الخصوصيات، والفرق بين مجتمع وآخر هو كيفية ممارسة الواحد لخصوصيته، هناك من يعيشها بصورة مغلقة، جامدة، كسولة، عقيمة، عدوانية، لكي ينتج عزلته وهامشيته، وبالعكس هناك من يتعاطى مع خصوصيته بصورة حية، خلاقة، نامية، منتجة، لكي يمارس فاعليته وحضوره على المسرح العالمي، بصورة إيجابية، مثمرة، بناءة.» واعتبر المفكر علي حرب أن التسامح وحده كفيل بفتح حوار حقيقي والاعتراف المتبادل بعيوب الآخر وبمشروعيته ووجوده، وأن يعترف كذلك كل طرف بنسبية أفكاره وبعدم امتلاكه المعرفة. أكثر من ثلاث ساعات كان هو عمر الجلسة الختامية التي افتتحت بمداخلة محمد سبيلا، أستاذ الفلسفة بكلية آداب الرباط بعرض تحت «عنوان الثقافة العربية والليبرالية الثقافية»، جنح فيه إلى المقارنة بين الفكر الليبرالي والفكر التقليدي، معتبرا أن الفكر القومي العربي ألحق ضررا فادحا بالفكر الليبرالي، واستهل الباحث مداخلته بالتركيز على علاقة الرفض المتبادلة بين الأفكار السلفية والليبرالية معتبرا أن الليبرالية «لم تحض، في التصور الثقافي العربي الحديث، بصورة إيجابية أو براقة. ولعل الومضة الوحيدة لليبرالية السياسية العربية كانت تمثلت في فكر أحمد لطفي السيد من مصر، ومحمد بلحسن الوزاني في المغرب». إلا أنه، يضيف المتدخل، مع بداية انتشار الفكر الماركسي والأفكار الاشتراكية التي هيمنت على العقول ابتداء من خمسينات القرن العشرين، باعتبارها نموذجا سياسيا لتجاوز التخلف واللحاق بالدول المتقدمة في إطار انتقاد للرأسمالية ولهيمنة الغرب الاستعماري والامبريالي، بدأت الفكرة الليبرالية تخبو وترتبط أكثر بالرأسمالية والبرجوازية والغرب، وبالتفاوت والتبعية، وعدم التلاؤم مع المطامح الجماهيرية العارمة حول العدالة والمساواة. وهذه النظرة السلبية لليبرالية، يؤكد محمد سبيلا، لم تقتصر فقط على النخب الثقافية والسياسية التحديثية، بل كانت شائعة أيضا في الأوساط الثقافية التقليدية التي رأت فيها مرادفا سلبيا للحرية التي تتجاوز الحدود المرسومة من طرف الشرع وتنتهك الأعراف والتقاليد العريقة وتتسم بالدعوة إلى الانحلال والتهتك. وحسب سبيلا، فان أن المعتقد الليبرالي يتأسس على الحد من سيطرة الدولة، وتدخلها ويجعل من حرية الفرد وحقوق الإنسان أولوية الأولويات، كما أن الدولة يجب أن تظل، وفق هذا التيار، محايدة حيال المعتقدات على اعتبار أن فكرة التعاقد هي أساس المجتمع والدولة. أمين عام اتحاد الكتاب الأردنيين عبد الله محمد القاق أكد، من جهته، أن العالم الغربي لا يخشى من العرب بسبب الإسلام كما يشاع، وإنما بسبب انغلاق العرب على أنفسهم ورفضهم الانفتاح والحوار مع الآخرين؛ وأن الثقافة العربية هي تاريخيا ثقافة منغلقة تريد أن تطغى وتؤثر وتهيمن ولا تريد أن تتأثر وتسعى فقط لفرض لغتها وتقاليدها. وتحدثت الشاعرة المغربية وفاء العمراني عن وضع المثقف العربي في مواجهة العولمة التي قالت إن مواجهتها تتم بالكتابة والسؤال. أما الباحثة المغربية رشيدة بنمسعود فركزت في مداخلتها على أن العولمة مسار تاريخي لا رجعة فيه ولكي نكون في مستوى اللحظة، فلا بد من إعادة النظر في دور الأسرة والمدرسة. معتبرة كذلك أن مواقف المثقفين المغاربة من العولمة هي التي وضعتهم أمام جيل جديد من الأسئلة بخصوص كينونتها وامتدادها في الحاضر والماضي. وبما أن شر البلية ما يضحك، فقد اختصر الروائي المغربي مبارك ربيع المسألة من خلال تقديم بعض الأرقام بخصوص المقروئية في العالم العربي حيث يصل معدل القراءة في العالم العربي إلى ربع صفحة سنويا لكل مواطن، مقابل 10 كتب في أمريكا و6 كتب في إسرائيل، معتبرا أن هناك مقياس ذكاء عند الأسر، وعندما ينزل هذا المستوى عن المعدل الطبيعي تحصل كارثة، وهذه هي الحال التي نعيشها. أسئلة كبيرة ومصيرية طرحتها ندوة «حوار الثقافات العربية: الواقع والتطلعات» التي اختتمت بمدينة أصيلة مساء ال 15 من يوليوز الجاري، ودامت ليومين لم يكونا كافيين مطلقا للإحاطة بعمق الإشكالية، فبالأحرى المساهمة في تفعيل النقاش. كانت الندوة، في نظر المتتبعين، تتطلب مساحة زمنية أكبر بالنظر لملحاحية وراهنية السؤال الإشكالي المطروح، وبالنظر كذلك لمستوى الضيوف الحاضرين وقيمتهم العلمية والمعرفية الكبيرة التي لم تشفع لهم في إلقاء مداخلاتهم القيمة كاملة نظرا لضيق الوقت خلال الجلسة الختامية التي ترأسها الدكتور الباحث كمال عبد اللطيف، وبالنتيجة استمع الحاضرون إلى مداخلات مختزلة جدا إن لم نقل مبتورة. وتساءل الحاضرون، ماذا يعني أن يكون بيننا مفكرون وازنون ولا نترك الوقت للوقت ونستمع إليهم بما يكفي؟.