أكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليزمي،أول أمس الثلاثاء، بمقر الأممالمتحدةبنيويورك، على الدور المحوري الذي اضطلع به جلالة الملك محمد السادس في مسلسل المصالحة بالمغرب، مبرزا تفرد المغرب بهذا المسلسل الذي يندرج في إطار مقاربة شمولية. وقال اليزمي خلال ندوة نظمت حول موضوع «القدرات المدنية: التجارب في مجال البناء والتحول المؤسساتي» إن اعتلاء جلالة الملك محمد السادس سنة 1999 للعرش شكل فرصة فريدة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وإن العاهل المغربي اضطلع بدور محوري في المرحلة الأولى لمسلسل المصالحة الوطنية. وركزت هذه الندوة، التي نظمت بمبادرة من تمثيلية المغرب بالأممالمتحدة، ومركز التعاون الدولي التابع لجامعة نيويورك، وبتعاون مع مبادرة «القدرات المدنية» التابعة للأمم المتحدة، على التجارب الأخيرة في مجال العدالة الانتقالية التي عرفتها مختلف البلدان، خاصة المغرب والأرجنتين وكرواتيا ورواندا. ومكنت الندوة، التي تم تنشيطها من طرف سارة كليف المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، وبروس جونز مدير مركز التعاون الدولي، الحاضرين من ممثلين عن الدول الأعضاء وخبراء وطلبة من إثارة النقاش حول أفضل الممارسات والدروس المستفادة من التجارب المختلفة. وذكر اليزمي بالسياق التاريخي لإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومختلف المراحل منذ تشكيل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1990، وكذا إعادة تنظيمه في سنة 2001، وفقا لمبادئ باريس، مما أدى إلى إحداث المجلس الحالي الذي منحت له صلاحيات واسعة، واستقلالية تجاه السلطات العمومية وتعددية أكثر اتساعا بالمقارنة مع الصيغتين السابقتين (1990-2001 و 2001 و2011). وتميزت التجربة المغربية بثلاثة مراحل كبرى تمثلت الأولى في إطلاق سراح سجناء الرأي والسجناء المعتقلين في مراكز سرية، وكذلك عودة المنفيينوبعد ذلك تم التركيز على كشف الحقيقة وتحديد العدد المضبوط للمفقودين، وتطرقت المرحلة الثالثة لعملية تعويض ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما شكل تأسيس اللجنة المستقلة للتحكيم سنة 1999 لتعويض ضحايا الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري الحلقة الأولى في مسلسل العدالة الانتقالية التي أطلقها المغرب، تلتها خلق هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 والتي قررت توسيع مفهوم التعويض عن الأضرار التي لحقت في الماضي ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وأكد اليزمي على مظهر آخر من مظاهر تميز التجربة المغربية والمتمثل في إضفاء الطابع المؤسساتي على مسلسل العدالة الانتقالية، مشيرا إلى جبر الضرر الفردي الذي مكن من تعويض الضحايا وذوي حقوقهم، والمقاربة المعتمدة من قبل هيئة الإنصاف والمصالحة التي أخذت بعين الاعتبار فلسفة جبر الضرر الجماعي، والذي ترجم على أرض الواقع ببرنامج جبر الضرر الجماعي الذي تم تعزيزه في الجهات التي عانت، بشكل مباشر أو غير مباشر، من ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، كما انكبت هيئة الإنصاف والمصالحة أيضا على قضية الاندماج الاجتماعي، والتغطية الصحية وتسوية الوضعيات الإدارية والمالية لذوي الحقوق. وأصدر التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة الذي نشر سنة 2007، العديد من التوصيات التي اقترحت من خلالها الهيئة إعادة النظر في السياسة الجنائية وإصلاح العدالة، والحفاظ على الذاكرة الجماعية والأرشيف الوطني، وتكريس مبدأ سيادة القانون الدولي في مجال حقوق الإنسان، وتجريم الاختفاء القسري والتعذيب، ومراجعة الدستور وتكريس أسس الحكامة الأمنية بهدف ضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ولاحظ اليزمي أن هذه الدينامية المستمرة، التي ميزت مختلف مراحل المسار، برهنت على «الإرادة السياسية» اللازمة من أجل تفعيلها ونجاحها، وذلك من خلال إدراجها في سياق عام تميز بالإصلاحات والانتقال الديموقراطي. من جانبه، أكد سفير المغرب لدى الأممالمتحدة محمد لوليشكي أن المغرب، بصفته رئيسا لمجموعة العمل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول عمليات حفظ السلام، قد أدرج موضوع دور الأممالمتحدة في المسارات الانتقالية ودعا إلى نهج مقاربة مندمجة، مشيرا إلى أن المملكة ساهمت بشكل فعال في المفاوضات والمصادقة، في شهر مارس الماضي، على قرار الجمعية العامة حول القدرات المدنية. وأعرب السفير عن أمله في أن يساهم هذا النقاش في تطوير مشروع «القدرات المدنية» للأمم المتحدة، والاجتماع الأممي المقبل حول «دولة القانون» المقرر على هامش أشغال الدورة 67 للجمعية العامة. واقترح، خلال كلمته التي أسدلت الستار على أشغال الندوة، تجميع الأممالمتحدة لمختلف التجارب ونشرها باللغات الست التي تعتمدها المنظمة العالمية، مؤكدا على أنه «لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم بدون عدالة ولا عدالة بدون سلام».