«الثقافة العربية بين المنظور القومي والقطري والإقليمي». «حوار الثقافات بين المراكز والأطراف». «الثقافات العربية في مواجهة العولمة». كانت هذه هي العناوين الرئيسية التي شكلت المرتكزات الثلاثة الأساسية، لندوة «حوار الثقافات العربية: الواقع والتطلعات» التي دارت فعالياتها يومي 14 و15 يوليوز الجاري بأصيلة، المدينة التي تحتفي هذه السنة بموسمها الثقافي الدولي الثاني والثلاثين، الذي تنظمه مؤسسة منتدى أصيلة، ويتميز هذه السنة بحضور عدد كبير من الفعاليات في المجالات السياسية والثقافية والديبلوماسية وكذلك بمشاركة إماراتية وازنة. وتعتبر ندوة «حوار الثقافات العربية: الواقع والتطلعات» التي عرفت مشاركة كثيفة من شتى أقطار العالم العربي كافة، الندوة الثانية سواء من حيث الترتيب أو من حيث الأهمية ضمن الندوات الفكرية التي تقيمها جامعة المعتمد بن عباد الصيفية هذه السنة بعد ندوة «الطاقات المتجددة: وثبة على طريق التنمية البشرية». الثانية من حيث الأهمية لأنها ترتبط بطرح مقاربات بشأن التواصل والتفاعل بين اللغات الوطنية والثقافات المحلية في ظل تزايد تهديد ما يطلق عليه الغزو الثقافي المستند الى قيم العولمة، على عكس ندوة الطاقات المتجددة التي طرحت قضايا تتعلق بمستقبل البشرية والتحديات التي تواجه استقرار الكون، في إطار علمي صرف، شارك فيه باحثون من فرنساوإسبانيا والبرازيل والمملكة المتحدة والسنغال وكينيا والمغرب إضافة إلى دول أخرى. وزير الإعلام اللبناني طارق المتري: سؤال الهوية وحماية تنوع التعبيرات الثقافية العربية في مستهل كلمته المركزة والمتميزة، اعتبر رئيس الجلسة الأولى وزير الإعلام اللبناني طارق المتري أنه يجب الحديث عن ثقافات عربية بصيغة الجمع وليس المفرد، والاعتراف بالتنوع واعتباره مرتكزا للنهوض بهذه الثقافة بدل نفيه، أوتكريس صورة نمطية عن ثقافة عربية متجانسة غير موجودة في الأصل، وضد هيمنة ثقافة بعينها على مجمل التنوع الثقافي العربي. وقال المتري «نحن في عالم ينزع فيه البعض الى تجاهل الخصوصيات الثقافية في حين ينزع البعض الآخر إلى التشبث بالمعاني الضيقة للخصوصية الثقافية والانغلاق داخلها لتصير هذه الخصوصية أشبه بقطيعة مع العالم». محمد بن عيسى: كيف يستقيم الحديث عن الانتماء إلى ثقافة أو ثقافات عربية ونحن في أغلب الأحيان نجهل ثقافتنا القطرية والمحلية؟ ومن جهته أبرز محمد بن عيسى رئيس منتدى أصيلة الثقافي في معرض كلمته أن من أهداف الندوة استحضار المرجعيات والسياقات السياسية والثقافية التي كان لها تأثير واضح في المسارات الثقافية في العالم العربي في إطار دعم مبادئ التعايش بين اللغات والثقافات القطرية. وفي إشارة للعولمة اعتبر بنعيسى في تشبيه يكاد يقترب من الشعر أن العولمة التي لا تعترف بالحدود أو المفاهيم تركب صهوة ثقافة كونية متعالية عن الأوطان، عابرة للقارات وهذا ما سيعرض الثقافات الوطنية والخصوصيات المحلية أيضا للمحو، وهي الآن ( العولمة) تدق أبوابنا بعنف ويجدر بنا إيجاد السبل الكفيلة بجعلنا نتكيف مع معطياتها ونغذيها بإسهاماتنا ونستفيد مما تفرزه عبر الانفتاح الواعي على الآخر، لقد حان الوقت لمحاسبة الذوات والاستعداد عن وعي لقبول التغيير. ومن جهة أخرى اعتبر محمد بنعيسى أن الدرس الذي تقدمه أصيلة للعالم هو موسمها الذي ظل على مدى العقود الثلاثة الماضية يساعد على تعزيز الحوار والتبادل والتضامن الثقافي والاحتفاء بقيم السلام والتسامح. ودعت باقي مداخلات الندوة، إلى صناعة المشترك الثقافي المتنوع، الذي يضمن من خلال التعدد تجسيد كافة أوجه الثقافة في العالم العربي، معتبرين أن التنميط لا يمكن اختراقه إلا من خلال الإبداع. وأكدت أن الصراع بين الثقافات داخل المجتمع، يعد بالأساس صراعا سياسيا، داعية إلى محو الخلافات من أجل النهوض بالقيم المشتركة وتحقيق النهضة الثقافية، وكذا دفع الثقافة باتجاه بعدها التنموي. كما تطرق المتدخلون إلى الواقع الذي تعيشه الثقافات العربية، في ظل التحديات الكبرى، مستعرضين الدور الحيوي الذي تضطلع به الثقافات الوطنية في خلق التقارب والتواصل بين الشعوب ودحض سياسات التفريق والتباعد التي تتبناها الإيديولوجيات والسياسات المضادة لفعل التواصل، في تهديدها المتزايد للثقافات العربية وخصوصياتها. من جهة أخرى اعتبر آخرون أن الثقافة العربية انقسمت وتصدعت بين اتجاهين مغربي ومشرقي منذ فترة وبارتباط مع الفكر السلفي الذي شكل وحدة منسجمة في وقت من الأوقات كخطاب إصلاحي قبل أن تستوعبه الليبرالية ليظهر بعد ذلك الخطاب الأصولي الانكفائي المعادي للتغيير والتحديث، مذكرين بأن الاجتهادات التي كانت تتم بلورتها انطلاقا من المغرب العربي لم يتم استثمارها في المشرق، وهذا كان بمثابة كارثة على الثقافة العربية. ومعلوم أن الندوة قد اختتمت فعالياتها يوم أمس بعد ان استمرت على مدى يومين تميزا بمداخلات ومطارحات سنعود للحديث عنها في عدد لاحق. اختتمت الندوة لكن برنامج الجامعة الصيفية مازال مثيرا لشهية الحضور من خلال القادم من الندوات ك «الفن المعاصر على ضوء الأزمة المالية الحالية», و»الديبلوماسية والثقافية» و»الهجرة وحكم القانون في إفريقيا»، أو ندوة «محمد عابد الجابري العقل المفقود» التي ستتميز بحضور نجل الفقيد الدكتور عصام الجابري، وبتقديم شهادات لمفكرين وباحثين تعرفوا إليه عن قرب إضافة إلى تقديم مقاربات حول فكره وإسهاماته المؤثرة في إشكالات الفكر العربي المعاصر، وتاريخ الفكر والفلسفة في المغرب والعالم العربيين. وتجدر الإشارة إلى أن الموسم الثقافي الدولي لأصيلة يتميز في دورته هذه التي تكرم دولة الإمارات العربية المتحدة، ببرنامج غني ومتنوع وفق السياسة التي كان ينتهجها منذ تأسيسه والمتمثلة في الجمع والتوفيق بين السياسة والثقافة والإبداع. ليالي النغم أتحفت فرقة ليالي النغم, جمهور موسم أصيلة الثقافي الدولي بأدائها لروائع من موروث أرض الأندلس الذي تناقلته الأجيال المتعاقبة. صفق الجمهور الذي غصت به ردهات مكتبة الأمير بندر بن سلطان, طويلا لفرقة ليالي النغم, بقيادة عبد السلام الخلوفي, التي أدت مقاطع كلاسيكية من الموسيقى الأندلسية, من قبيل « قاضي العشق» و»كأس المحبة». وأبدعت الفرقة في أداء ريبرتوار تغنى بقيم الجمال والحب والقيم الاجتماعية, من خلال أغاني شعبية قادمة من شمال المغرب, امتزجت فيها قوة الأصوات الجبلية بجمالية الإيقاع. تفاعل الجمهور كان قويا أيضا حين قدمت الفرقة مجموعة من الأغاني الشعبية الشمالية, «بنت بلادي» و»لعايلة جرحتيني» و»يما ديالي حبيبة ديالي», فردد بكل تلقائية هذه المقاطع التي يحفظها عن ظهر قلب, ولا غرو فهي جزء محفور في الذاكرة الجماعية للثقافة المغربية. وكان ختام الأمسية الفنية بفقرة من القصائد الصوفية التي أدتها الفرقة, من بينها « لا إله إلا الله» و»الصلاة على نبينا». وتحتفي فرقة ليالي النغم للموسيقى الأندلسية المنحدرة من طنجة عروس الشمال, ويرأسها الفنان عبد السلام الخلوفي, بربيعها الخامس والعشرين. وقد تأسست الفرقة بمبادرة من مجموعة من الشباب الذين تلقوا تكوينا ثقافيا وموسيقيا, حيث حصلت الفرقة, سنة بعد تأسيسها, على الجائزة الوطنية في مهرجان الأندلسيات بمدينة شفشاون. وشاركت المجموعة في عدد من المهرجان بمدن طنجة وأصيلة وفاس والرباط والدار البيضاء وكذا بالخارج, حيث أحيت العديد من السهرات في كل من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا والجزائر واليونان والشيلي. وغنت الفرقة ريبرتوار القناة التلفزية الأولى من خلال سهرات الموسيقى الأندلسية والأغاني الشعبية لشمال المغرب وكذا المقاطع الصوفية. وقام عبد السلام الخلوفي بإنجاز برامج وثائقية وبرامج تلفزية من بينها «ميراث» و»الكلام الموزون» الذي يهتم بالتاريخ والمضمون الأدبي للآلة والغرناطي والملحون, كما شارك في عدد من البرامج التي تبثها القناة التلفزية الثانية «دوزيم» خاصة برنامجي «الخالدات» وشذى الألحان».