عبد السلام الصديقي: استقطاب الاستثمار الوطني والأجنبي يحتاج إصلاحات أفقية وعمودية متكاملة وحكامة ينتفي فيها سلوك «التردد» أفضى النقاش الذي جرى خلال اجتماع اللجنة الوطنية المكلفة بمناخ الأعمال، التي يتمثل دورها في تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص٬ إلى بلوغ الاتفاق حول تفعيل ثلاثين إجراء قانونيا وتنظيميا، تراه اللجنة كفيلا بتعزيز جاذبية مناخ الأعمال وفق وتيرة أسرع، وذلك ضمن مخطط للفترة الممتدة بين 2012-2013 يتضمن عدة محاور تهم تبسيط وتحسين شفافية المساطر الإدارية٬ وعصرنة الإطار القانوني للاستثمار٬ وتحسين حل النزاعات التجارية٬ وتسهيل ولوج العقار٬ وتعزيز تنافسية الجهات٬ وتحسين التشاور والتواصل حول الإصلاحات٬ وتشجيع المبادرة الخاصة والشابة٬ وتيسير ولوج التمويل٬ وتحسين أداء المرفق العمومي. ودعا عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة٬ الذي ترأس أشغال الاجتماع، المقاولة المغربية إلى «مضاعفة الجهود لأجل استثمار الفرص وتطوير المشاريع المبدعة والخلاقة»٬ كما دعا القطاع البنكي إلى «مواكبة تطوير القطاع الخاص وخصوصا المقاولات الصغرى والمتوسطة». وأبرز ابن كيران أبرز٬ خلال الاجتماع٬ الأهمية التي يوليها البرنامج الحكومي لتحسين مناخ الاستثمار والنهوض بتنافسية وإنتاجية المقاولة٬ وخلق المناخ الأمثل لجذب الاستثمارات التي تساهم في إيجاد فرص الشغل والرفع من نسبة النمو. وأكد ابن كيران حرص الحكومة على ترسيخ المقاربة التشاورية والتشاركية بين القطاعين العام والخاص وتكريس الثقة المتبادلة بينهما من أجل تطوير أسس الإنتاج والتنافسية للمقاولة والاقتصاد الوطني٬ داعيا إلى التنزيل الأمثل لمذكرة التفاهم التي وقعتها الحكومة مع الاتحاد للاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي باتت ترأسه مريم بنصالح . هاته الأخيرة، أكدت التزام هيئة رجال الأعمال، إلى جانب شركائها الحكوميين والاجتماعيين، بتقديم حصيلة سريعة وإيجابية٬ من خلال العمل على تفعيل هذه الإجراءات بما من شأنه تحسين مناخ الأعمال. وقالت رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في ندوة مشتركة مع محمد نجيب بوليف الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة٬ عقب انعقاد اجتماع اللجنة، إن الاتحاد سيواصل دعم مختلف الإصلاحات المتخذة في هذا الإطار٬ مؤكدة أن نقابة الباطرونا ستشكل «مؤسسة نشيطة وقوة اقتراحية وازنة ستتيح إلى جانب مختلف الفاعلين المعنيين تعزيز مناخ الثقة الكفيل بإحداث النمو المنشود». وشددت بنصالح٬ في سياق متصل٬ على أهمية دعم وإشراك المقاولات الصغرى والمتوسطة في إنجاز الأوراش المهيكلة الكثيرة التي انخرطت فيها المملكة خلال السنين الأخيرة، مؤكدة على أهمية تطوير القطاع الصناعي في أفق تمكينه من الاضطلاع بأدواره الأساسية على الوجه الأمثل٬ والمتمثلة أساسا في خلق مناصب الشغل وتوفيرعائدات جبائية تدعم خزينة المملكة. من جانبه، قال الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة٬ محمد نجيب بوليف٬ إن إجراءات قصيرة ومتوسطة المدى سطرتها الحكومة «سيستغرق تنفيذها سنتين إلى ثلاث سنوات»، مشددا على ضرورة الإسراع في «استغلال الثقة التي يحظى بها المغرب من أجل تحسين مناخ الأعمال وبالتالي دعم تنافسية الاقتصاد الوطني٬ وذلك عبر تقديم التسهيلات الضرورية للمستثمرين المغاربة والأجانب على حد سواء٬ مشيرا إلى أن «مختلف الزيارات التي قام بها أعضاء الحكومة لعدد من البلدان أثبتت نجاح النموذج المغربي في جذب اهتمام الفاعلين الاقتصاديين الأجانب». وهو ما يؤكده عبد السلام الصديقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية في تصريح لبيان اليوم شدد فيه على «ضرورة استغلال كل الإمكانيات المتاحة في مغرب ينعم بالاستقرار، على خلاف العديد من الدول وذلك من أجل استقطاب الرأس مال الوطني والخارجي مع توضيح الرؤية واحترام مقتضيات العمل اللائق». ودعا عبد السلام الصديقي الحكومة إلى «عدم الاقتصار على التعامل مع قشور الإجراءات القانونية والتنظيمية الثلاثين التي تعتبر عصارة مجهود اللجنة الوطنية المكلفة بمناخ الأعمال، بل عليها المضي إلى عمق الأشياء التي تدخل ضمن برنامجها الذي تقدمت به للشعب المغربي والذي نص وركز على رزمة من التدابير المتداخلة والمرتبط بعضها ببعض» . ويرى الخبير الاقتصادي عبد السلام الصديقي أن المغرب بإمكانه، في هذا الظرف العالمي المتميز بصعوبة الأوضاع الاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبأزمة متواصلة داخل بلدان الشمال تحول دون سيولة صادراته، (بإمكانه) أن يتقدم خطوات هامة على درب الاستثمار المنتج «لو تمكن، خلال الشهور القليلة القادمة، من القيام بإصلاح جذري لكل العوامل المتداخلة في عملية توظيف الرساميل مدعما بذلك ركائز الدولة الحديثة ومقصيا العديد من الشكليات والطقوس التي تعود إلى العصور البائدة». ويضيف المتحدث أنه بإمكان المغرب، «الذي يتوفر على سوق داخلي يمكن تطويره من خلال خلق مناصب الشغل والرفع من القدرة الشرائية، والذي يتوفر على أطر شابة تدير المقاولات بحس مهني وتعي جيدا أهمية موقع المغرب الجغرافي، أن يزيد في تحسين الرتبة الجيدة التي احتلها سنة 2011 في تصنيف البنك العالمي؛ لكن شريطة أن يعتمد، دون تردد أو كثير إعارة اهتمام لتضارب المصالح، إصلاحا جوهريا ومتكاملا ينطلق من قطاع القضاء ليصل إلى المنظومة التربوية مرورا بكل المحطات التي يحتاجها تشكل الرأسمال المنتج وتطوره وتوظيفاته المتعددة سواء على مستوى العقبات الإدارية أو على صعيد العقليات التي لازالت تشدنا إلى الخلف، أي إلى إصلاحات أفقية وعمودية متكاملة وحكامة ينتفي فيها سلوك التردد».