بعد رحيل محمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد وفؤاد زكريا وأخيرا محمد أركون في بحر هذه السنة، صار واضحاً أن العقل العربي الإسلامي سيعاني الأمرَّين في القادم من السنوات. ففرسان العقلانية يترجلون تباعاً، والفلسفة العربية بدأت تودع ورثة ابن رشد واحدا تلو الآخر. برنامج مشارف، وتحية منه لأرواح المفكرين الراحلين، يختار العودة إلى المنبع، إلى دروس المعلم الأول ليطرح السؤال: ماذا تبقى من ابن رشد بعد هذه الانسحابات المتتالية لورثته؟ وهل محاربة العقلانية وتبخيسُها أمر جديد في عالمنا العربي اليوم أم لعلها سلوك قديم متأصل؟ إذن، لماذا احتضن الغرب فلسفة أبي الوليد وتابع بنجاح مضمون الرسالة الرشدية، فيما كان مصيره بيننا الطرد والتجاهل؟ ثم لماذا في تلك اللحظة المؤلمة التي طردنا فيها جثمانَ ابن رشد وكتبَه من مراكش إلى الأندلس قطعنا بقسوة مع مشروعه الفكري الذي ينتصر للعقل والبرهان، أما البديل فقد كان أمامنا جاهزاً وهو ابن عربي الذي احتضناه انتصارا منا للرمز والإشارة والوَجد والخيال والأمل في خرق العادة على حساب العقل؟ لماذا رفض أسلافنا العقل الرشدي وانحازوا للعرفان ضد البرهان؟ ثم ماذا عن نظرية وحدة العقل عند ابن رشد؟ ألسنا اليوم وأكثر من أي وقت مضى في أمس الحاجة إلى تحيينها لمواجهة النزعات المركزية لبعض الثقافات وكذا لمجابهة الأصوليات ونظرية صراع الحضارات؟ ألا يمكن اعتبار ابن رشد بهذا المعنى مدخلاً أساسيا لحوار الثقافات؟ في الحاجة إلى ابن رشد، وانتصارا للعقلانية في فكرنا العربي الإسلامي، وتحية لأرواح الراحلين من حفدة صاحب «فصل المقال»، يستضيف ياسين عدنان في حلقة هذا الأسبوع من مشارف أحد المراجع الأساسية في الفكر الرشدي المفكر المغربي محمد المصباحي الذي اختار الإقامة الدائمة في القارة الرشدية مؤلفا حول فكر أبي الوليد وفلسفته العديد من الدراسات الهامة: (إشكالية العقل عند ابن رشد)، (الوجه الآخر لحداثة ابن رشد)، (الواحد والوجود عند ابن رشد)، (مع ابن رشد)، وعناوين أخرى. موعدكم مع هذه الحلقة من مشارف مساء يومه الأربعاء 29 سبتمبر 2010 على الساحة الحادية عشرة ليلاً على «الأولى».