أبرزت الانتخابات الجزئية التي جرت قبل أيام بطنجة ومراكش بعض المؤشرات التي تستدعي التأمل والتحليل، ولعل أهمها ضعف الإقبال الشعبي على الاقتراع، وتدني الاهتمام بالحدث، ما يعيد طرح مسألة مشاركة الناخبين في الاقتراع، ويفرض، في سياق الاستعداد للاستحقاقات الجماعية والجهوية القادمة، التفكير في سبل الحد من سلبيات هذه الظاهرة، والسعي إلى تعزيز انخراط المواطنات والمواطنين في الشأن الانتخابي، وممارسة حقهم في التصويت، وفي اختيار ممثليهم. أما المؤشر السلبي الثاني الذي كشفت عنه الانتخابات الجزئية الأخيرة، فيتجسد في حدة التلاسن بين الأحزاب المتنافسة، وتبادل الاتهامات بينها، والعنف الكلامي الذي كان أحيانا يصل حد مهاجمة تجمعات المنافسين، وبقدر ما يمكن اعتبار مثل هذه الظواهر عادية بحسب البعض، وأنها طبيعية في السياق الانتخابي الساخن، فإنها، برأي آخرين، قد تكون سببا لعزوف كثير من المواطنات والمواطنين عن الإقبال على مكاتب التصويت، وبالتالي «معاقبة» المرشحين جميعهم، والتعبير بذلك عن رفضهم لهذا الدرك المتدني من الأخلاقيات الانتخابية والسياسية. وتورد بعض القراءات التحليلية لنتائج الاقتراع الجزئي الأخير في طنجة ومراكش، أن ضعف المشاركة الشعبية وامتعاض الناخبين من حدة العنف اللفظي الذي ميز الحملات الانتخابية، كانا وراء إفراز نتائج لم تختلف جوهريا عما كان عليه الأمر قبل قرار المحكمة الدستورية. ومن جهة ثانية، فقد عادت أساليب استغلال المؤسسات، والمشترك الديني والوطني إلى الواجهة، خصوصا في اتهامات الأطراف التي خسرت السباق الانتخابي، وأيضا في بعض المتابعات الصحفية، ما يفرض اليوم المناداة بضرورة امتناع كل الأطراف الحزبية عن التلويح بالاتهامات على هذا الصعيد، والخروج بممارستنا الانتخابية من هذه المنغلقات، والارتقاء بها إلى درجة أعلى من التنافس الواعي والنزيه. يمكن أن نتفق على أن الانتخابات الجزئية لا تمكن عادة من أحكام شاملة ومنطقية لتحليل نتائجها، وتأثيراتها السياسية وعلى مستوى السوسيولوجيا الانتخابية، لكن اقتراب مواعيد الانتخابات الجماعية والجهوية يجعلنا في حاجة اليوم إلى الاستفادة من السير العام للاقتراع الجزئي الأخير، والعمل لتجاوز سلبياته، خاصة ما يتعلق بالكف عن استغلال المشترك بين كل أفراد شعبنا، دينيا ووطنيا، والحرص على تمتين المنظومة القانونية والإجرائية المؤطرة للتنافس الانتخابي. وفي الإطار نفسه، فإن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة لابد أن تمكن بلادنا وشعبنا من إنتاج مؤسسات تمثيلية قوية بمصداقيتها وشرعيتها، وأيضا بكفاءة منتخباتها ومنتخبيها ومهاراتهم التدبيرية والسياسية، فضلا عن نزاهتهم، وهذا هو التحدي الأساس من أجل النجاح في مباشرة مسلسلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية على الصعيدين المحلي والجهوي، وبالتالي تلبية مطالب وحاجيات شعبنا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته