الفلسفة الرشدية شكلت أحد العناصر الدينامية لانبثاق الحضارة الغربية قال المفكر المغربي، محمد المصباحي، إن الفلسفة الرشدية شكلت إحدى العناصر الدينامية لانبثاق الحضارة الغربية، بينما لم تحظ بالاحتضان اللازم في الفضاء العربي الإسلامي. وأوضح الباحث المتخصص في التراث الرشدي، في حوار خاص بمجلة «دبي الثقافية»، نشرته في عدد يونيو، الجاري أن فكر ابن رشد اضطلع بدور حيوي ومحرك في نشأة الفكر الغربي ذاته سواء بالاستمرار معه حينا، أو بالتضاد معه حينا آخر. وفي جلسة حوارية مع الشاعر والإعلامي ياسين عدنان، تمحورت حول المصير المتناقض لفلسفة ابن رشد في العالمين العربي والغربي، أبرز المصباحي كيف نجح الغرب في احتضان وتطوير مشروع ابن رشد ثم تجاوزه في الوقت نفسه، وفي المقابل، فشل العرب في الاستمرار معه والتفاعل مع ما يقتضيه فكره. أما السبب، في نظره، فيعود إلى «إرادة الغرب في أن يقرأ ابن رشد، سواء كانت قراءة نقدية أو تفسيرية أو تأويلية، تلبية لحاجة الإجابة على أسئلة حاضره ومستقبله، التي كان يطرحها استعداده وتعبئته الشاملة لتدشين حقبة جديدة من تاريخ الإنسانية، هي النهضة والحداثة». بالنسبة لمؤلف كتاب «إشكالية العقل عند ابن رشد»، فإن احتضان ابن رشد في الغرب كان يبرره وجود حقل ثقافي قوي ومنفتح على الغير، حقل غني بتياراته ونقاشاته وخصوماته الدينية والفلسفية والعلمية والفنية. أما العالم العربي الإسلامي فقد فشل في الاستمرار مع المشروع الرشدي أو في التضاد معه، لأنه أتى في مرحلة تقاعس وتراخي الحضارة العربية الإسلامية وانطوائها على نفسها وعزوفها عن ركوب مخاطر التفكير في مشروع تاريخي جديد، وعن المجازفة بالاجتهاد في تجديد الشريعة والفكر. ويخلص المصباحي في هذا السياق إلى القول إن ابن رشد كان أحد محركات الحضارة الغربية لأنها كانت تملك استعدادا للقيام بمغامرة تاريخية جديدة «بينما لم يكن محركا لنا لأننا فقدنا ملكة الإقدام على الحركة التاريخية، فظلت حضارتنا تدور في مكانها». وأوضح كيف أنه، بعقلية المزاحمة والإقصاء، «رفض بعض من أسلافنا العقل الرشدي باعتباره ممثلا للعقل العلمي، لينحازوا في مقابل ذلك للخيال الصوفي الذي يحقق لهم متعة رؤية العجيب والغريب في آيات الكون وإشاراته دون عناء ولا كد واجتهاد». وعن استحضار تراث ابن رشد في إطار واقع الحوار بين الثقافات، شدد محمد المصباحي على أن مشروع ابن رشد تراث داعم لحوار الثقافات، من خلال فكرته عن «وحدة العقل»، التي تشير إلى عقل مرن مطعم بالقلب والخيال، وقادر على «تحويل التخوم الساخنة والخنادق الحربية، التي تتكلم عنها إيديولوجية «صراع الحضارات» إلى مكان مشترك تتحاور فيه الثقافات وتنفتح بعضها على البعض الآخر. يذكر أن المفكر محمد المصباحي أصدر عدة مؤلفات تتناول جوانب متعددة من تراث ابن رشد من بينها «الوجه الآخر لحداثة ابن رشد» و«الواحد والوجود عند ابن رشد».