إذا كان الموسم هو عبارة عن تجمع بشري ضخم يضم عدة قبائل تجتمع حول ضريح أو ولي صالح لمدة معينة، وخلالها يمارسون طقوسهم وعاداتهم ثم تقاليدهم، فإنه بذلك يعتبر وجها من أوجه الثقافة الشعبية وظاهرة اجتماعية متجدرة في ثقافة المجتمع المغربي عموما والدكالي على الخصوص واستطاع المغاربة الحفاظ عليها إلى يومنا هذا. وقد جرت العادة أن تنعقد المواسم خلال فصل الصيف بعد أن يتمكن الفلاحون من جمع محاصيلهم الفلاحية، كما أن الموسم يلعب دورا مهما في خلق فضاءات للترفيه والمرح بالإضافة إلى تنشيط السياحة وإنعاش الاقتصاد. ومن أشهر المواسم التي تشهدها المملكة المغربية، ولها صيت على الصعيد العالمي، موسم مولاي عبد الله أمغار بإقليمالجديدة، الذي ينظم هذه السنة من 09 يوليوز إلى 16 من نفس الشهر. و قد اكتسب هذا الموسم شهرته بحكم انتمائه إلى أغنى جماعة قروية، ونظرا للعدد الكبير من القبائل التي تشارك فيه وخاصة قبائل دكالة، ويتوافد على هذا الموسم المشهور أزيد من خمسة مائة ألف زائر، وهؤلاء الزوار يأتون من مناطق مختلف تابعة لإقليمالجديدة مثل سيدي بنور، أولاد افرج ، العونات، الزمامرة، زاوية سيدي إسماعيل، الوالدية، بئر الجديد، أزمور، هشتوكة، الحوزية أولاد حمدان، أولاد رحمون.... ومن مناطق خارج إقليمالجديدة مثل مراكش، سطات، خريبكة، بني ملال، البيضاء، الرباط، القنطرة ، المحمدية...ويرجع سبب كثرة الزوار لهذا الموسم إلى موقعه الاستراتيجي من ذلك اعتدال جوه وملامسته للبحر من جهة، ومحاذاته لشاطئي سيدي بوزيدوالجديدة اللذين يجلبان المصطافين من المناطق الداخلية الحارة، هذا بالإضافة إلى عامل آخر مرتبط بالأنشطة المختلفة التي يشهدها هذا الموسم طيلة سبعة أيام، وفي مقدمتها نجد الفروسية أو ما يعرف ب « التبوريدة « باعتبارها أهم فقرة محببة لدى جميع الزوار، نظرا لكونها مرتبطة بالفرس الذي يشكل صورة جميلة لدى الإنسان فهو يوصف بالشجاعة والإقدام والجرأة كما أنه يعتبر من بين أجمل الحيوانات الأليفة ويعد رمزا للوجاهة، النفوذ والأبهة ثم التميز الاجتماعي، لذلك فإن كل احتفال ارتبط بالفرس إلا ويجلب إليه العديد من المتتبعين. فماهية الأجواء التي يتميز بها موسم مولاي عبد الله أمغار؟ الخيام هي المسكن المفضل عند جل الزوار إن المتجول في فضاءات موسم مولاي عبد الله أمغار يسجل بوضوح أن جل زواره والمتوافدين عليه يستقرون في الخيام، حيث تشكل هذه الأخيرة بمختلف أنواعها وأحجامها الوسيلة الأولى التي يستقر فيها الزوار، بدليل العدد الكبير بل الهائل من الخيم التي تنصب على جنبات شاطئ هذا الموسم وفي الفضاءات التي خصصتها السلطات المحلية للخيم الخاصة بالإيواء والسكن، وقد اعتاد الزوار أن يحملوا معهم خيامهم وكل الأدوات الضرورية للإقامة، ولو لمدة أسبوع، من أوان منزلية وأفرشة ثم أغطية. والملاحظ في السنوات الأخيرة أن ظاهرة الاستقرار في الخيم بهذا الموسم أصبحت منظمة، حيث لجأ العديد من الشباب إلى إقامة العديد من الخيم المفروشة على شكل منظم ويحيط بها سياج ولها باب واحد محروس ثم يعمدون إلى كرائها للزوار الذين حببوا هذه الفكرة. وهناك نوع آخر من الزوار الذين يفضلون الاستقرار في الشقق المفروشة التي تعدها ساكنة مولاي عبد الله بهذه المناسبة وتعمد إلى كرائها بثمن يتراوح ما بين مائتين وثلاثة مائة درهم، للليلة الواحدة، حسب نوع الشقة وما تتوفر عليه من أدوات ووسائل. كيف يقضي الزوار يومهم بهذا الموسم المشهور على الصعيد العالمي؟ الفترة الصباحية: جل الزوار لا يستيقظون إلا في حدود العاشرة صباحا، وهو أمر طبيعي لكونهم ينامون متأخرين أي في الساعات الأولى من الصباح، ومباشرة بعد تناولهم وجبة الفطور يخرجون من أجل التبضع حيث يستغلون الفترة الصباحية لشراء كل ما يحتاجونه من خضر، فواكه، لحم وأدوات منزلية...وفي الوقت الذي تتكلف فيه الأمهات بالنسبة للأسر والعائلات، أو واحد من الرجال بالنسبة للعزاب أو الرجال حسب التوزيع اليومي بينهم، بتحضير وجبة الغذاء، فإن الباقي يذهب إلى الشاطئ قصد ممارسة الرياضة أو السباحة ثم تنظيم الأنشطة الترفيهية مثل المسابقات ، اللعب والموسيقى ويستمر ذلك إلى حدود الثالثة بعد الزوال، بعها يعود الزوار إلى مقراتهم من خيم أو شقق لتناول وجبة الغذاء، تليها استراحة قصيرة استعدادا للخروج. الفترة الزوالية: في حدود الساعة الرابعة مساء يتوجه، أغلب الزوار إن لم نقل جلهم، صوب ملعب الفروسية الكائن بجانب ضريح مولاي عبد الله أمغار وخاصة بجانب السور التاريخي، وأمام خيمة إسمنتية ضخمة يصطف الفرسان على شكل فرق تسمى، وفق معجم «التبوريدة» في الأوساط الشعبية ب «السربة»، وكل فرقة تنتمي إلى قبيلة معينة، وعلى رأس كل سربة يوجد رئيس أو مقدم أو ما يعرف ب «العلام» الذي يسير السربة ويتحكم في وقت انطلاقتها ووقت إطلاق بارودها من بنادقها. وما يثير الانتباه هو اللباس الموحد بين جميع الفرق والمكون، عموما، من جلباب أبيض اللون، عمامة ومحفظة أو « شكارة» ثم بلغة صفراء اللون في الغالب، كما أن للخيل لباسا خاص أيضا وموحدا يتشكل من سراج مصنوع من الجلد وحوله أحزمة و»ركابات» بالإضافة إلى زمام أو لجاج الفرس وهو مصنوع كذلك من الجلد، ولكل فارس بندقية/ مكحلة يساعده في ملئها عون يقف عند محطة نهاية التوريدة. وتخضع الفرق المشاركة في الفورسية لطريقة محكمة يضبطها ريئس مكلف بترتيب الفرق، حيث تنطلق كل واحدة من أمام الخيمة الأسمنتية، وتبدأ الأخرى في الاستعداد، وعند نهاية «المحرك» يطلق جميع الفرسان صيحة واحدة يبدأها العلام تليها طلقات البنادق على شكل طلقة واحدة والفرقة المتميزة هي التي يتمكن فرسانها من إطلاق بارود بنادقهم دفعة واحدة تصحبها زغاريت النساء ، وويل للفارس الذي يخطئ في الطلقة فإنه يعاتب من طرف العلام. إنها فرجة «الفنتازيا» التي تقام خلال أسبوع الموسم وتستهوي الزوار كل زوال وتستمر إلى مغرب الشمس. بعد الفروسية تفتح فضاءات فكاهة «الحلايقية» مباشرة بعد انصراف الخيل وحلول الظلام يحتل مكانهم مجموعة من الفكاهيين الشعبيين أو ما يعرف في الثقافة الشعبية ب «الحلايقية». حيث نجد حلقتان في كل واحدة فكاهيان يشكلان ثنائي يتحاوران في قالب ساخر ويمزجان حوارها بمستملحات تستهوي الجمهور. إلى جانبهم نجد حلقة أخرى يتوسطها «حلايقي» يروي النكث بأسلوب ساخر ومضحك. وما يميز هذا الفضاء هو وجود «حلايقي» آخر رفقة حماره المدرب حسب مفردات ينطق بها الحلايقي صاحبه حتى يخيل للمشاهد أن الحمار يتواصل مع صاحبه فمثلا عندما يقول له «واش أنت حمار» يحرك الحمار رأس في اتجاه الأعلى ثم الأسفل في إشارة إلى التأكيد أنه بالفعل حمار، وعندما يقول له «واش أنت جيعان» يفعل الحمار نفس الحركة يعني أنه جائع، وبتلك الطريقة يستعطف الحلايقي المتفرجين لكي يجودوا عليه بالدراهم، والغريب في أمر هذا الحمار هو أنه يدخن السيجارة وهو يقف وسط الحلقة غير مبال بالمتجمهرين من حوله وغير خائف، وما يثير الضحك فعلا هو عندما يبدأ هذا الحلايقي يعزف على مزماره فإن حماره يبدأ في الرقص بأرجله؛ ولعل هذه المميزات جعلت من هذا الحلايقي وحماره سيمة بارزة في موسم مولاي عبد الله إلى درجة أن الزائر لهذا الموسم إذا لم يتفرج في حركات هذا الحلايقي وحماره فكأنه لم يزر هذا الموسم. وبجانب فضاء الفكاهة والمرح نجد ألعاب الأطفال مثل السرك وركوب السيارات الكهربائية وغيرها من الألعاب التي تعجب الصغار. من «الحلايقية» إلى السهرات الموسيقية الليلية المتنوعة تتميز ليالي موسم مولاي عبد الله أمغاربإقامة السهرات الموسيقية بالمجان وسط خيام كبيرة بل فخمة تنصب خصيصا لهذا الغرض على طول جنبات البحر، وتتميز هذه السهرات باستقطاب نجوم الموسيقى الشعبية، كما جاء في بلاغ اللجنة المنظمة، مثل الستاتي عبد العزيز، حجيب، الدوادي والشاب زينة، امبارك الخريبكي، الثنائي الثقار، محمد الخياري، مجموعة ثكادة، كمال العبدي، ثنائي الهناواة، مسناوة، وغيرهم من الفنانين الذين يأبون إلا أن يشاركوا في هذا الموسم، بالإضافة إلى حضور مجموعة من الأوركسترات المشهورة التي تغني هذه السهرات وتجلب العديد من الشباب، الأمر الذي يجعل هذه السهرات تتميز بالازدحام والاكتظاظ مما ينتج عنه تعرض العديد من الزوار إلى السرقة، حيث يستغل اللصوص ذلك الازدحام لتنفيذ عمليات السرقة، وتستمر هذه السهرات إلى حدود الثالثة صباحا. الجانب الاجتماعي والاقتصادي للموسم مولاي عبد الله أمغار إن الهدف الأسمى من تنظيم هذا الموسم هو الحفاظ على السمة الطبيعية للموسم باعتباره رباط العلم ومجمع للعلماء والمريدين، ولذلك فإنه يتضمن برنامج دينية وعلمية ودروسا ومحاضرات ومسابقات واستشارات دينية لفائدة الزوار. ومن الجانب الاقتصادي يستغل سكان جماعة مولاي عبد الله هذا الموسم لممارسة أنشطة تجارية مختلفة، بحيث أن جميع الأشياء تباع وتشترى في هذا الموسم بدء مما هو تقليدي بسيط إلى ما هو عصري رفيع الجودة، وهذه الأنشطة التجارية تدر على أصحابها أرباحا يسددون بها ديونهم أو يدخرونها لوقت الحاجة، وهذا ما جعل موسم مولاي عبد الله ينعش الحركة الاقتصادية للمنطقة ويخلق رواجا تجاريا كبيرا بحكم العدد الكبير من الزوار الذين يتوافدون عليه وضمنهم المهاجرون المغاربة الذين دأبوا على زيارة هذا الموسم لكونه يصادف عودتهم إلى وطنهم ، ولعل هذا الحضور المتميز للزوار جعل العديد من شركات الإشهار تستغله كسوق تجاري كبيرمن أجل الترويج لمنتوحاتها التجارية، وبعض الشركات تعمل على إغراء الزوار بأثمنة جد مناسبة، بل أكثر من ذلك نجد بعض الشركات التي تعمل في الميدان العقاري هي الأخرى تستغله قصد الترويج لصفقاتها العقارية، وهو الأمر الذي جعل موسم مولاي عبد الله يشكل سوق استهلاكية ناجحة بامتياز. وهذه الوضعية المزدهرة أصبحت تقتضي من المسؤولين بجماعة مولاي عبد الله العمل على تحسين ظروف تنظيم هذا الموسم إلى ما هو أحسن، ومن ثمة ضرورة التنسيق بين جميع السلطات المحلية بالإقليم وخاصة الجهاز الأمني قصد بدل المزيد من المجهودات الأمنية من أجل القضاء على ظاهرة السرقة التي يتميز بها هذا الموسم من طرف لصوص ينتظرون هذه الفرصة لبسط سيطرتهم وسرقة الزوار . ولهذا أصبح ضروريا تعزيز الجهاز الأمني خلال هذا الموسم حفاظا على سلامة الزوار، من جهة، وعلى الصورة الجميلة التي ترسخت في أذهان المجتمع الدكالي، خاصة وأن هذا الموسم كان ولا يزال يشكل فضاء سياحيا وترفيهيا ثم ثقافيا بامتياز تشتد إليه الأنظار ويتوافد عليه الزوار من كل صوب وحدب.